الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

اليزيد البركة: وما أدراك ما الدولة المخزنية؟

اليزيد البركة: وما أدراك ما الدولة المخزنية؟

كثيرة هي التعاليق التي تابعتها والتي ترمي إلى أن تبين أن الفدرالية خاطئة في مشاركتها في الانتخابات التشريعية، فيها تعاليق تذهب إلى درجة التخوين والكذب كمن قال ردا على أننا نناضل في الساحة ونناضل في المؤسسات المنتخبة ولكي يدعم طرحه بأننا نعمل فقط في المؤسسات أن: "الفدرالية انسحبت من 20 فبراير" هكذا بدون أي حياء، ورجع من جديد إلى اسطوانة أننا نبيع الوهم للناس، تعاليق أخرى تقول إن الفدرالية لا يمكن لها أن تطبق برنامجها حتى ولو فازت بالأغلبية.. آخرون يقولون سيقع لنا ما وقع لكل الأحزاب التي مارست السلطة.. لكن الطريف هو ما صادفته اليوم في تعليق على تدوينة وضعتها أسفله في جداري بين صاحبها كيف اقتنع بالتصويت على الفدرالية وبين الأدلة التي دفعته للانتقال من المقاطعة إلى التصويت على الفدرالية. هذا التعليق يقول: "وارد جدا أن تقولب كما تقولبت مع الباجدة سابقا.. ولاد عبد الواحد واحد".

قبل الحديث عن التصورات السابقة وبأمثلة تقرب الموضوع المطروح للناس، أسارع لأقول إن العدالة والتنمية لم يكذب على أحد ولم يقولب أحدا في الموضوع المتعلق بالنقاش أي موقفه من طبيعة الدولة، لقد كان وفيا لموقفه من الملكية ومن إمارة المؤمنين ومن الحريات العامة والفردية قبل 20 فبراير وبعدها، بل إن اللجنة المكلفة بالتواصل مع الأحزاب والمجتمع المدني لوضع مشروع أولي للدستور وجدت نفسها أمام ضغوطات شتى من طرف العدالة والتنمية ومن الأذرع المرتبطة به وبتعاون من الطابور الديني الرسمي هو انقلب في مواضيع اقتصادية واجتماعية وليس طبيعة الدولة. لذا فإن هذه اليسارية المزعومة الآن بأنه تم التصويت عليه من باب أن الأمل فيه أن يغير الدولة لا أساس له وكان من الأجدر القول إن المرء صوت عليه لهذا السبب أو ذاك، سبب شخصي أو عام ولكن ليس لسبب تحقيق الديمقراطية .

لنعد الآن إلى التصورات السابقة ، ماذا جرى ويجري في المغرب بعد حكومة عبد الله ابراهيم؟

لقد تهيكلت الدولة هيكلة متينة جمعت الأساليب الجديدة في الإدارة والحكم لتفعيل القديم في البنية الفوقية. وسأعطي المثال بآلة ضخمة تتحرك وتفكر وتقوم بشتى الأعمال (روبو)، هذه الآلة تمارس لعبة الملاكمة في الساحة السياسية مع المجتمع، قفازات الملاكمة هي الأحزاب السياسية، الآلة تغير القفازات ولا تغير اليدين الطويلتين ولا الرجلين القوتين والضخمتين ولا الرأس الكبير الجلمودي .

الآن القفاز الذي تضعه الدولة هو قفاز العدالة والتنمية في اليد اليمنى مع وضع أدوات أخرى عبارة عن أحجار بداخل القفاز لإحداث المزيد من الألم في كل ضربة موجهة للمجتمع. اليد اليسرى فيها قفاز آخر عبارة عن كل من يقف في الصف ليكون أحد أدوات الدولة المخزنية. وهي ستعمل كامل جهدها لتفرز الانتخابات التشريعية فريقا من الذين سيكونون مكملين لدورها الاستراتيجي في الحكم والتسيير .

