السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ :المجلس الوطني للصحافة وهيئة أخلاقيات الصحافة وحرية التعبير أية علاقة

جمال المحافظ :المجلس الوطني للصحافة وهيئة أخلاقيات الصحافة وحرية التعبير أية علاقة جمال المحافظ
في الوقت الذي تتم فيه الاستعدادات لانتخابات أعضاء المجلس الوطني للصحافة في الثاني والعشرين من يونيو المقبل، تبرز الحاجة الى تمثل واستحضار تجربة الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير التي كانت تهدف إلى المساهمة في تطوير وتجويد الأداء الإعلامي وتوجيهه لصالح الجمهور المتلقي وضمان حق المواطن في الخبر الصادق النزيه و احترام الكرامة الإنسانية فضلا عن العمل على إشاعة أكبر لأخلاقيات و آداب مهنة الصحافة وتكريس حرية التعبير والرأي.
وتأتى هذه الحاجة إلى استلهام العبر من هذه الهيئة على الرغم من انصرام نحو عقدين من الزمن على تأسيسها (قبل حركة 20 فبراير ودستور 2011)، انطلاقا مما يعرفه الوضع الإعلامي، من اختلالات وضعف في المنتوج والأداء الصحفيين بالإعلام العمومي والخاص مع تسجيل تراجع في المهنية عموما ، وفي منسوب اخلاقيات المهنة بالتحديد.
وإذ نترك الجواب عن سؤال الأسباب والمسببات عن هذا التراجع والتدني وما إن كانت أسبابا ذاتية؟ أو موضوعية؟ أو هما معا؟ أو ما إن كانت مجرد تجل لنتائج سياسات سابقة؟،( نتركه) إلى حين توافر دراسات علمية، ترصد هذا الواقع وتطرح الإشكاليات التي يعاني منها الإعلام، اعتمادا على مقتضيات البحث العلمي المستقل، فإن الأمر يتعلق بإثارة الانتباه إلى تجربة مغربية خالصة في التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة تمثلها "الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير" التي كان إحداثها في 19 يوليوز 2002 ، ثمرة نقاش واسع استغرق ما يربو عن سنتين بين كافة الأطراف التي لها علاقة بحرية التعبير.
وفضلا عن كون حدث تأسيس هذه الهيئة، شكل في حينه ، تعبيرا عن قناعة الصحافيين ووعيهم الإرادي المستقل ، بأن حرية الصحافة وحماية حرية التعبير والحفاظ على شرف المهنة والدفاع عن حق الجمهور في الإعلام النزيه، وحماية الصحفيين أثناء مزاولة المهنة، تعد ركائز جوهرية يؤمنون بها ويتمسكون بتطبيقها، فإن تأسيس الهيئة اعتبر أيضا تقدما نحو معالجة مسألة أخلاقيات الصحافة، بطريقة أكثر نجاعة، وأيضا نحو معالجة قضايا الصحافيين انطلاقا من تعهداتهم والتزامات
يعملون بأنفسهم على احترامها، دون إتاحة الفرصة لأطراف أخرى خارج المهنة لتبرير توجهات وممارسات تتناقض مع مبادئ حرية التعبير.
وعلى الرغم من أهمية هذه الهيئة، فإنها أفلت بشكل مفاجئ وكأن كافة الأطراف، اتفقت عن " سبق إصرار وترصد" على إنهاء مهامها سرا أوعلنا وأن هذه الثمرة " جاءت قبل وقتها"، فلم تعمر طويلا على الرغم من أن الهيئة كانت ذات تمثيلية دالة وذات رمزية لمنظمات من المجتمع المدني ومن شخصيات ذات مصداقية وكفاءة وتجرد.
