نحن في لحظة نهاية السنة الدراسية، ومعها يبدأ فصل الصيف، من حيث درجات الحرارة على الأقل، الذي بسبب التغيرات المناخية بات يسبق مواعيده الرسمية، ويغيّر معه أيضًا ملامح الأجندة الاجتماعية للأفراد.
فالمستخدمون يتسابقون لبرمجة عطلتهم، ومغاربة العالم شرعوا في العودة، أما حديث الناس هذه الأيام، فلا يكاد يخرج عن العطلة الصيفية… أين؟ ومتى؟ وكيف؟ وكم؟
العطلة التي لم تعد ترفًا ولا من الكماليات الأسرية والاجتماعية كما كان يُعتقد.
في الأصل، العطلة ليست مجرد توقف عن العمل أو الدراسة، بل هي لحظة عميقة بامتياز، مؤسَّسة على فكرة “التوقف المؤقت لاسترجاع الذات”. فالعطلة ليست هروبًا من العمل والإنتاج، بل عودة إلى منابع الإبداع والتأمل والإنسانية. هي زمن مختلف، يتجاوز منطق السرعة والمردودية، حيث يستعيد الإنسان حريته الطبيعية في العيش خارج القيد اليومي.
وقد عرفت البشرية منذ القدم هذا الفراغ” الممتلئ بالمعنى.
ببلادنا كانت العطلة الصيفية تعني العودة إلى الأصل إلى القبيلة و”الدوار”، أو إلى المدن الأصلية حيث يفر "الافاقيون " المدن الكبرى رتابة الرباط وضجيج البيضاء وغيرهما ليعودوا إلى "الدار الكبيرة” حيث الجذور الجغرافية، وتعيش الأسرة الممتدة.
فلا معنى للعطلة بدون “الجد” و”الجدة” و”العمة” و”الخالة”… فحكاياتهم وقصصهم هي التي كانت تصنع خيال ودهشة الاطفال ونضج اليافعين واهم فرصة لتجديد الروابط العائلية.
لكن الزمن تغير. والأسرة النووية باتت النموذج الغالب، وانعكس ذلك على تمثلات العطلة وعلى طرق قضائها. فلم تعد القرية وجهة، ولا صلة الرحم محركًا مركزيًا، بل أصبحت العطلة تعني عند كثير من الأسر “الفرار من الحرارة”، و”تغيير الأجواء”، و”كسر الروتين”، خاصة للأطفال والشباب الذين لا يكفيهم البحر أو المسبح، بل يحتاجون أيضًا لعرض ثقافي وترفيهي متنوع.
أكيد ان العطلة الصيفية اخدت مظهرًا حديثًا في تنظيمها، لكنها وجدت دائمًا في كل الثقافات، بأسماء ومظاهر مختلفة. لكن المفارقة اليوم، أن هذا التحول الاجتماعي والوجداني لم يواكبه عرض سياحي وطني يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الأسرة المغربية، بتنوعها الجغرافي والديمغرافي والاقتصادي.
فما زال جزء كبير من الاستثمار في السياحة ببلادنا موجهًا للسائح الأجنبي، وهذا أمر جيد لا شك فيه لاعتبارات اقتصادية واجتماعية وثقافية، لكن هذا لا يمكن أن يكون مبررًا لغض الطرف عن السائح المغربي.
لذلك، لم يكن غريبًا أن تهاجر آلاف العائلات متوسطة الدخل في الصيف نحو الجنوب الإسباني، حيث العرض السياحي أكثر تنوعًا، والأسعار أوضح، والخدمات أوفر، مقارنةً بوجهات مغربية مثل أكادير أو طنجة أو السعيدية، حيث الغلاء غير مبرر، مع ضعف جاذبية المحتوى العائلي.
لقد أدركت العديد من الدول، أهمية تشجيع السياحة الداخلية كرافعة للتنمية، ورافد للاستقرار الاجتماعي والنفسي.
فاليابان أطلقت برنامج Go To Travel الذي قدّم تخفيضات كبيرة للمواطنين على النقل والإيواء والأنشطة الثقافية بهدف إنعاش الاقتصاد المحلي وتشجيع استكشاف الجزر والمناطق الريفية.
و في البرتغال، تم إشراك البلديات والمدارس في تنظيم رحلات صيفية داخلية موجهة للعائلات والشباب، بتكلفة رمزية، لتعزيز الانتماء الثقافي والعدالة المجالية.
اما في فرنسا، ومنذ زمان يُعد شيك العطلة (Chèque-vacances) من أبرز أدوات تشجيع السياحة الداخلية، حيث تُمنح مساعدات مالية مباشرة للموظفين والأسر ذات الدخل المحدود، تُستخدم في تغطية مصاريف السفر والإقامة والأنشطة الثقافية والترفيهية داخل البلاد.
ويبقى القاسم المشترك في هذه التجارب هو أن الدولة لا تترك العطلة للأسواق فقط، بل تعتبرها استثمارًا في الاستقرار، والانتماء، والتوازن النفسي للمواطن.
صحيح أنه في الأسبوع الماضي، صدرت بعض القرارات المتعلقة بتحسين جودة خدمات الإيواء السياحي، بالفنادق والإقامات والمطاعم، وهو أمر جيد، لكن ما هو مطلوب أعمق بكثير .
فالمغرب في حاجة إلى استراتيجية وطنية للعطلة الصيفية، تجعل منها حقًا ثقافيًا واجتماعيًا، وتدمجها ضمن الرؤية الوطنية للعدالة المجالية والرفاه الانساني.
