يوضح محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، في هذا الحوار الفرق بين الانتخابات التشريعية والمحلية التي من المنتظر أن يدخل المغرب غمارها في الرابع من شهر شتنبر المقبل. كما يلفت إلى ما يمنحه التسجيل في اللوائح الانتخابية وما ينزعه عدم القيام بالعملية عن المواطن. هذا، ويبدي زين الدين في الحوار ذاته موقفه من قانون تقديم العرائض الذي يشترط التسجيل، معتبرا إياه يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان، كما أنه يعاكس التوجه العام لسياسات الدولة. ومن جهة أخرى، استبعد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية أن يصل المغرب إلى التطبيق الأمثل والنموذجي لمشروع الجهوية المتقدمة بين عشية وضحاها، ولكن لابد من تدرج يؤطره التقييم والتقويم. في حين كان له رأي في موجة الاحتجاجات الجديدة أو ما يعرف بتظاهرات الطابوهات. فضلا عن قراءة مختزلة لكتابه الجديد "الدستور ونظام الحكم في المغرب".
من المعلوم أن المواطن المغربي مقبل يوم 4 شتنبر الآتي على دخول محطة جديدة في مجال تدبير شأنه المحلي. لذا كيف يمكن أن تبسط توضيح الفرق بين هذه الانتخابات ونظيراتها التشريعية؟
الفرق هو أن الانتخابات التشريعية يمكن ربطها بما نسميه "الانتداب الوطني"، أما انتخابات الرابع من شتنبر فتتعلق بـ"الانتداب المحلي". بمعنى كل ما له تماس بسياسة القرب. وبذلك فمن المنتظر أن ينتخب المواطن من سيهتم بكل ما يخص معيشه اليومي، إن كان "إنارة" مثلا، أو "ماء صالح للشرب"، أو "التطهير"، أو "النقل العمومي" إلخ.. وإذا ما أردنا مقارنة المستوى الجهوي حاليا مع ما كان عليه الأمر سابقا، سنقول بأن هناك تحسن لا تخطئه العين. إذ فضلا عن تصويت الناخبين بشكل مباشر على أعضاء الجهات والجماعات الترابية سواء الحضرية أو القروية، هناك مبدأ العلنية الذي يقطع مع مجموعة ممارسات شهدناها بالأمس، وذات الارتباط خصوصا بانتخاب رئيس الجماعة. بحيث كان من الممكن أن تحصل أغلبية غير منسجمة ويتم التصويت على رئيس من خارج الحزب. لهذا، يفرض الآن على الناخبين الكبار التصويت على رئيس منتم لهيأتهم السياسية. ومن جهة أخرى، نسجل بأن السياق مختلف تماما، على اعتبار أنها الاستحقاقات الأولى التي تنظم في ظل الدستور الجديد، وقوانين جديدة كقانون الجهات والميثاق الجماعي.
كل ما ذكرت ربما يتوقف بداية على عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية. ماذا يمكن أن تؤكده بهذا الشأن ومدى أهميته؟
مما لاشك فيه هو أن التسجيل في اللوائح الانتخابية يعتبر حجر الزاوية في أي عملية الانتخابية، بحيث لا يمكن لأي مواطن غير مسجل أن يصوت أو يترشح أساسا. وهذا معمول به في جميع النظم الانتخابية العالمية. علما أن اللوائح الانتخابية هي عبارة عن وثيقة تخول للمواطنين الذين لديهم الأهلية القانونية أن يسجلوا في هذه اللوائح، في إشارة إلى أن هناك أشخاصا لديهم وضعية نظامية مثل البوليس والدرك وحاملي السلاح بصفة عامة، والذين ليس لهم ذلك الحق. هذا، ويجب التأكيد أيضا على تميز هذه اللوائح بخاصيتين، الأولى وهي كونها عامة، أي أنها تشمل جميع الاستحقاقات إن كانت محلية أو وطنية إضافة إلى الاستفتاءات، أما الخاصية الثانية فتتمثل في أن لها صفة الديمومة النسبية، ومؤداها لا تشمل مثلا استحقاقات 2015 فقط، وإنما استحقاقات أخرى، مع أنها تبقى خاضعة للمتغيرات التي تقع على المستوى السوسيولوجي والنمو الديمغرافي وغير ذلك. وبالتالي، يمكن الانتهاء إلى أن التسجيل في اللوائح الانتخابية هو المنطلق الأساسي لأي عملية انتخابية، ومن هنا يأتي دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والدولة لدفع المواطنين إلى الاتخراط.
