الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

تفكيك حيثيات تقرير"غوتيريس" استشرافا لقرار مجلس الأمن

تفكيك حيثيات تقرير"غوتيريس" استشرافا لقرار مجلس الأمن أنطونيو غوتيريس، و يوسف القياس

لا شك أن أي متتبع بشكل دقيق لتحركات البوليساريو مسنودة من الدولة "الشقيقة" الجزائر، في السنوات الأخيرة. يدرك أننا أمام عمليات تكتيكية متسلسلة و متنوعة (سياسية- عسكرية- قانونية- اقتصادية) ضد المصالح العليا للمملكة المغربية. على سبيل المثال (تحرك عناصر من ميليشيات البوليساريو بمنطقة المحبس و بئر لحلو أو تيفاريتي أو الكركرات سابقا، و كذا قرار محكمة العدل الأوربية).

البوليساريو تهدف من وراء هذه العمليات التكتيكية إلى أهداف إستراتيجية أهمها، التموقع في قرارات مجلس الأمن و قرارات الأمم المتحدة.

و الهدف هو أنها تريد أن تكون الطرف الأساسي في النزاع، خاصة بعد القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي،  و الذي يحمل الدولة الجزائرية المسؤولية، و يعتبرها إلى جانب موريتانيا الطرف الأساسي في حل نزاع الصحراء. إذا هي تريد أن تقوض هذه المقاربة الأممية لتكون هي الطرف الوحيد و الأوحد بالنسبة للصراع، و هذا يخدم النظام الجزائري.

لكن، و رغم المكر الديبلوماسي و المناورات السياسية و التضليل الإعلامي المفرط للجزائر و جبهة البوليساريو ضد المغرب. جاء تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر، يوم الأربعاء 04 أبريل 2018، مخيبا لآمال و توقعات خصوم المغرب.

تقرير أنطونيو غوتيريس المرفوع إلى مجلس الأمن تضمن حيثيات غاية في الأهمية، وجب استثمارها من طرف الديبلوماسية المغربية في أفق التأثير الإيجابي على قرار مجلس الأمن الصادر الأسابيع المقبلة.

و لهدف تقريب القارئ من هذا التقرير، سنحاول استعراض أهم مميزاته و خلاصاته.

تقرير غوتيريس لسنة 2018 جاء عملا بقرار مجلس الأمن رقم 2451 لعرض ما جد من تطورات ووصف الحالة على أرض الواقع, و وضع المفاوضات السياسية المتعلقة بالصحراء و التقدم المحرز فيها و الصعوبات الراهنة التي تواجه البعثة الأممية و الخطوات المتخذة منها من 30 أبريل 2017 الى 30 أبريل 2018. كما أنه جاء نتاج مناقشات و ملاحظات تلقاها من الدول حيث وصلت المسودات الى حوالي خمس مسودات كان يتم تنقيحها بناء على ما يستجد الى أن وصلنا للصيغة النهائية التي تم تقديمها لمجلس الأمن و التي ستكون الأرضية التي سيعد من خلالها قرار مجلس الأمن.

-1 - الهندسة الشكلية للتقرير:

تميز التقرير بلغة ديبلوماسية بوليميكية ذكية. و هو من الناحية الشكلية لم يعرف تغييرات جوهرية مقارنة بتقرير أبريل 2017. حيث يتكون هذا التقرير من ثمان محاور ( 1 مقدمة، 2 عرض مفصل حول التطورات الأخيرة حول الصحراء، 3 تقديم مفصل حول الأنشطة السياسية، 4 وصف مفصل لأنشطة البعثة، 5 عرض مفصل حول الأنشطة و حقوق الإنسان، 6 فقرة مختصرة حول الاتحاد الإفريقي، 7 تقديم مفصل حول الجوانب المالية، 8عرض الملاحظات و التوصيات التي سترفع لمجلس الأمن الدولي).