فالعطلة لم تعد شأنًا فرديًا، بل أصبحت قضية تهم السياسات العمومية. إنها جزء من مفهوم الرفاه الاجتماعي bien être social الذي لا يقل أهمية عن الصحة أو التعليم أو التشغيل.
فالمستخدمون يتسابقون لبرمجة عطلتهم، ومغاربة العالم شرعوا في العودة، أما حديث الناس هذه الأيام، فلا يكاد يخرج عن العطلة الصيفية… أين؟ ومتى؟ وكيف؟ وكم؟
العطلة التي لم تعد ترفًا ولا من الكماليات الأسرية والاجتماعية كما كان يُعتقد.
في الأصل، العطلة ليست مجرد توقف عن العمل أو الدراسة، بل هي لحظة عميقة بامتياز، مؤسَّسة على فكرة “التوقف المؤقت لاسترجاع الذات”. فالعطلة ليست هروبًا من العمل والإنتاج، بل عودة إلى منابع الإبداع والتأمل والإنسانية. هي زمن مختلف، يتجاوز منطق السرعة والمردودية، حيث يستعيد الإنسان حريته الطبيعية في العيش خارج القيد اليومي.
وقد عرفت البشرية منذ القدم هذا الفراغ” الممتلئ بالمعنى.
ببلادنا كانت العطلة الصيفية تعني العودة إلى الأصل إلى القبيلة و”الدوار”، أو إلى المدن الأصلية حيث يفر "الافاقيون " المدن الكبرى رتابة الرباط وضجيج البيضاء وغيرهما ليعودوا إلى "الدار الكبيرة” حيث الجذور الجغرافية، وتعيش الأسرة الممتدة.
فلا معنى للعطلة بدون “الجد” و”الجدة” و”العمة” و”الخالة”… فحكاياتهم وقصصهم هي التي كانت تصنع خيال ودهشة الاطفال ونضج اليافعين واهم فرصة لتجديد الروابط العائلية.
لكن الزمن تغير. والأسرة النووية باتت النموذج الغالب، وانعكس ذلك على تمثلات العطلة وعلى طرق قضائها. فلم تعد القرية وجهة، ولا صلة الرحم محركًا مركزيًا، بل أصبحت العطلة تعني عند كثير من الأسر “الفرار من الحرارة”، و”تغيير الأجواء”، و”كسر الروتين”، خاصة للأطفال والشباب الذين لا يكفيهم البحر أو المسبح، بل يحتاجون أيضًا لعرض ثقافي وترفيهي متنوع.
أكيد ان العطلة الصيفية اخدت مظهرًا حديثًا في تنظيمها، لكنها وجدت دائمًا في كل الثقافات، بأسماء ومظاهر مختلفة. لكن المفارقة اليوم، أن هذا التحول الاجتماعي والوجداني لم يواكبه عرض سياحي وطني يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الأسرة المغربية، بتنوعها الجغرافي والديمغرافي والاقتصادي.
فما زال جزء كبير من الاستثمار في السياحة ببلادنا موجهًا للسائح الأجنبي، وهذا أمر جيد لا شك فيه لاعتبارات اقتصادية واجتماعية وثقافية، لكن هذا لا يمكن أن يكون مبررًا لغض الطرف عن السائح المغربي.
لذلك، لم يكن غريبًا أن تهاجر آلاف العائلات متوسطة الدخل في الصيف نحو الجنوب الإسباني، حيث العرض السياحي أكثر تنوعًا، والأسعار أوضح، والخدمات أوفر، مقارنةً بوجهات مغربية مثل أكادير أو طنجة أو السعيدية، حيث الغلاء غير مبرر، مع ضعف جاذبية المحتوى العائلي.
لقد أدركت العديد من الدول، أهمية تشجيع السياحة الداخلية كرافعة للتنمية، ورافد للاستقرار الاجتماعي والنفسي.
فاليابان أطلقت برنامج Go To Travel الذي قدّم تخفيضات كبيرة للمواطنين على النقل والإيواء والأنشطة الثقافية بهدف إنعاش الاقتصاد المحلي وتشجيع استكشاف الجزر والمناطق الريفية.
و في البرتغال، تم إشراك البلديات والمدارس في تنظيم رحلات صيفية داخلية موجهة للعائلات والشباب، بتكلفة رمزية، لتعزيز الانتماء الثقافي والعدالة المجالية.
اما في فرنسا، ومنذ زمان يُعد شيك العطلة (Chèque-vacances) من أبرز أدوات تشجيع السياحة الداخلية، حيث تُمنح مساعدات مالية مباشرة للموظفين والأسر ذات الدخل المحدود، تُستخدم في تغطية مصاريف السفر والإقامة والأنشطة الثقافية والترفيهية داخل البلاد.
ويبقى القاسم المشترك في هذه التجارب هو أن الدولة لا تترك العطلة للأسواق فقط، بل تعتبرها استثمارًا في الاستقرار، والانتماء، والتوازن النفسي للمواطن.
صحيح أنه في الأسبوع الماضي، صدرت بعض القرارات المتعلقة بتحسين جودة خدمات الإيواء السياحي، بالفنادق والإقامات والمطاعم، وهو أمر جيد، لكن ما هو مطلوب أعمق بكثير .
فالمغرب في حاجة إلى استراتيجية وطنية للعطلة الصيفية، تجعل منها حقًا ثقافيًا واجتماعيًا، وتدمجها ضمن الرؤية الوطنية للعدالة المجالية والرفاه الانساني.
فالعطلة لم تعد شأنًا فرديًا، بل أصبحت قضية تهم السياسات العمومية. إنها جزء من مفهوم الرفاه الاجتماعي bien être social الذي لا يقل أهمية عن الصحة أو التعليم أو التشغيل.