في صلة بموضوع التسجيل، كيف تقيم ما صادق عليه المجلس الوزاري بخصوص شرط هذه العملية بتقديم العرائض؟
مسألة العرائض هي مسألة مختلفة. وشخصيا غير متفق مع هذا التوجه، لأن الطبيعي هو أن تظل للمواطن كامل الحرية في أن يتقدم بعريضة أو العكس. وهذه من الملاحظات التي سجلناها على هذا القانون الذي يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان ويتعارض أيضا مع السياسات والتوجهات العامة للدولة. يضاف إلى هذا كوننا بصدد تجربة جنينية في هذه الاتجاه، ولا يليق أن نقابلها منذ البداية من الأول بعراقيل مفرملة. لكن في المقابل أرى بأنه على الأطراف المعنية فتح قنوات أخرى لأجل القيام بعملية استقطاب هذه الفئات التي يحتاجها المجتمع المغربي، وأركز في هذا الشق على فئتين: فئة النساء والشباب، لأننا لما نطلع على قانون الميثاق الجماعي أو قانون الجهات نجد به العديد من الإجراءات التدبيرية التي تشجع هاتين الشريحتين على الانخراط في الانتخابات. فمثلا الثلث بالنسبة للنساء في أفق الوصول إلى المناصفة، أو تشجيع الشباب للانخراط في العملية الحزبية، أو لما تتخذ وزارة الداخلية قرار دعم الأحزاب التي ترشح النساء خمس مرات أكثر مقارنة بدعم المقاعد العادية. فهذه كلها إجراءات تحفيزية مهمة جدا ولا يمكن إلا نباركها، إنما في مجال تقديم العرائض فأعتقد أن اشتراطه بضرورة التسجيل مسألة مخالفة لمقتضيات حقوق الإنسان.
من منطلق تخصصك، ماهي نسبة توقعك لنجاح هذه الاستحقاقات أو فشلها؟
يجب أن ندري أولا بأن الانتخابات الجماعية ليست غاية في حد ذاتها، ولكن وسيلة لإعمال الديمقراطية التشاركية. والمسؤولية هنا يشترك فيها ثلاثة أطراف: الدولة، الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمواطن بالأساس. إذ يجب على الأخير أن ينخرط بكل قوة في هذه العملية لأنه صلب أي فعل تعاقدي سياسي. ونحن ننخرط في مشروع الجهوية المتقدمة، يفرض علينا أن تكون هناك موازاة لهذا التحدي بعدم التمركز الإداري. لأنه وللأسف مازلنا نلاحظ أن هناك تمركز إداري قوي جدا. ومن الأكيد إذا لم نصدر القوانين التي تعني هذا التوجه والبالغ عددها 30، خاصة ذاك المرتبط بإعادة انتشار الموظفين، سنجد أنفسنا حتما أمام نصف جهوية متقدمة وليس جهوية متقدمة كاملة.
