السياق الدولي والإقليمي
تزامن صدور بيان جبهة البوليساريو الجديد، الموجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة يوم 21 أكتوبر 2025، مع اقتراب مجلس الأمن من مناقشة تجديد ولاية بعثة المينورسو. وقد جاء البيان في صيغة "مقترح موسع" تزعم الجبهة أنه يهدف إلى "حل سياسي يضمن تقرير مصير الشعب الصحراوي"، في استعادة حرفية لمقولات تجاوزها الواقع السياسي والقانوني منذ سنوات.
لكن التوقيت والدلالات تكشف أن الأمر لا يتعلق بمبادرة جديدة بقدر ما هو محاولة لتجميل أطروحة الانفصال وتقديمها في ثوب دبلوماسي بعد أن فقدت كل شرعية ميدانية وسياسية. فبيان الجبهة يستبطن قراءة مقلوبة لقرارات مجلس الأمن، وخاصة القرار 2756 (2024)، الذي شدد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم قائم على التوافق، وهو ما يجسده حصريا المقترح المغربي للحكم الذاتي.
التحول في منطق الشرعية الدولية
لقد تحوّل الموقف الدولي خلال العقدين الأخيرين من منطق “الاستفتاء” إلى منطق “الحل السياسي التوافقي”، إدراكًا من الأمم المتحدة بأن الاستفتاء خيار غير قابل للتطبيق عمليًا، وأنه يهدد الاستقرار الإقليمي.
في المقابل، يقدم المقترح المغربي للحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب سنة 2007، إطارًا مؤسسيًا يحفظ السيادة الوطنية ويمنح سكان الأقاليم الجنوبية صلاحيات واسعة في تدبير شؤونهم المحلية، وهو ما اعتبرته قرارات مجلس الأمن “حلا جديا وذا مصداقية”.
وعليه، فإن استمرار الجزائر والبوليساريو في التمسك بخطاب الاستفتاء لم يعد سوى رهان على الوهم السياسي ومحاولة لإدامة نزاع مفتعل يخدم أجندة الهيمنة الإقليمية للجزائر.
من الحل السياسي إلى منطق المسؤولية الدولية
اليوم يقف المجتمع الدولي أمام مرحلة جديدة تفرض الانتقال من منطق “التسوية السياسية المفتوحة” إلى منطق المساءلة والمحاسبة.
فجبهة البوليساريو، من خلال أنشطتها العسكرية ضد المدنيين منذ قيامها، وانخراطها في شبكات تهريب الأسلحة والبشر والمخدرات وتوسع روابطها بالحركات الإرهابية، أصبحت تفي بكل المعايير المعتمدة دوليا لتصنيفها حركة إرهابية وفق قرارات مجلس الأمن ومعايير الاتحاد الإفريقي المتعلقة بمكافحة الإرهاب.
كما أن الجزائر، بصفتها الراعي السياسي والعسكري والمالي لهذه الحركة المسلحة، تتحمل مسؤولية قانونية مباشرة قد ترقى إلى وصف “الدولة الراعية للإرهاب”، تبعًا لمبدأ "مسؤولية الدولة عن الأفعال غير المشروعة دوليا".
دلالات المرحلة المقبلة
إن مقاربة المغرب الواقعية والبراغماتية، القائمة على الحكم الذاتي كخيار استراتيجي، جعلت قضية الصحراء تمر إلى مرحلة الحسم. فالمجتمع الدولي لم يعد مستعدا لقبول استمرار هذا النزاع كمصدر لعدم الاستقرار في الساحل والصحراء، خصوصا في ظل تزايد تهديدات الجماعات المتطرفة وتنامي الارتباط بين البوليساريو وبعضها.
لذلك، فإن الجزائر والبوليساريو أمام مفترق حاسم لا ثالث له:
* إما الانخراط الصادق في مسار الحل السياسي الذي تؤطره قرارات مجلس الأمن والمقترح المغربي للحكم الذاتي.
* أو مواجهة العزلة الدولية وتصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية والجزائر كدولة راعية للإرهاب، مع ما يستتبع ذلك من تبعات دبلوماسية وقانونية واقتصادية.
* أو مواجهة العزلة الدولية وتصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية والجزائر كدولة راعية للإرهاب، مع ما يستتبع ذلك من تبعات دبلوماسية وقانونية واقتصادية.
لقد حان الوقت لأن يدرك صناع القرار في الجزائر وجبهة البوليساريو أن منطق الابتزاز السياسي انتهى، وأن الواقعية السياسية أصبحت قاعدة التعايش والسلم الإقليمي.
أما المغرب، فبقدر ما يتمسك بحل الحكم الذاتي، يظل وفيا لمنهج الاعتدال والتعاون الدولي في بناء الأمن والاستقرار المشترك.
إن المرحلة المقبلة ليست مرحلة شعارات، فهي بالخصوص مرحلة تحديد المواقف وتحمل المسؤوليات: فإما أن يسير الجميع في اتجاه الحل السياسي الواقعي، وإما أن يسجل التاريخ أن الجزائر والبوليساريو اختارتا طريق الإرهاب بدل طريق السلام.
محمد الطيار /باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية – رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية