Monday 13 October 2025
كتاب الرأي

عبد الجليل أبوالمجد: المغرب الذي نريد

عبد الجليل أبوالمجد: المغرب الذي نريد عبد الجليل أبوالمجد
لا يخلو تاريخ المغرب القريب من تحديات مصيرية هددت أمنه ومسيرته، وسعت للتشويش على استقرار نظامه السياسي.
 
اليوم يواجه المغرب تحديات أخرى منها توالي سنوات الجفاف، والتضخم، واستشراء الفساد، والبطالة خاصة وسط الشباب الذين يعانون أصلا من التهميش والاقصاء الاجتماعي، إذ هناك أزيد من مليون ونصف من الشباب المغربي لا يعملون ولا يتلقون التعليم أو التدريب (NEET)، مما يعكس فشل المنظومة ككل في تلبية احتياجات فئة واسعة من المجتمع.
 
يضاف إلى ذلك، حالة فقدان الثقة بمؤسسات الدولة وآليات الوساطة من أحزاب ونقابات وجمعيات تقليدية فقدت الكثير من مصداقيتها وفاعليتها في تمثيل المجتمع وتأطير المواطنين لأسباب معروفة، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي.
 
ومن المعلوم أن هذه الثقة، إن فقدت، لا يمكن استعادتها بسهولة. بل يمكن إعادة بنائها تدرجيا عبر الفعل لا القول، والإنصات، والشجاعة، واعتماد الحكامة والمحاسبة الفعلية في تدبير المال العام.
 
ولعل من أهم أسباب فقدان الثقة في المؤسسات هو النخب المهترئة التي عاثت في البلاد خرابا وفسادا وخلقت فجوة بين مؤسسات الدولة والشعب، لاسيما فيما يتعلق بالخدمات الضرورية والأساسية. وهذه الوضعية هي التي وسمتها هجرة الأدمغة التي كلفت خزينة الدولة الكثير وحرمت المغرب من الاستفادة من طاقاتها الإبداعية كما دفعت آلاف الشباب إلى ركوب زوارق الموت نحو الضفة الشمالية بحثا عن جنة ينشدونها في أوروبا.
 
والتجارب التي عشناها في السنوات الأخيرة تثبت فشل القطاع العام والأنظمة الرعوية الريعية في احتواء الشباب واستشراف المستقبل. والمتأمل في مسيرة العقد الأخير في المغرب يدرك دون اي مجال للشك أن القطاع الخاص أيضا لوحدة غير قادر وغير مؤهل أصلا لمثل هذه المهمة الكبيرة. بل ان المشاكل والازمات التي كان من المفروض أن تتلاشى بقدراته وإمكانياته، قد تفاقمت كثيرا. وحتى عندما تكاثرت المدارس والمصحات الخاصة لم يلمس المغاربة أي تحسن يذكر ولم تختلف النتيجة أو المحصلة النهائية.
 
لقد فشلت الحكومات المتعاقبة في تقديم حلول لمشاكل الناس اليومية، وبخاصة حكومات ما بعد سنة 2011 التي كانوا يعلقون عليها المغاربة آمالا كبيرة في تحسين الأوضاع ومحاصرة الفساد والمفسدين.
 
حتما، إن زمن المحاسبة قادم، إذ لا بد للمغرب أن يجري محاربة للفساد والمفسدين، والحد من المحسوبية، وبؤس الادارة العمومية، وعجزها عن تلبية خدمات وحاجات المواطنين.
 
إن ما نحتاجه اليوم ليس الشعارات، بل إلى "تأهل آخر": تأهل الإنسان المغربي والاهتمام به فعلا بالاستثمار فيه، عبر الرعاية والتربية والتعليم والتوجيه الصحيح.
 
وهذا يتطلب مؤسسات وإدارات تسدي الخدمات للموطنين بفعالية وتؤدي عملها المناط بها دون تأخير أو تعطيل أو إجبار المواطن لدفع الرشوة والهدايا، مؤسسات وإدارات تعمل وفق الالتزام الوظيفي والاخلاقي والمهني، بمسؤولين يمتلكون القدرة والكفاءة على إدارة مختلف المؤسسات والدوائر المرتبطة، يحترمون المنصب الذي من خلاله يحترمون عملهم ويقدمون الجهد اللازم، مسؤولون لا يكذبون على الشعب في وسائل الإعلام ويتباهون بالمنجزات.
 
المغرب الذي نريد قوي ومنيع ومحصن تعليميا وطبيا ورياضيا وثقافيا وفنيا، وهذا لن يتحقق بالأمنيات ولجان ولا حتى بمكاتب الدراسات لا تملك فعليا أي اتصال حقيقي بالواقع، ولا تستمع الى الرأي المختلف أو المخالف فقد ظهر لنا اليوم نتاج سنين طويلة من الانتظار وما نتج عنها أي نقلة نوعية لا بل تراجعا في المجالات الاجتماعية.
 
المطلوب تطهير عام، والتضييق على الفساد والمفسدين، وتوظيف معايير وشروط وطنية حازمة لإنقاذ المجال السياسي المغربي من توغل قوى المضاربات والبزنس، وتحويلها الى محميات سرية خلفية. لأن الوطن يعلو فوق كل المصالح الضيقة.
 
كما أن المواطن المغربي عليه أن يتحمل أيضا مسؤوليته كاملة، وأن يقوم هو الآخر بدوره تجاه وطنه والانتماء له. كان للمفكر الفرنسي شارل مونتسكيو، صاحب نظرية فصل السلطات، في كتابه الشهير (روح القوانين( مقولة عميقة تستحق التأمل والتوقف عندها، إذ يقول "إذا كنت أعرف شيئا مفيدا بالنسبة إلي وضارا بأسرتي، فإني ألفظه من عقلي. وإذا كنت أعلم شيئا مفيدا لأسرتي لكنه ليس كذلك لوطني فإني أسعى إلى نسيانه" .
 
وفي الختام، الأمل معقود على المغاربة، لاسيما الشباب والمرأة أن يساهموا بما عرف عنهم من صبر وعزيمة ووفاء وتلاحم في الحفاظ الدائم على أمن واستقرار وطنهم. فكفى من التيه وبت اليأس والاتهامات السهلة.
 
فما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا، ونحن من لحمة واحدة ومصالحنا مشتركة ومتعانقة، نريد أن نصل مع الملك وليس دونه إلى مغرب المواطنة المتساوية، مغرب التقدم والازدهار والكرامة.
 
المغرب، بتاريخه السياسي الصلب، سيتجاوز هذه اللحظة الصعبة، بشرط العمل والجدية والمسؤولية المشتركة.