"في الساعة الرابعة صباحا من يوم الأربعاء المشؤوم، (17 دجنبر 2014 )، اتصل بي الصديق "محمد خيي" ليخبرني بالواقعة التي ليس لوقعتها كاذبة. نزل الخبر كجلمود صخر حطه السيل من عل: "بسطاوي مات"، وانتهت المكالمة دون أن تنتهي الحكاية".. هكذا استهل الناقد والصحفي "حسن نرايس" مقدمته لكتاب حول الفنان الراحل محمد بسطاوي، عنوانه "محمد بسطاوي/ البسيط الوازن". وهو مصنف جماعي يضم 27 صفحة باللغة الفرنسية و76 صفحة باللغة العربية، ويتضمن ما يزيد عن 24 من الشهادات في حق المرحوم محمد بسطاوي على لسان العديد من المثقفين والفنانين والمقربين منه."أنفاس بريس" التقت مع الإعلامي والناقد حسن نرايس وكان معه هذا الحوار..

+ ما هي دواعي تأليف أو إعداد كتاب "محمد بسطاوي البسيط الوازن"؟ وهل هي مرتبطة بتقليد تأليف الكتب حول الفنانين الذين يفارقون الحياة؟

- بكامل الصدق والصراحة هذا الكتاب كنت أفكر فيه قبل مرض المرحوم محمد بسطاوي، فبعد تقديمي لكتاب "ولد لبلاد" للفنان إدريس الروخ، في ندوة خاصة بهذا الكتاب، وكنت قد شاركت فيه بمقال حول إدريس الروخ. وكان الروخ قد أشار إلى مسألة مهمة وهي مرتبطة بسؤال: لماذا ننتظر وفاة الفنان لتأليف كتاب حوله؟.. وأفاد الروخ أنه علينا إصدار الكتب الخاصة بالفنانين والرياضيين والمبدعين قيد حياتهم، لكي يفرحوا بهذا العمل ولكي يقدموا الكتاب بأنفسهم. واعتبرت هذه الإشارة حافزا لاشتغالي على إنجاز كتب خاصة بفنانين وهم على قيد الحياة. وقد كان أول فنان تبادر إلى ذهني هو المرحوم محمد بسطاوي، ثم بدأت الفكرة تختمر، كنت أفكر في الشكل الذي سيتخذه الكتاب هل سيكون عبارة عن شهادات أو حوار مطول مع المرحوم، أو أن أكتب كتابا مباشرا حوله. فإذا بمرض بسطاوي يوقف المشروع، وقد كنت الإعلامي الوحيد الذي كان يزوره رفقة بعض الأصدقاء المقربين منه من بينهم الفنانين محمد الشوبي ومحمد خيي وبنعيسى الجيراري.. كنت أزور المرحوم كصديق وليس كإعلامي، ولم يكن يود أن تنشر أخبار حول مرضه ومعاناته الاجتماعية فقد كانت كرامته فوق كل اعتبار ولم يكن يستجدي العطف.. بعد المهرجان الدولي لمراكش، عايشت آخر لحظات مرض بسطاوي عبر الهاتف على لسان زوجته الفنانة سعاد النجار. وبعد الرجوع من مراكش توفي بسطاوي رحمه الله. وبعد الألم والبكاء، لم أستسغ أن يتوقف مشروع الكتاب حوله، فأخذت المبادرة واتصلت بالأصدقاء والفنانين الذين سيشاركون في الكتاب بشهاداتهم حول المرحوم.

+ ما هي القيمة المضافة لكتاب "محمد بسطاوي البسيط الوازن" داخل الخزانة المغربية؟

- الكتاب شهادة ووثيقة واعتراف.. نحن نفتقد مثل هذه الكتب الخاصة بالاعتراف، يجب أن نفكر فيها نحن الإعلاميين والنقاد. هذا الفنان أعطى الكثير، يحبه الصغار والكبار الأغنياء والفقراء، هو محبوب من طرف جميع شرائح المجتمع. كنت في القطار عندما وصلني نبأ وفاة محمد بسطاوي خلال اتصال الفنان محمد خيي بي، اتصلت بالصديق لحسن زينون هاتفيا لأبلغه بالأمر، وطلبت منه أن يلتحق بنا في بيت بسطاوي رحمة الله عليه، فتجمهر من حولي ركاب القطار الذين كانوا بالقرب مني وبدأوا يتساءلون: هل الأمر يتعلق بالفنان محمد بسطاوي "بوجمعة"؟ لدرجة أن امرأة من ركاب القطار بعد أن أخبرتها أنه فعلا "بسطاوي" من وصلني خبر وفاته، انهارت بالبكاء. وهذا دليل ساطع أن هذا الرجل محبوب وأعطى الكثير في المسرح والسينما والتلفزيون. بنكران ذات وبتضحية، وحتى وضعيته الاجتماعية، توضح أنه لم يستفد كثيرا من الفن، بل الفن من استفاد من بسطاوي كثيرا. هذا الكتاب هو وثيقة للأجيال الصاعدة كي يقولوا إن البلاد فيها فنانين حقيقيين، يحبون الفن ويحبون الوطن، يشتغلون بجدية وبعمق وللمصلحة العامة.. لقد كان يشجع الشباب ويأخذ بيدهم في طريق الفن، وفي الوقت نفسه كانوا يقلقونه لأنهم يسيئون إلى الفن ويسيئون إلى الوطن. فبالنسبة له حب الوطن فوق كل اعتبار.

