
يرى سعد الدين إكمان، أستاذ باحث في علم الاجتماع، مدير مختبر الأبحاث والدراسات الثقافية والاجتماعية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس أن حالة "العقم السياسي" الراهنة التي تعاني منها الأحزاب السياسية تعود الى مجموعة من العوامل المتشابكة، أبرزها تراجع الوظيفة التأطيرية للأحزاب وضعف الديمقراطية الداخلية وهيمنة الزعامات، فضلا عن تآكل رأس المال الرمزي للأحزاب، مشيرا بأن نجاح الحزب اليوم مرتبط بمدى تنفيذه لبرنامجه الانتخابي، وخاصة فيما يخص القطاعات الحيوية من تشغيل وصحة وتعليم، كيفما كانت مرجعيته الفكرية، كما يتطرق الى تعاظم التصويت الانتقامي والتصويت من أجل التغيير وتجريب الجديد فقط، حتى وصلنا إلى العزوف الكبير الذي لم يستثني الشباب.
في نظرك ماهي أسباب العقم السياسي الراهن للأحزاب المغربية مقارنة بالفترة الذهبية الممتدة من الستينيات الى حدود التسعينيات ؟
يمكن تفسير حالة "العقم السياسي" الراهنة من خلال مجموعة من العوامل المتشابكة، أبرزها:
تراجع الوظيفة التأطيرية للأحزاب : الأحزاب التي كانت في الماضي مدارس للتنشئة السياسية أصبحت اليوم أقرب إلى أدوات انتخابية موسمية. فقد انتقل دورها من التكوين والتعبئة إلى التركيز على جمع الأصوات وتدبير الحملات الانتخابية، ما أفقدها دورها التربوي والاجتماعي في بناء المواطن الواعي والمناضل.
ضعف الديمقراطية الداخلية وهيمنة الزعامات : في العقود الماضية، كانت الأحزاب تزخر بقادة وسياسيين متعددي المرجعيات، يشكّلون في بعض الأحيان تيارات فكرية داخل الحزب نفسه. أما اليوم فقد تقلّصت المساحة الداخلية للنقاش، وصار القرار يُحتكر من طرف الزعيم أو الحلقة المقربة منه، وغابت الأيديولوجيا والتوجه العام للحزب، مما أدى إلى هجرة الكفاءات وفتور الحياة التنظيمية.
تآكل رأس المال الرمزي للأحزاب :
الأحزاب الوطنية التاريخية كانت تحمل مشروعية النضال والمقاومة والاستقلال، وهي مشروعية معنوية قوية. اليوم، ومع تحولات المجتمع نحو الفردانية والمصلحة الآنية، تراجعت هذه القيم، وفقدت الأحزاب جزءاً من رصيدها الأخلاقي والرمزي أمام الناخبين الذين أصبحوا يقيسون نجاح حزب بمدى تنفيذه للبرنامج وخاصة فيما يخص القطاعات الحيوية من تشغيل وصحة وتعليم، كيفنا كانت مرجعيته الفكرية، لذلك تعاظم التصويت الانتقامي والتصويت من أجل التغيير وتجريب الجديد فقط. حتى وصلنا إلى العزوف الكبير الذي لم يستثني الشباب.
انفصال الأحزاب عن القواعد الاجتماعية : تغيّر المجتمع المغربي ديموغرافياً وثقافياً، بينما ظلت الأحزاب تشتغل بخطاب تقليدي لا يواكب تحولات الشباب، والمدن الجديدة، والطبقات المتوسطة الصاعدة التي تتوفر على وعي متزايد. غابت عنه عن أغلب الاحزاب آليات الإصغاء الاجتماعي والبحث الميداني، ففقدت القدرة على تمثيل المجتمع الفعلي.
تأثير الإعلام الجديد وفقدان التحكم في الصورة السياسية : ظهور شبكات التواصل الاجتماعي غيّر قواعد اللعبة. السياسي الذي كان يتحكم في صورته عبر القنوات الرسمية أصبح عرضة للنقد الفوري. زلات اللسان والأخبار السيئة تنتشر بسرعة، ما يجعل من التواصل السياسي اليوم علماً قائماً بذاته يحتاج إلى تكوين ومهارات دقيقة.
يمكن تفسير حالة "العقم السياسي" الراهنة من خلال مجموعة من العوامل المتشابكة، أبرزها:
تراجع الوظيفة التأطيرية للأحزاب : الأحزاب التي كانت في الماضي مدارس للتنشئة السياسية أصبحت اليوم أقرب إلى أدوات انتخابية موسمية. فقد انتقل دورها من التكوين والتعبئة إلى التركيز على جمع الأصوات وتدبير الحملات الانتخابية، ما أفقدها دورها التربوي والاجتماعي في بناء المواطن الواعي والمناضل.
ضعف الديمقراطية الداخلية وهيمنة الزعامات : في العقود الماضية، كانت الأحزاب تزخر بقادة وسياسيين متعددي المرجعيات، يشكّلون في بعض الأحيان تيارات فكرية داخل الحزب نفسه. أما اليوم فقد تقلّصت المساحة الداخلية للنقاش، وصار القرار يُحتكر من طرف الزعيم أو الحلقة المقربة منه، وغابت الأيديولوجيا والتوجه العام للحزب، مما أدى إلى هجرة الكفاءات وفتور الحياة التنظيمية.
تآكل رأس المال الرمزي للأحزاب :
الأحزاب الوطنية التاريخية كانت تحمل مشروعية النضال والمقاومة والاستقلال، وهي مشروعية معنوية قوية. اليوم، ومع تحولات المجتمع نحو الفردانية والمصلحة الآنية، تراجعت هذه القيم، وفقدت الأحزاب جزءاً من رصيدها الأخلاقي والرمزي أمام الناخبين الذين أصبحوا يقيسون نجاح حزب بمدى تنفيذه للبرنامج وخاصة فيما يخص القطاعات الحيوية من تشغيل وصحة وتعليم، كيفنا كانت مرجعيته الفكرية، لذلك تعاظم التصويت الانتقامي والتصويت من أجل التغيير وتجريب الجديد فقط. حتى وصلنا إلى العزوف الكبير الذي لم يستثني الشباب.
انفصال الأحزاب عن القواعد الاجتماعية : تغيّر المجتمع المغربي ديموغرافياً وثقافياً، بينما ظلت الأحزاب تشتغل بخطاب تقليدي لا يواكب تحولات الشباب، والمدن الجديدة، والطبقات المتوسطة الصاعدة التي تتوفر على وعي متزايد. غابت عنه عن أغلب الاحزاب آليات الإصغاء الاجتماعي والبحث الميداني، ففقدت القدرة على تمثيل المجتمع الفعلي.
تأثير الإعلام الجديد وفقدان التحكم في الصورة السياسية : ظهور شبكات التواصل الاجتماعي غيّر قواعد اللعبة. السياسي الذي كان يتحكم في صورته عبر القنوات الرسمية أصبح عرضة للنقد الفوري. زلات اللسان والأخبار السيئة تنتشر بسرعة، ما يجعل من التواصل السياسي اليوم علماً قائماً بذاته يحتاج إلى تكوين ومهارات دقيقة.
ماهي أبرز مظاهرة الأزمة التي تعاني منها الأحزاب المغربية ؟
تتجلى الأزمة التي تعاني منها الأحزاب السياسية في عدة مظاهر مترابطة:
العزوف الانتخابي الذي يعكس فقدان الثقة في جدوى المشاركة. لصالح أشكال أخرى للمشاركة السياسة مثل تتبع الاحداث والتعبير عن الرأي والاحتجاج...
احتجاجات المعطلين خريجي الجامعات والشباب وفئات متعددة كدليل على غياب القنوات الوسيطة بين الدولة والمجتمع.
هشاشة الأحزاب على إثر اللايقين الذي أصبح يطبعها في ظل تراجع صورة النخب نتيجة طول بقائها في مواقع المسؤولية دون تجديد أو محاسبة.
ضعف التكوين السياسي والتواصلي لدى الفاعلين الجدد، ما يجعل الخطاب السياسي هشاً وغير مقنع.
هذه الأعراض كلها تشير إلى أزمة تمثيلية تمس صميم علاقة المواطن بالسياسة، وتعبّر عن بحثٍ غير معلن عن أشكال جديدة من الديمقراطية: تشاركية، رقمية أو ميدانية، تتجاوز الأطر التقليدية.
العزوف الانتخابي الذي يعكس فقدان الثقة في جدوى المشاركة. لصالح أشكال أخرى للمشاركة السياسة مثل تتبع الاحداث والتعبير عن الرأي والاحتجاج...
احتجاجات المعطلين خريجي الجامعات والشباب وفئات متعددة كدليل على غياب القنوات الوسيطة بين الدولة والمجتمع.
هشاشة الأحزاب على إثر اللايقين الذي أصبح يطبعها في ظل تراجع صورة النخب نتيجة طول بقائها في مواقع المسؤولية دون تجديد أو محاسبة.
ضعف التكوين السياسي والتواصلي لدى الفاعلين الجدد، ما يجعل الخطاب السياسي هشاً وغير مقنع.
هذه الأعراض كلها تشير إلى أزمة تمثيلية تمس صميم علاقة المواطن بالسياسة، وتعبّر عن بحثٍ غير معلن عن أشكال جديدة من الديمقراطية: تشاركية، رقمية أو ميدانية، تتجاوز الأطر التقليدية.
ماهي سبل الخروج من هذا الوضع ؟
لابد أولا من دمقرطة التنظيمات من الداخل، فلا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية سياسية بدون ديمقراطية حزبية داخلية. المطلوب إعادة النظر في أنظمة التسيير الداخلي، وضمان التداول على المسؤوليات عبر انتخابات حقيقية وشفافة داخل الحزب، تتيح صعود كفاءات جديدة.