-2 - قراءة لأهم المحاور و الفقرات في تقرير غوتيريس:

* المقدمة:

تضمنت نقطتين أساسيتين، أولهما (تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء هو الألماني كوهلر، و أيضا الكندي كولن ستيوارت ممثلا خاصا للأمين العام للصحراء رئيسا للبعثة). ثانيا، تحديد رؤية و مرجعية التقرير.

* التطورات الأخيرة بالصحراء:

نص التقرير في فقرته 5 على أن مجلس الأمن الدولي قد أقر بالأزمة الأخيرة بالمنطقة العازلة بسبب خرق ميليشيات البوليساريو للاتفاق، و تأكيد المغرب أن الاتفاق العسكري رقم 1 مازال صالحا و يشكل ضمانة للحفاظ على وقف إطلاق النار. كما أقر التقرير بحدوث تدخل لميليشيات البوليساريو في منطقة الكركرات و الذي اعتبره خرقا للاتفاق إطلاق النار الموقع سنة 1991.

و تجدر الإشارة إلى أن هذا المحور تضمن 3 فقرات مهمة جدا ( 5 و 7 و 8 )، حيث اشتمل على نقاط أثبتت تواطئ النظام الجزائري و فضحت ميليشيات البوليساريو بالمنطقة العازلة، نجمل هذه النقاط فيما يلي:

- نزاع الصحراء يقع ضمن الاختصاص الحصري لمجلس الأمن الدولي، بالتالي تم قطع الطريق على محاولة اقحام الاتحاد الإفريقي في النزاع.

- تعرية الواقع المأساوي الإنساني و الحقوقي بمخيمات اللاجئين تندوف.

- عدم تعرض التقرير لحكم محكمة العدل الأوربية، و هذا أمر غاية في الأهمية.

- إشارة التقرير في الفقرة 11 إلى خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السنوية 42 للمسيرة الخضراء، الذي حدد فيها 4 مبادئ "ثابتة" كشرط أساسي لتعاون المغرب مع المبعوث الشخصي للأمين العام و الالتزام بالمشاركة في العملية السياسية.

* الأنشطة السياسية:

تطرق هذا المحور إلى أنشطة المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، و التي تدل على إرادته لاستئناف العملية السياسية بروح و دينامية جديدة. مشيرا إلى تشبث جلالة الملك محمد السادس بمرجعية التفاوض وفق مبادرة مشروع الحكم الذاتي، و اعتبار الجزائر طرفا أساسيا في الصراع.

كما أشار التقرير الأممي إلى خطورة الوضع الأمني على الحدود الجزائرية التي تتواجد بها البوليساريو بعد تحويلها الى مرتع للإرهاب، و هذا أمر يثير قلق الأمم المتحدة و كل القوى العظمى.

هذا المحور أشاد بدور الجيش المغربي في الإجراءات المتعلقة بالألغام، حيث ذكر التقرير أن الجيش المغربي قام بتطهير أكثر من 144770000 متر مربع غرب الجدار الرملي، و تدمير 1121 صنفا من الألغام، بما في ذلك 1008 من الذخائر غير المتفجرة، إضافة الى 56 من الألغام المضادة للدبابات، و 56 من الألغام المضادة للأفراد.

* أنشطة البعثة:

إقرار السيد الأمين العام من خلال الفقرة 36 بكون ميليشيات البوليساريو خرقت المنطقة العازلة بكيفية متكررة بين 30 أبريل 2017 و 21 مارس 2018 ، و أكد أن عناصر جبهة البوليساريو موجودة في منطقة الكركرات حتى فاتح مارس 2018. منوها بالجيش المغربي الذي لم يرتكب أي انتهاكات لحرية التنقل خلال الفترة المشمولة للتقرير، عكس مقابل أزيد من 192 انتهاكا للبوليساريو.

- تأييد الأمم المتحدة لموقف المغرب حول حدود مهام البعثة الأممية "المينورسو". حيث يرفض المغرب ادراج ملف رصد حقوق الإنسان أو التواصل مع السكان المدنيين بغرض اعداد تقارير سياسية ضمن اختصاصات بعثة المينورسو. و هو الأمر الذي يمثل ضربة لمخططات الجزائر و جبهة البوليساريو.

