الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

سالم الكتبي: مخططات إيرانية خبيثة في العراق

سالم الكتبي: مخططات إيرانية خبيثة في العراق

قيل إن إيران اعتذرت لدى بغداد عن "التجاوزات" التي ارتكبها الزوار الإيرانيون في معبر زرباطيه الحدودي بين البلدين، وأعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أنه تلقي رساله من الرئيس الإيراني حسن روحاني قدم فيه "شكره وتقديره للحكومة والشعب العراقي لما قدموه لزوار أربعينية الإمام الحسين"، وأن السفير الإيراني قد قدم اعتذاراً لرئيس الوزراء العراقي، وهذا الاعتذار جاء بعد "لوم" وصفته التقارير الإعلاميه بأنه "نادر" من حكومة العبادي للسلطات الإيرانية. وحقيقة الأمر أو ما قيل عن "الاعتذار" وقبله "اللوم" يستهدف في مجمله الاستهلاك المحلي وتجميل صورة العبادي أمام شعبه بعد أن سمح لهذا العدد الهائل من الإيرانيين بدخول العراق من دون تأشيرات أو حتى وثائق هوية شخصية!

ربما ينطلي الأمر علي البعض، ولكن استقراء الأمور وفهم حقيقتها يوحي بأن ما حدث على المنفذ الحدودي في محافظة واسط العراقية أكبر من مسألة الاعتذار، فهناك اقتحام من قبل حشود إيرانية هائلة أعلن رسمياً أن أعدادهم تجاوزت نصف مليون زائر دخلوا العراق من دون تأشيرات بعدما اقتحموا المنفذ الحدودي، وتردد رسمياً أيضا أن أعدادهم الفعلية تجاوزت المليون ونصف المليون في تدفق بشري نادر الحدوث!

هذا الحدث الذي وصفه مسؤولون عراقيون بأنه انتهاك لسيادة بلادهم يضع الكثير من التساؤلات أمام نوايا إيران في المنطقة خلال المرحلة المقبلة، لاسيما أن هناك العشرات من الأسباب والمبررات التي تدعوني، كمراقب، للتفتيش في ما وراء الدفع بهذا العدد الضخم من البشر إلي داخل العراق، وفي مقدمة هذه الأسباب أن السلطات الإيرانية التي تعرف جيداً كيف تحصي أنفاس شعبها لا يمكن أن يمر عليها تجمع حشود مليونية علي حدود العراق من دون تأشيرات، ثم تسمح لهم بالاعتداء علي الحدود بين البلدين والدخول عنوة رغم أن هناك اتفاق مسبق يلزم السلطات الإيرانية بعدم السماح لمن لا يحمل تأشيرة دخول بالاقتراب من الحدود العراقية !.

ولو سلمنا جدلاً بسلامة نوايا تهران، فإن السلطات الإيرانية التي سبق أن كالت الاتهامات من كل حدب وصوب متهمة السلطات السعودية بالفشل في إدارة موسم الحج هي نفسها التي تسببت في ارتكاب جرم فادح في ‌حق دولة مجاورة حين سمحت لنحو مليون ونصف المليون زائر بالتدفق علي أراضي العراق في موقف ربما يتسبب في إشعال نار الحرب لو حدث مع دولة أخرى غير العراق، الذي تقوده حكومة العبادي التي توفر لإيران الضوء الأخضر لما تفعله بالبلاد، والتي يدلي مسؤولوها بتصريحات مثيرة للسخرية مثل التعهد بمحاكمه كل من دخل العراق من دون تأشيره !.

أحد مظاهر سوء النية في ما حدث أن غالبيه هذه الحشود لا تحمل وثائق رسمية إيرانية بالأساس أنها جاءت إلي الحدود في مهمة كلفت بها، بل ربما أن المهمة اقتضت عدم حمل وثائق هوية شخصية من الأساس لسبب يدركه بالتأكيد من دبر هذه المهمة القذرة وخطط لها.. فمن غير المقنع أن ينوي شخص السفر إلي بلد آخر ثم يذهب مباشره إلي الحدود من دون وثيقة رسميه تثبت هويته (!) ناهيك عن مسألة تأشيرة الدخول من الأساس.