ثانيا، على الأحزاب أن تعتبر الجامعات ومراكز البحث خزاناً بشرياً للفكر والتجديد، وأن تنفتح على الكفاءات الشابة في مجالات العلوم الاجتماعية والانسانية وعلوم السياسة والاتصال والتسويق، بدل الاقتصار على الوجوه المألوفة أو الولاءات الزبونية المبنية أساسا على علاقات القرابة والدم.
كما ينبغي عليها الاعتماد على أدوات التقييم والتخطيط الاستراتيجي (خطط قصيرة، متوسطة، وطويلة المدى)، وعلى خلايا للتواصل والتسويق السياسي تتابع “السوق السياسية” وتستمع لتطلعات المواطنين باستمرار. يمكن هنا استلهام تجارب القطاع الخاص في التسيير، دون المساس بالقيم السياسية والأخلاقية، بالإضافة الى التكوين المستمر في فن الخطاب والتواصل، فالسياسي ليس مجرد خطيب، بل هو متواصل اجتماعي. يجب تكوين القيادات في مهارات التواصل والخطاب الموجه حسب الفئة (شباب، نساء، حضر، قرويون)، وعلى استخدام الوسائط الرقمية بذكاء ومسؤولية.
المطلوب من الأحزاب أن تعود للعب دورها كـ"جهاز وساطة" عبر قنوات تواصلية منتظمة: جرائد رقمية، بودكاست حزبي، لقاءات ميدانية، ندوات تفاعلية، نقاشات عبر المنصات الاجتماعية. هذا التواصل الدائم سيعيد الثقة تدريجياً بين الحزب والمجتمع.
كما ينبغي إعادة الاعتبار للأيديولوجيا والخلفية الفكرية والقناعات الكبرى، فالأحزاب القوية لا تُبنى على الوجوه بل على الفكرة. عندما تعود الأحزاب إلى نقاشاتها الفكرية والمرجعية، وتربط خطابها بمواقف مبدئية من قضايا الوطن (العدالة الاجتماعية، الحريات، المساواة، التنمية)، تستعيد هويتها ودورها التربوي.
إن الحزب المطلوب اليوم هو حزب ديمقراطي في داخله، اجتماعي في خطابه، علمي في تحليله، وتواصلي في أسلوبه، يسعى إلى بناء علاقة دائمة ومجددة مع المواطن، لا علاقة موسمية ظرفية.
ثانيا، على الأحزاب أن تعتبر الجامعات ومراكز البحث خزاناً بشرياً للفكر والتجديد، وأن تنفتح على الكفاءات الشابة في مجالات العلوم الاجتماعية والانسانية وعلوم السياسة والاتصال والتسويق، بدل الاقتصار على الوجوه المألوفة أو الولاءات الزبونية المبنية أساسا على علاقات القرابة والدم.
كما ينبغي عليها الاعتماد على أدوات التقييم والتخطيط الاستراتيجي (خطط قصيرة، متوسطة، وطويلة المدى)، وعلى خلايا للتواصل والتسويق السياسي تتابع “السوق السياسية” وتستمع لتطلعات المواطنين باستمرار. يمكن هنا استلهام تجارب القطاع الخاص في التسيير، دون المساس بالقيم السياسية والأخلاقية، بالإضافة الى التكوين المستمر في فن الخطاب والتواصل، فالسياسي ليس مجرد خطيب، بل هو متواصل اجتماعي. يجب تكوين القيادات في مهارات التواصل والخطاب الموجه حسب الفئة (شباب، نساء، حضر، قرويون)، وعلى استخدام الوسائط الرقمية بذكاء ومسؤولية.
المطلوب من الأحزاب أن تعود للعب دورها كـ"جهاز وساطة" عبر قنوات تواصلية منتظمة: جرائد رقمية، بودكاست حزبي، لقاءات ميدانية، ندوات تفاعلية، نقاشات عبر المنصات الاجتماعية. هذا التواصل الدائم سيعيد الثقة تدريجياً بين الحزب والمجتمع.
كما ينبغي إعادة الاعتبار للأيديولوجيا والخلفية الفكرية والقناعات الكبرى، فالأحزاب القوية لا تُبنى على الوجوه بل على الفكرة. عندما تعود الأحزاب إلى نقاشاتها الفكرية والمرجعية، وتربط خطابها بمواقف مبدئية من قضايا الوطن (العدالة الاجتماعية، الحريات، المساواة، التنمية)، تستعيد هويتها ودورها التربوي.
إن الحزب المطلوب اليوم هو حزب ديمقراطي في داخله، اجتماعي في خطابه، علمي في تحليله، وتواصلي في أسلوبه، يسعى إلى بناء علاقة دائمة ومجددة مع المواطن، لا علاقة موسمية ظرفية.