الخميس 25 إبريل 2024
اقتصاد

  أحمد أزيرار:الاختلالات الثلاثة التي شلت النموذج الاقتصادي المغربي

  أحمد أزيرار:الاختلالات الثلاثة التي شلت النموذج الاقتصادي المغربي   أحمد أزيرار
تجاوبا مع الخطاب الملكي:النموذج التنموي المغربي تحت مجهر الملتقى الدولي لجامعة الحسن الثاني بالبيضاء
نظمت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. الملتقى الدولي حول النموذج الاقتصادي المغربي أيام 21،22 و23 مارس 2018.
هذه المبادرة تأتي تجاوبا مع الخطاب الملكي، الأخير، الذي دعا فيه جميع الفعاليات من أجل التفكير في أسس، أفق وتحديات النموذج الاقتصادي المغربي الذي أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن.
وقد انطلق المنظمون لهذا الملتقى من النتائج الوخيمة للأزمة المالية والاقتصادية التي عرفها العالم في العشرية الأخيرة على الاقتصاديات النامية والسائرة في إطار النمو حيث أثرت سلبا على التطور الاقتصادي. وكما هو الحال مع جل الأزمات التي تنتج مجموعة من التغييرات، فإن أزمة العشرية الأولى من القرن 21 مكنت أهل الاختصاص في مجال الاقتصاد من التفكير العميق في النماذج الاقتصادية المعتمدة في الدول التي أثرت عليها الأزمة. هذه الأخيرة أعطت نفسا جديدا للنقاش حول مجموعة من التساؤلات والاشكاليات الخاصة بالنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، و توزيع الثروات في الدول المتقدمة وكذا الدول السائرة في طريق النمو على حد سواء.
وتكمن أهمية هذه القراءة النقدية في النماذج الاقتصادية في كونها مستمدة من عمق الفوارق وغياب التوازنات الاجتماعية والاقتصادية . ففي الدول السائرة في طريق النمو كالمغرب مثلا تعتبر هذه الفوارق نسقية من حيث بعدها الزمني وأثرها على العوامل الخارجية.
                                    أحمد أزيرار، اقتصادي. أستاذ جامعي
                الاختلالات الثلاثة التي شلت النموذج الاقتصادي المغربي
-النموذج التنموي الحالي للمغرب مازالت تعترضه عراقيل، لماذا في نظرك؟
+إن ما يسمى «بالنموذج» المغربي لم يرق إلى ما هو متوخى منه من تسريع للتنمية ومن إدماج اجتماعي ومجالي. نعم حققت في السنوات العشرين الماضية أهداف مهمة في مجالات متعددة خصوصا في التجهيزات إلا أنها تبقى غير كافية. .كما يعلم الجميع، فقد انخفضت منذ مدة معدلات النماء في وقت شهد فيه المغرب انتقالا ديمغرافيا يدفع بإعداد هائلة من الشباب نحو سوق الشغل. وهو الأمر الذي يعد نعمة يجب الانتفاع بها كما أنه يقتضي اقتصادا قويا.مع العلم أن الزخم الهائل للاستثمار العمومي أبان مع الأسف عن قلة مردوديته وذلك لحكامة ضعيفة ولعدم الدعم الكافي له من طرف لاستثمار الخصوصي المنتج خصوصا الوطني.
أخطر ما في الامر على كل هو عدم قدرة الاقتصاد المغربي على خلق العدد الكافي من مناصب الشغل لامتصاص العدد الكبير من الشباب سواء منه الحامل للشواهد العليا أو غيره وحتى من خريجي التكوين المهني. الأصعب هو أن نسبة القوة العاملة في السكان تراجعت إلى مستوى يقارب 45 في المائة، حيث ارتفعت نسبة التبعية الاجتماعية. مع هذا والإنتاجية المغربية في تدن على المدى الطويل الى 1,2 في المائة سنويا في الوقت الذي نحتاج فيه إلى 2 في المائة على الأقل وباسترسال.
لن يفوت كذاك أن نلاحظ ان الفوارق الطبقية قد تفاقمت رغم ارتفاع مضطرد للدخل القومي المتوسط منذ سنين. كما اضحى لا يكفي المواطن تنميق المدن وشوارعها، وان كان هذا مهما، في وقت لا تستفيد فيه البوادي في عدة جهات وحتى بعض ضواحي المدن من الطفرة التجهيزية المحققة.
مع العلم أن تدني الخدمات الاجتماعية الرئيسة واقع خصوصا بالنسبة للشرائح المتوسطة من السكان التي تتضرر بوتيرة مضاعفة لعدم ملاءمة هاته الخدمات لمتطلباتها وللضغط الضريبي الذي تتحمله.
باختصار يشكو النموذج الاقتصادي المغربي حسب دراسات متعددة من ثلاثة اختلالات بينة:
* التكوين الغير الكافي وغير الجيد للقدرات البشرية الوطنية، مع ما لهاته الحالة من انعكاسات سلبية عديدة.
* قلة القطاعات الحيوية المنتجة والتنافسية خارجيا والخلاقة لمناصب الشغل اللائق، وذلك لتواجد ريع لا زال قائما ولعدم اهتمام رأس المال المغربي بتلك القطاعات موكلا إياها الى الاستثمار الخارجي.