لكن ألا ترى بأن مجموعة من المؤشرات بعيدا عن إصدار القوانين من الراجح أن تشوش على الانطلاقة الصحيحة لهذا المشروع؟
الجواب يمكن اختصاره في أن مشروع الجهوية المتقدمة إنما هو مشروع هيكلي. وهذا يكفي لنعلم مسبقا بأنه من العبث أن نعتقد بأننا سنتمكن بين عشية وضحاها من التطبيق الأمثل والنموذجي له. ولكن لابد من تدرج يؤطره التقييم والتقويم. وحتى لما نطلع على تجارب الأنظمة العالمية كالتي ببلجيكا أو فرنسا أو إسبانيا ذات ما يسمى بـ"المجموعات المستقلة"، نكتشف بأنه ليست هناك جهوية كاملة أو مكتملة، كما ليست هناك جهوية بدون مخاطر. وعليه، لابد من استحضار هذه المعطيات. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى المستجدات الكثيرة أتى بها القانون التنظيمي، ومنها مسألة عزل الرئيس ونوابه التي أصبحت بيد القضاء الإداري، كذلك أمر بطلان مداولات المجلس الذي أصبح هو الآخر بيد القضاء، فضلا عن مسألة وقف تنفيذ القرارات الجماعية التي قد تشوبها عيوب قانونية التي صارت بيد القضاء كذلك وليس وزارة الداخلية. دون إغفال النزاعات التي تكون الجماعة طرفا فيها. فهذه كلها تحولات مهمة للغاية. مع أننا لما نتكلم عن الجهوية المتقدمة، فنحن لا ننطلق من فراغ، ولكن من تراكمات بها الإيجابي الذي ينبغي تثمينه، والمظاهر السلبية التي يلزم تجاوزها.
صدر لك مؤخرا كتاب جديد بعنوان "الدستور ونظام الحكم في المغرب". هلا أشرت لبعض محاوره؟
هذا الكتاب يعالج طبيعة العلاقة بين نظام الحكم في المغرب بعلاقة مع المسألة الدستورية، وذلك منذ بداية القرن العشرين وإلى غاية اليوم. بحيث تطرقت فيه للإرهاصات الأولية لدمقرطة نظام الحكم على ضوء مشاريع دساتير مغرب مطلع القرن العشرين. وأيضا للمسألة الدستورية وإشكالية تدبير الحكم في المغرب المستقل. هذا بالإضافة إلى التوسع في تشريح الدستور المؤسس لسنة 1962 وإشكالية السلطة التأسيسية. ومن جهة أخرى، تعرضت لانتكاسة التجربة الديمقراطية المغربية على ضوء دستور 1970. ودور دستور 1972 في تدشين مسلسل الانفتاح السياسي داخل الحقل السياسي المغربي، ناهيك عن الإصلاح الدستوري في مغرب التسعينيات. كما عرجت في أحد الفصول على المراجعة الدستورية لسنة 1992، والدستور المعدل لسنة 1996. ثم "النيودستورانية" المغربية على في إطار تداعيات الربيع العربي، إذ بحثت في سياق ومضامين بروز دستور 2011، ودور المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان والقضاء.
طبعا تابعت ما حدث مؤخرا سواء في إنزكان أو آسفي أو فاس أو بومية من أحداث اقتص خلالها المواطنون ما اعتبروه حقوقهم بأيديهم. ما وجهة نظرك؟
ما أستطيع أن أقوله بهذا الصدد هو أن للحرية ضوابط أو ما نسميه بـ"مؤدى هذه الضوابط" كقاعدة أساسية في مجال حقوق الإنسان. وبالتالي، فليست هناك حرية مطلقة، بل مجموعة محددات تشمل النظام العام والقوانين والتقاليد والأعراف. ومن الملاحظ أن مسألة التظاهر عرفت اليوم تحولا بعد أن خرجت من طابعا التقليدي المطلبي إلى ما يعرف بمظاهرات "الطابوهات" كتلك الخاصة بالمثليين أو اللباس. وللإشارة فهذا التغير لا يشمل المغرب فقط، وإنما باقي دول العالم. ومخطئ من يعتقد أن البلد سيكون الاستثناء وسط هذه التغيرات الإقليمية والتحولات الدولية. وفي النهاية، يبقى هذا المستجد حصيلة صراع بين التيار المحافظ والتيار الحداثي في المجتمع، أو بالأحرى مظهر من المظاهر المتعددة لذلك التصادم الخفي.