الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى ملكو: إحراج السيّاسة بالثقافة؟

مصطفى ملكو: إحراج السيّاسة بالثقافة؟ مصطفى ملكو

ما أحوج اليوم حقلنا السياسي إلى نفض الغبار عن مفاهيم ومصطلحات أصبحت متجاوزة وما تلبث متداولة دون تبيئة ولا تحيين.

ما أحوجنا اليوم كذلك إلى دراسات ميدانية وبحوث رصينة تسلّط الضوء على الواقع المعيش للمغاربة، الذي تُهَوِّن من وطأته السلطات الحكومية، كما تسلط الضوء على الأرقام والإحصاءات التي تبشّرنا بها الحكومة، وهي بعيدة كل البعد عن واقع أزمة حالة ماليتنا العامة المتفاقمة بمعايير العجوزات بالجملة للموازنة العامة، بالميزان التجاري، بميزان المدفوعات، بالاستثمار العمومي وبمقوِّمات التنمية البشرية..... إلخ.

أُقِرُّ أنني لستُ من هواة السَّرْدِ الموضوعاتي الممل الّذي قد يُغْرِق في دراسة وبحوث ميتافيزيقية لا تَمُت إلى واقع الحال ببلدنا، أو على الأقل لا تدخل في باب الاستعجال للإجابة على تطلعات شعببنا.

إن المُدْخَلات الخاطئة لا يُمكن أن ينتج عنها إلاّ مُخْرجات خاطئة Les faux inputs ne peuvent déboucher que sur de faux outputs  وهذه من نواقص مؤسسات و معاهد البحوث ببلادنا.

من هنا أَخْلصُ، وبدون مواربة، إلى القول أن من المهام التي أراها محورية لمؤسسات البحوث والدّراسات ببلادنا، المعاينة والتشخيص الرَّصينين للواقع المعيش لبلدنا، لأنني أبقى من المؤمنين، أن أي دراسة لا بد لها أن تُجيب على أسئلة قائمة وليس على أسئلة افتراضية عامة، كما أنه لا يمكن استشراف المستقبل دون الإلمام والإحاطة بالحاضر. كذلك لا بد من تركيز مَنْظار التصويب ciblage على الأهمِّ ثم المُهِم، بعد العمل المرحلي الّذي هو المعاينة و التشخيص أولاها:

1- معاينة وتشخيص بِنْيةَ وعَقْل منظومتنا السياسية وآليات اشتغالهما والأهداف المُتوخاة، من مسكوت عنه لكن مُفَكّرُ فيه؟

2- معاينة وتشخيص بنية اقتصادنا وعقلنا المقاولاتي وتصوّرنا لمفهوم المنافسة داخل نسيج اقتصادي تهيمن عليه الأوليجارشية والريع لفكِّ الارتباط بين السياسي وبين الاقتصادي؟

3- تسليط الضوء على تداخل بين ما هو مُؤَسساتي وما هو عُرْفي في التدبير السياسي؛ خَلْطٌ يضرب في الصميم أي إصلاح دستوري مؤسساتي؟

يجب الاكتفاء بالعمل على مراحل، مرحلة تُحيل إلى مرحلة على ضوء خلاصات واستنتاجات المرحلة السابقة للوصول إلى عَقْلِ السياسة بدل تسييس العقل، ومن هنا المبتدأ والخبر.

إن أي دراسة وبحث لا يُفْضيان ولا يجدان طريقهما إلى البلورة على الأرض، يكون مصيرهما الإقبار داخل رُفف وأدراج المكاتب؛ وليس هذا ما نريده لمؤسساتنا البحثيّة بل نريدها أداة عَمل Outil de travail  وإِعمال opératoire؟