* عدم نجاعة السياسات العمومية وذلك لعدم التناغم في ما بينها وعدم التكامل والتعاون بين الأطراف المسؤولة المتعددة، وعدم التقييم الممنهج لتلك السياسات، وطنيا ومحليا، وقطاعيا، وكذا قلة المحاسبة.
-هل يمكن القول إن المخططات القطاعية لم تؤت أكلها؟
++ إن المخططات القطاعية كنظيراتها الجهوية جد ضرورية إن اندرجت في نظرة شمولية متناغمة فيما بينها ومسيرة بحكامة جيدة. لذا فإن اختيار منهجية التخطيط القطاعي لا يؤتي أكله كاملا إلا إذا كان هناك تناغم بين هاته المخططات وحكامة صارمة لها. على أي فإن المخططات قيد التطبيق متفاوتة النتائج فيما بينها. كما أن كل المؤسسات حتى الرسمية منها من قبيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي قد اكدت النقائص المتعددة لهته المخططات وضعف مردوديتها.
ما في الأمر أنه لا يمكن للمغرب أن يسير بسرعتين، من ناحية توجد مخططات ضخمة استفادت من أموال كثيرة، لكن بالمقابل أثرها على المواطن تبقى محدودة مجاليا واجتماعيا، فيما يتعلق بمستوى العيش والخدمات الأساسية والشغل اللائق. وجهات شبه راكدة من ناحية أخرى.
إن الضرورة ملحة لتنويع الاقتصاد وتسريع التصنيع والخدمات المرتبطة بالصناعة. وهذا يتطلب ربط المزيد من المقاولات المتوسطة بسلاسل الاقتصاد العالمية مع دعم لها من طرف المقاولات الكبرى الخاصة التي يجب ان تنخرط بكثافة في قطاع الصناعة والتكنلوجيا. آن الأوان لمشاركة قوية للاستثمار الوطني في القطاعات الصناعية بدلا من تركها للأجانب وحدهم. أكثر من هذا حان الوقت للصعود بالاستراتيجية الوطنية في ميادين العلم والمعرفة والبحث التكنولوجي والابتكار. لا تكفي أبدا نسبة 0.8 في المائة من الدخل القومي المخصصة حاليا لهذا المجال الحساس كما ان سياستنا في استقطاب القدرات سوآءا منها المغربية المتواجدة خارج الوطن أو الأجنبية وكذا الحد من هجرة الأدمغة لها أهميتها القصوى.
- ما هي الحلول الممكنة ليلتحق المغرب بمقدمة الدول الصاعدة؟
++بالطبع لا يمكن تقزيم التنمية في المنظور الضيق للنمو الاقتصادي وان كان النمو، شريطة أي يكون دامجا ومستداما، من الأولويات الملحة. لذا فان المشروع التنموي الكفيل بضمان تنمية اقتصادية شاملة يجب أولا ان يصحح اسس التجربة الحالية على أصعدة مختلفة.
فما دمنا قد اخترنا النظام الديمقراطي فأول تصحيح من الضروري أن يطال نظامنا الديمقراطي وتطبيق صارم لدستور 2011. التصحيح يجب كذلك أن يغير المنظومة الإدارية الوطنية والجهوية والمحلية، لأنه لا يمكن ان يستمر الحال على ما هو عليه من تدن للإنتاجية ولروح المسؤولية. الأمر عام وكل الإدارات معنية بالتغيير من عدل، وتعليم، ومالية، وداخلية، وخارجية، وفلاحة، وثقافة، وصحة ... الخ، في الوقت الذي لا يحب تعميم الحكم على جميع الموظفين. يجب كذلك اذكاء دينامية قوية في عالم المال والأعمال. لأن دور الأبناك والمستثمرين المحليين وتجمعاتهم المهنية أمر محوري في اعمال القفزة النوعية المتوخاة. ان الاستثمار المنتج وتحفيز العمال وأداء المستحقات أمور جوهرية. اذ لا تقدم بدون قطاع خاص حيوي منضبط ومسؤول وواع بدوره التاريخي، ووطني حتى النخاع.
إن المقاولة كما هي جديرة بكل تقدير، هي في الوقت نفسه، مطالبة بتسيير أفضل لقدراتها البشرية وقدراتها الاستثمارية ولسياستها الابتكارية. القطاع الخاص لا يساهم بما فيه الكفاية في الاستثمار المنتج ولا في تمويل البحث العلمي والابتكار. الكل يعلم انه لا إنتاجية مرتفعة بدون ابتكار وبدون تكوين مستمر وبدون تحفيز للأطر والعمال. أقول هذا لان اول الاولويات تبقى برنامجا جد طموح للتشغيل وتعبئة الشباب. وهنا للمقاولة وللاستثمار الخاص دورهم المفصلي.
أخيراً، لا يمكن لأي بلد أن يسير بدون رؤية مستقبلية واضحة متفق عليها ديمقراطيا، وأن كان ترتيبها تكنقراطيا بالطبع. من الضروري وجود رؤية تشاركية شاملة واضحة. ان الاجماع الوطني حول أهداف محورية هامة بين جميع الهيئات السياسة الوطنية أمر ضروري، يعمل أي تحالف حكومي مهما كان لونه على تطبيقها أحسن تطبيق بالنزاهة والكفاءة والمسؤولية والمحاسبة.