وبالفعل شهدت الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير، كتجربة فريدة على المستوى العربي والإفريقي، وربما على مستويات أخرى، تعثرا في مسارها ، بالنظر للعديد من العوامل، من أهمها تقاعس بعض مكونات هذا التنظيم، عن الالتزام بالحضور والمتابعة، بالإضافة إلى عدم توفر الهيئة على أي دعم مادي أو لوجيستي من طرف السلطات العمومية . ومن المهم في هذا الصدد تسجيل أن "تعثر الهيئة" تزامن مع طرح مشروع المجلس الوطني للصحافة سنة 2007 في الدقائق الأخيرة من ولاية حكومة الوزير الأول ادريس جطو، وربط آنذاك بإصلاح قانون الصحافة والنشر وقانون الصحفي المهني، وهو المشروع الذي توقف بشكل نهائي منذ ذلك التاريخ، في ظل الخلاف مع الصحفيين، حول اشكاليات العقوبات السالبة للحرية في قانون الصحافة والنشر وبعض مضامين قانون الصحفي المهني .
وقد انصب الخلاف بين المهنيين والحكومة خلال تلك المرحلة، على مسألتين جوهريتين، أولهما الجهة المؤهلة لاقتراح أسماء الأعضاء بالمجلس من خارج الصحافيين المهنيين، وثانيهما، من له صلاحية وضع ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة. إلا أن هذا المشروع قد تم تجميده طيلة عهد حكومة الوزير الأول عباس الفاسي، رغم محاولة وزارة الاتصال المتكررة تشجيع مبدأ التنظيم الذاتي للمهنيين في الأشهر الأخيرة لولاية هذه الحكومة. وتمثلت أبرز ملاحظات المهنيين حول المجلس الوطني للصحافة آنذاك في التأكيد على ضرورة تدعيم تمثيلية الصحافيين، داخل المجلس، وإسناد رئاسته للصحفيين مع ضرورة تحقيق توازن الاختصاصات وبإعطاء صلاحيات عملية وفعلية للمجلس تمكنه من تطوير قطاع الصحافة والإعلام حرياته .
وإذا كان العديد من المتتبعين من مهنيين ومنظمات المجتمع المدني يعتبرون لحد الآن أن تجربة الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير كانت تجربة رائدة، ولازالت تكسي راهنية، فان ما يتعين استحضاره في خضم مسلسل هيكلة المجلس الوطني للصحافة، هو أن كل التجارب الدولية ومنها إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة " اليونسكو"، يؤكدون أنه لا يمكن
تقييد حرية الصحافة مهما كانت تنظيمات التقنين كالمجلس، إلا في إطار القانون، وعلى أساس أن تكون هذه القيود ضرورية لإعمال الديمقراطية والشفافية، وإعمال الأصول المرتبطة بضمان كرامة المواطنين والإنسانية بشكل عام، وبالتالي لا يجب أن يستعمل خطاب أخلاقيات مهنة الصحافة، كما يقال حق يراد به باطل.
إن طرح هذا الموضوع، الذى يتزامن مع وضع لبنات إخراج المجلس الوطني للصحافة، فإنه أيضا يأتي في سياق من عناوينه البارزة والدالة التراجع الملحوظ لآليات الفعل السياسي المؤهلة للمساهمة في الدعم والإسناد، على الرغم من اكتشاف أطراف اللعبة السياسية أخيرا للدور الحاسم الذي تلعبه، في ظل الثورة الرقمية، وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في عملية تشكيل الرأي العام، فضلا عن دوره المتعاظم في مجال الصراع من أجل ترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، التي تعد حرية الصحافة أحد أعمدتها. وبالتالي فإن الرهان الحقيقي لا يرتبط ب" معركة من أجل ضمان التمثيلية" والتموقع في المجلس الوطني للصحافة، بل أن الأمر يرتبط أولا بتجاوز المصالح والهواجس الشخصية، وثانيا بربح رهانات مصداقية هذا التنظيم حتى تكون لقراراته صدى داخل المجتمع بكل مكوناته، وتكون من تمت محل احترام وتقدير المهنيين والرأي العام.
                                                  د جمال المحافظ، صحفي باحث في الاعلام والاتصال