+ كيف هو تقييمك لأجواء حفل توقيع الكتاب خلال فعاليات المعرض الدولي 21 للنشر والكتاب بالدار البيضاء؟

- كانت أجواء توقيع الكتاب جميلة جدا، باعتراف الجميع وباعتراف المنظمين بأنفسهم. قاعة "القدس" في ذلك الخميس بمعرض الكتاب لم تعرف ذلك العدد الهائل من الحضور. صراحة كنت في المنصة وشاهدت أن عدد الواقفين يوازي عدد الجالسين.. والجميل أيضا هو أن الجمهور الذي حضر كان متعددا ومتنوعا ومختلفا، وهي صورة طبق الأصل للفنان محمد بسطاوي "البسيط الوازن".. وحضر وزير الثقافة.. وصراحة أن يحضر الوزير ندوة توقيع الكتاب، ويتابعها جالسا من بدايتها إلى نهايتها رغم أن لديه العديد من الانشغالات والبرامج، فهذه علامة واضحة عن الاعتزاز بهذا الفنان.

+ نعلم أن الكتب تستغرق وقتا كبيرا للخروج إلى المعارض، وقد تصل لشهور وأعوام، كيف تمكنت من نشر الكتاب رغم مرور مدة قصيرة على وفاة المرحوم؟

- أولا الكتاب كان فكرة راودتني قبل وفاته، والشكر للنقابة المغربية لمحترفي المسرح لأنها تكلفت بنشر الكتاب، فالمرحوم بسطاوي كان عضوا فعالا بالنقابة وكان مناضلا وكان يدافع عن الفنانين، بدون لف أو دوران. النقابة اعترفت بجميله وأصدرت هذا الكتاب، والشكر أيضا لوزارة الثقافة.. ما لقيصر لقيصر. ففي ظرف وجيز، ورغم ضيق الوقت، وهذا أمر لابد من ذكره، الوزير وحسن الوزاني وحسن النفالي عملوا ما في جهدهم كي نتمكن من توقيع الكتاب ليكون حاضرا في فعاليات المعرض الدولي 21 للنشر والكتاب بالدار البيضاء. ولابد أن أشير أن جميع مبيعات الكتاب ستخصص لعائلة المرحوم محمد بسطاوي، وهي فرصة أيضا كي أقدم الشكر والعزاء لعائلته الصغيرة. الكتاب هو أقل ما يمكن أن نقدمه في حق إنسان عزيز وصديق وفنان كبير. ولا أنسى أن أشكر كل من ساهموا بشهاداتهم في حق المرحوم، والتي تضمنها الكتاب.

+ ما هي الروابط المشتركة بينك وبين المرحوم محمد بسطاوي بحكم أن علاقتكما لم تكن مجرد علاقة إعلامي بفنان؟

- هو صديق عزيز. لنا نفس الأصدقاء، والقاسم المشترك بيني وبين أصدقاء المرحوم هو أننا نعرف محمد بسطاوي حق المعرفة، وتربطنا علاقة احترام متبادلة، وقد كانت للمرحوم علاقة مع الأدباء والمثقفين. كان مُحبا للمطالعة، كان يقرأ الروايات، والشعر والنثر، مُتتبع للأنشطة الثقافية، فهو ليس عصاميا بالمفهوم السلبي، كان يحضر لمعارض الكتاب. كان يشتري الكتب ويُطالعها، لذلك تجد في كتاب "محمد بسطاوي البسيط الوازن" شهادات في حقه على لسان مثقفين وأدباء وشعراء وفنانين.

+ هناك من يقول إنه من الصعب تعويض المرحوم محمد بسطاوي في مجال الثمتيل. وتروج أخبار عن إمكانية حذف دوره في الجزء الثاني من مسلسل تلفزيوني شارك في بطولة جزئه الأول في رمضان الماضي؟

- أعتقد أنه ليس من الصعب تعويض محمد بسطاوي. بالنسبة لي من المستحيل ومن المستبعد تعويض قيمة محمد بسطاوي داخل مسلسل أو فيلم، لدرجة أني لما كنت ضمن أعضاء لجنة دعم الأعمال السينمائية، كنت أجد أن العديد من المنتجين والمخرجين يضعون اقتراح محمد بسطاوي في دور البطولة، لكي تتمكن اللجنة من قراءة الشخصية والعمل عموما، انطلاقا من الحرفية والمهنية التي عُرفَ بها المرحوم محمد بسطاوي. إذن بسطاوي رحل لكنه لن يعوض.