* الأنشطة الإنسانية و حقوق الإنسان:

ربما يمثل هذا المحور أحد النقاط السلبية في التقرير بالنسبة للمغرب، بشكل نسبي. لذلك فالمغرب مدعو بشكل ملح الى تدارك الأمر.

كما وصف التقرير الأممي الوضعية المزرية لمحتجزي تندوف "بالوضع الخطير". حيث يواجه الآلاف من المحتجزين خطر الموت جراء سوء التغذية في ظل تراجع المساعدات الدولية و استغلالها من ادن قادة البوليساريو و الجزائر. و لقد دقت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ناقوس الخطر في تقريرها سنة 2015 حيث رصدت أن شبابا من مخيمات تندوف أصبحوا ينخرطون في الجماعات الإرهابية نتيجة اليأس و الحرمان الذي يعانون منه.

* الملاحظات و التوصيات:

يعتبر هذا المحور أهم جزء من تقرير غوتيريس، حيث يتشكل من 13 فقرة ستعتمد كمرجعيات لقرار مجلس الأمن الدولي ليوم 30 أبريل الجاري. نجمل أهم خلاصاته فيما يلي:

- رغبة السيد الأمين العام في إعطاء دينامية جديدة بتيسير مفاوضات مباشرة دون تحديد شروط.

- دعوة الجزائر الى المشاركة في عملية التفاوض، و تحميلها مسؤولية عودة التوتر الى المنطقة بدعمها المالي و السياسي و الديبلوماسي و العسكري و اللوجستيكي لميليشيات البوليساريو. و هذا يشكل انتصارا كبيرا للمغرب وجب استثماره.

- إشادة التقرير بحكمة المغرب في التعامل مع أزمة الكركرات. و تشديده على خطورة الوضع الأمني بالمنطقة العازلة.

- تجديد الأمين العام للأمم المتحدة قلقه و تخوفه من إمكانية ارتماء محتجزي تندوف في أحضان الجماعات الإرهابية.

- عبر الأمين العام عن قلقه عن مصير المساعدات الإنسانية المالية التي توجه الى محتجزي تندوف (الفقرة 87). يرتقب أن تتجاوز سنة 2018 مبلغ 58.5 مليون دولار، مما يستدعي فتح تحقيق.

- الحفاظ على أدوار البعثة الأممية بالمنطقة دون توسيع صلاحياتها لتشمل حقوق الانسان، و هذه صفعة قوية للجزائر و البوليساريو.

ختاما، يظهر جليا أن تقرير السيد الأمين العام للأمم المتحدة لسنة 2018، يعد أكثر التقارير الأممية انصافا للمغرب. حيث تضمن تنويه مهم باقتراحات و مبادرات المغرب أسابيع قبيل تبني مجلس الأمن لقرار جديد حول النزاع، و هو ما يمثل صفعة قوية للجزائر و البوليساريو. و يؤشر على إمكانية قوية الى اتجاه قرار مجلس الأمن المقبل لصالح المغرب، ‘ذا أحسنت الديبلوماسية المغربية استثمار مضامين هذا التقرير.

لكن، أمام المغرب تحديات على مستوى عدة أصعدة، خصوصا المجال الحقوقي الذي هو في حاجة الى مجهودات جبارة. كما أن على المملكة المغربية ترسيخ مقاربتها الجديدة لإدارة ملف نزاع الصحراء، حيث وجب انتهاج مقاربة هجومية و هذا يمر عبر الجهة الشرقية للجدار و الجهة الجنوبية. فهذا جزء لا يتجزأ من التراب الوطني و من الوحدة الترابية و الوطنية.

في السياق نفسه، يجب على الأحزاب السياسية و الإعلام المغربي و ممثلي سكان الصحراء، أن يكثفوا تحركاتهم على مستوى أكثر من واجهة لإعطاء المقاربة الديبلوماسية الجديدة للمغرب بعدها الاجتماعي و الإعلامي و السياسي و الشعبي.

يوسف القياس، باحث في مجال العلاقات الدولية