المسألة لا تحتاج إلى اجتهاد أو تحليل ولا مجال للتحامل والتوقعات فيها، فالداخلية العراقية نفسها، والتي يسيطر عليها قيادات شيعيه، قالت بأن انفلات الوضع الأمني على الحدود مع إيران كان متعمداً من قبل الطرف الإيراني، وهي اتهامات لا ينبغي أن نمر عليها مرور الكرام، خصوصاً أن أعداد الإيرانيين الذين دخلوا العراق في هذه المناسبة قد بلغ نحو ثلاثة ملايين شخص تقريباً .

ساسة عراقيون من السنة اعتبروا المسألة تجاوزاً بالغاً في حق سيادة بلادهم، واتهموا المسؤولين الإيرانيين بالتعامل مع مدن العراق كجزء من بلادهم، فيما انهمرت تحليلات المراقبين عبر وسائل الإعلام تفسيرا وتحليلاً لما حدث.. فالبعض اعتبره غزوا إيرانيا من نوع جديد للعراق، بينما اتهم آخرون السلطات العراقية بالتراخي والتهاون في صد حشود الإيرانيين، وقارنوا بين موقفها وموقف آخر مشابه من النازحين العراقيين الذين فروا من محافظة الأنبار خوفاَ من تهديدات تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث وقف الأمن العراقي حائلا بينهم وبين الوصول إلى بغداد واحتجزوهم عند أحد الجسور، ولم يمر منهم سوى من جاء بكفالة عراقي آخر للدخول إلي بغداد!

هيئة علماء المسلمين العراقية اتهمت حكومة العبادي بانتهاج سياسة تستهدف إلحاق العراق بإيران وسط صمت عربي ودولي، ولكن ردود الأفعال العراقية السنية القلقة هذه لم تجد صدى يذكر من الجانب العربي، كما أن القوى الكبرى لم تتوقف عند دخول هذا الحشد الهائل من الإيرانيين إلى العراق، الذي مثل إحدى الساحات الساخنة في مكافحة الإرهاب الدولي.. ولم يتوقف المسؤولون الأمنيون بهذه الدول ولو لمجرد الاستفسار عن تفاصيل الحدث، ولو حتى من جهة الاطمئنان لعدم اندساس عناصر إرهابية وسط هذه الحشود والدخول إلى العراق، لاسيما أن الباب في هذه المسألة مفتوح أمام اندساس عناصر إرهابيه سنية أو شيعية، لدعم "داعش" و"القاعدة" أو لدعم ما يسمي بالحشود الشعبية الشيعية في العراق، إلا إذا كان الأمر تم ترتيبه مسبقاً مع الأجهزة الأمنية الإيرانية التي تعرف يقيناً هوية جميع العابرين والمتسللين تحت ستار زيارة العتبات المقدسة، ناهيك عن آلاف آخرين سيتجهون حتماً إلى الأراضي السورية للقتال هناك بجانب قوات الجنرال قاسم سليماني.

الكارثة التي تدركها حكومة العبادي جيداً أن المليون ونصف المليون متسلل إلى الأراضي العراقية بينهم عشرات الآلاف من عناصر الحرس الثوري ممن يستحيل التعرف عليهم أو تعقبهم في الداخل العراقي.. فالمعروف أن إيران تستغل في العادة المناسبات الدينية للزج بعناصر الحرس والاستخبارات إلى الأراضي العراقية رغم وجود تأشيرات دخول رسمية لهم، فما بالنا والأمر ـظاهرياـ قد خرج عن السيطرة وتسلل من تسلل وانفتح الباب العراقي على مصراعيه أمام الطوفان البشري الإيراني! ثم بعد ذلك يبحث البعض عن سيادة العراق على أراضيه وعروبته وسط خطط إيرانية تنفذ في وضح النهار لتغيير الديموجرافيا العراقية وتكريس الطائفية في محافظات مثل صلاح ‌الدين وديالي وغيرها.

الكارثة أكبر مما يتصور الغائبون عن المشهد ومنشغلون بما يدور في سورية، فما حدث في العراق جريمة تاريخيه ارتكبتها إيران، ويكفي الإشارة إلى أن السلطات العراقية اعترفت بصعوبة العثور على نحو 150000 زائر أفغاني وإخراجهم من الأراضي العراقية، فهؤلاء هم وقود للميلشيات الشيعية وربما السنيه أيضا، فإيران تسعي بوتيرة متسارعة لتنفيذ مخطط ابتلاع العراق، ومن ثم التفرغ لاستكمال مخططها في الدول العربية المجاورة !