هذا الخط السياسي له رواده حتى وسط اليسار هو ليس وليد اليوم، ولكنه لم ينجح في مسار الصراع إلا بعد أن تراجع دور اليسار وسط الجماهير، أي الخط الذي يقول بأنه من الضروري ألا يبقى اليسار مجرد منظمة تنتج الأطر الكبيرة ليستفيد منها الحكم.. لذا يجب أن نمارس السلطة حتى نوقف نزيف الكفاءات التي تذهب إلى إدارات الدولة. وكمثال كان المرحوم عبد الرحيم بوعبيد يرفض هذا المنطق ويقول لا يمكن أن نسير الدولة إلا ببرنامجنا وفيما بعد أصبح يقول إلا ببرنامج الكتلة .

لنا تاريخ طويل في مواجهة هذا الخط أو ما نسميه بالانتهازية بكل أشكالها ولسنا وليدي اليوم لنبين أننا لا نسعى إلى حكومة في ظل ملكية مخزنية، ومع ذلك ودرءا لكل الأقاويل عن حسن نية أو عن سوء نية قلنا في برنامجنا أننا نناضل من أجل دولة ديمقراطية بدستور ديمقراطي حقيقي وبملكية برلمانية حسب ما هو معمول به في كل الملكيات البرلمانية في العالم، وهذا مثبت في ورقتنا السياسية في الفدرالية وفي أوراق كل حزب من أحزابها. ونعتبر بأن تنفيذ برنامجنا الشامل رهين بتحقيق هذا الهدف السياسي الاستراتيجي. القول إننا نسعى أن نكون موظفين في دولة مخزنية، هذه أضغاث أحلام ينشرها من ينطلق من نفسه ليحكم على الآخرين لأنه أصلا عاجز في السياسية لأن يقول للمخزن لا .

مجلس النواب والمؤسسات المنتخبة محليا وجهويا هي ليست من مؤسسات الدولة وأجهزتها هي بين الدولة وبين المجتمع ولا تصبح مؤممة للدولة إلا إذا تمكن من يحوم حول الدولة من الهيمنة عليها، أما إذا تمكن من يدافع عن المجتمع في أن يفوز بها فإنها في هذه الحالة تكون مكملا للأحزاب التي تدافع عن المجتمع. إذن الصراع حول المؤسسات المنتخبة في الشروط الحالية واجب علينا.. ولو كانت هناك شروط أخرى لننخرط في المقاطعة لانخرطنا فيها كما فعلنا في الانتخابات التشريعية السابقة. ومع الأسف لم نستطع في تلك المقاطعة أن نوقف العجلة لأن المقاطعة علميا هي  boyccotter أي لا تترك شيئا يمر. إذا كانت بضاعة كانت توضع متاريس وحراسة وغير ذلك ولا تمر البضاعة الغير المرغوب فيها وإذا كانت انتخابات توضع المتاريس وتنتشر الجماهير الواسعة في كل الشوارع والنقاط مانعة إجراء الانتخابات وليست هي الدعوة إلى عدم التصويت فقط . في كل مرة كنا نقاطع نحس أن الجماهير حتى أثناء 20 فبراير لا ترغب في boyccotter لكن التاريخ لا يعرف المستحيل عندما نحس أن الشروط مواتية ليس حتى للمقاطعة الثورية، بل فقط مقاطعة ذات مردود مؤثر فلن نتوانى عن خوض غمارها. أما الآن فإن كل الشروط تبين أن خطنا السياسي القائم على النضال من أجل تحويل في طبيعة الدولة هو الخط الصحيح لأنه تحصيل حاصل لعدد كبير من الدروس السياسية سبق أن تم وضع اليد عليه في مسارنا السياسي.. وإذا تمكنا من الحصول على بعض المقاعد، فلن تكون إلا صوتا قويا للسير باستراتيجيتنا إلى الأمام في تناغم بين النضال في المؤسسات المنتخبة بين النضال في الساحة مع الطبقة العاملة ومع الفلاحين ومع كل الفئات المسحوقة.