"خوتي المستمعين، داخل وخارج أرض الوطن، في المدينة والبادية، راكم عزاز وصعيب أننا نتفراقو.. بسلامة عليكم..".. كانت هذه آخر عبارة ختم بها الإعلامي المتميز الحسين العمراني برنامجه الصباحي لهذا اليوم، الجمعة 2 أكتوبر 2015، تاركا كل من قاده قدر الإنصات لأثير الإذاعة الوطنية لحظتها على وقع صدمة الخبر، وفي بحث مرهق عن كيفية تجرع توديع صوت رجل ليس ككل الأصوات، بأسلوب انفرد عن باقي الأساليب، وطيبة أخلاقية كانت بالفعل بصمة، والبصمة لا تتكرر.
الحسين العمراني، إذن، وبعد مسار عقود من الاجتهاد والعطاء، أحيل على التقاعد، مخلفا وراءه مكانا عصيا عن التعويض، على الرغم، كما يقول، من إيمانه القوي بالطاقات الشابة، والتي بقدرتها مواصلة المشوار على نفس نهج سلفها الذي اقتنع به سابقه أيضا.
غادر العمراني الإذاعة الوطنية دون أن يغادر عقول وقلوب المستمعين الذين حفر في ذاكرتهم تاريخا يبقى من المجحف أن تختزله الحروف أو حتى العبارات. وكيف يغيب وهو الذي ظل حاضرا من دون تعب أو كلل.. تحمل المرض والعناء في سبيل إمتاع المستمعين، حتى أنه خضع لعملية جراحية بسبب الإرهاق ولم يستسلم.. انحاز بحب لخدمة عشقه ولو على حساب أسرته التي لم تكن سيدتها وأم أبنائه سوى الإعلامية القديرة اسمهان عمور. هذه المرأة الرفيقة لدرب الحسين، وللإشارة صرحت في أكثر من مرة لأسبوعية "الوطن الآن" عن جنون العمراني بالميكروفون، وكيف استرخص حياته خلال العديد من المناسبات لأجل الصمود في وجه العقبات، وامتصاص الألم حتى لا يصدر للمستمع إلا عصارة الحلو.
الجمعة 2 أكتوبر 2015، سيظل دون شك يوما بشتى التلميحات.. يوم بدا فيه العمراني، حتى وإن حاول الإخفاء، متأثرا من موعد حمل ما حمله من مشاعر اختلط فيها الفرح بنهاية مشوار كله نجاح وعطاء، وأيضا أحاسيس منزعجة لفصل السُّرة عن نافذة مكنته من ألفة التواصل مع الملايين، ودشنت لعلاقة معهم تجاوزت كل المفاهيم. فمن يذكر التفاني في العمل، سيذكر العمراني، ومن يذكر السهل الممتنع سيذكر لعمراني، ومن يذكر سلاسة التعامل سيذكر العمراني، ومن يذكر أبرز مثقفي مهن البسطاء سيذكر العمراني، ومن يذكر رائد تكريم أعلام الفن تحديدا سيذكر حتما العمراني.
قوة المناسبة، أجبرت شرف اليقات، رئيس الأستوديوهات بالإذاعة الوطنية، على الحديث ولأول مرة على المباشر، وفق ما قال، مشيرا "هادي 26 عام وأنا في الإذاعة، ولأول مرة كنتكلم في الميكروفون بسبب هاد المفاجأة المؤثرة ديال مغادرة السي العمراني.. ولأول مرة أيضا عرفت صعوبة الحديث على المباشر، وبالتالي روعة الحسين اللي كيتكلم بطلاقة وبدون ورقة.. فرجائي باش هاد الشباب ياخذو العبرة منو".
لقد حان الوقت الآن، لأن تفتخر منطقة مرموشة بإيموزار إقليم صفرو، وترفع رأسها عاليا بعد أن أنجبت رجلا من هذه الطينة، رجلا لا يتأخر في الرد على رنين هاتفه مهما كانت ظروف حالته النفسية، طالما أن الأهم لديه هو خدمة الغير وتقديم يد المساعدة، ففي ذلك التعاون قمة راحته، حسب ما يؤكد. قبل أن يكشف بأن سر كل ما عرف به، ودفع بالكثير من صحفيي وتقنيي ومنتجي ومسؤولي الصيانة بالإذاعة إلى أن يذرفوا الدموع خلسة، يرجع بالأساس إلى كونه أتى للإذاعة الوطنية بخلفية الميول، الحب والعشق، وليس لانتظار راتب نهاية الشهر.