Monday 13 October 2025
مجتمع

12 أكتوبر.. اليوم العالمي لمحاربة أمراض المفاصل

12 أكتوبر.. اليوم العالمي لمحاربة أمراض المفاصل الدكتور أنور الشرقاوي (يسارا) والدكتور مصطفى مناص
بقلم الدكتور أنور الشرقاوي وبمساهمة الدكتور مصطفى مناص، اختصاصي أمراض الروماتيزم بمراكش 
 
 
«ألم في كل الجسم، في كل وقت، ومنذ زمن طويل»… هل يمكن أن تكون فيبروميالغيا او متلازمة الألم المنتشر؟
في 12 أكتوبر 2025، يحتفل العالم بـ اليوم العالمي لمحاربة أمراض الروماتيزم، مناسبة تسلط الضوء على مرضٍ غامض، كثير الانتشار لكنه قليل المعرفة: الفيبروميالغيا أو متلازمة الألم العضلي الليفي، المرض الذي يجعل الإنسان يشعر وكأن جسده كله يصرخ من الداخل.
 
مرض غير مرئي... لكنه حقيقي جداً 
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ما بين 2 و4٪ من سكان العالم يعانون من الفيبروميالغيا، أي ما يقارب مليون مغربي، معظمهم من النساء.
 
هذا المرض، الذي كان يُساء فهمه لسنوات، يُسبب آلاماً منتشرة ومستمرة تعكر صفو الحياة اليومية وتحدّ من القدرة على العمل والحركة .
 
يصف الأطباء الحالة بأنها «متلازمة الألم المنتشر»، إذ يشعر المريض بأن كل عضلة وكل مفصل في جسده يؤلمه بلا سبب واضح. 

كيف نتعرف على الفيبروميالغيا؟ 
تتميز بثلاثة أعراض رئيسية:
1. آلام مزمنة تشمل جميع أنحاء الجسم.
2. اضطرابات في النوم: نوم خفيف ومجزأ وغير مريح.
3. تعب دائم يبدأ منذ الصباح الباكر ويجعل أبسط المهام مرهقة.
وتترافق مع أعراض أخرى مثل القلق، والاكتئاب، وضعف التركيز، واضطرابات القولون، والصداع، وخفقان القلب.
هذه الأعراض المتشابكة تُربك المريض والطبيب على حد سواء.

الدماغ... حين يتحول إلى مكبّر للألم 
الفيبروميالغيا " متلازمة الألم المستمر" ليست وهماً.
إنها ألم حقيقي دون جرحٍ أو التهاب ظاهر.
 
في هذا المرض، يختل توازن الجهاز العصبي، فيُضخّم الدماغ الإشارات العصبية ويجعل الإحساس البسيط، كلمسةٍ أو نسمة باردة، مؤلماً بشكل غير طبيعي.
 
يسمّي الأطباء هذه الحالة بـ «الألودينيا» — أي أن الجسد لم يعد قادراً على إطفاء نار الألم.
 
ما الذي يسبب الفيبروميالغيا او متلازمة الألم المستمر؟ 
تشير الدراسات إلى عوامل متعددة:
الوراثة والهرمونات، ما يفسّر انتشارها الكبير بين النساء.
الضغوط النفسية المزمنة، وقلة النوم، والصدمات الجسدية أو النفسية مثل الطلاق أو الحوادث أو الاعتداءات.
الأمراض المزمنة مثل التهاب المفاصل والآلام العضلية المستمرة.
وفي المجتمع المغربي، حيث تتحمل المرأة أعباءً مضاعفة — كأم، وزوجة، وموظفة او عاملة — تصبح الفيبروميالغيا انعكاساً لتعبٍ جسدي ونفسي طويل الأمد.
 
متى يجب زيارة الطبيب؟ 
عندما تستمر الآلام المنتشرة لأكثر من ثلاثة أشهر، وتزداد مع التعب، والبرد، والقلق.
وحين يصبح النوم متقطعاً، والاستيقاظ مرهقاً، والأنشطة اليومية كصعود السلم أو حمل الأغراض صعبة ومؤلمة.
وقد تترافق الحالة مع صداع متكرر، متلازمة القولون العصبي، جفاف الفم، أو تغير لون الأصابع بالبرودة (ظاهرة رينو).
 
دور طبيب الروماتيزم 
يُعتبر طبيب الروماتيزم حجر الزاوية في تشخيص هذا المرض.
فهو من يُؤكد الإصابة وفق معايير سريرية دقيقة، ويستبعد الأمراض الأخرى، ويُفسر للمريض طبيعة حالته، ويطمئنه.
 
كثيرون يتنقلون بين الأطباء بحثاً عن إجابة، ويجرون فحوصات متكررة دون جدوى، مما يسبب معاناة نفسية ومادية كبيرة.
 
كيف يتم العلاج؟ 
العلاج متعدد الجوانب وفي البدء لا يعتمد على الأدوية 
إخبار وتعليم د المريض لفهم حالته والسيطرة عليها.
نشاط بدني معتدل كالمشي، السباحة، أو اليوغا.
دعم نفسي وسلوكي يساعد المريض على التكيف مع الألم.
أما الأدوية، فتشمل بعض مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للتشنجات والمسكنات الخفيفة.
ويُحذر من استعمال الكورتيزون أو المهدئات القوية لما تسببه من آثار جانبية دون فائدة حقيقية.
 
الرسالة الأخيرة 
الفيبروميالغيا مرض حقيقي وليس خيالاً.
ألمه يأتي من خللٍ في النظام العصبي، وليس من ضعف الإرادة.
تشخيصه سريري، لكن أثره إنساني عميق.
وعلاجه يقوم على الفهم، والصبر، والتعاون بين المريض وطبيبه.
في المغرب، بدأت هذه الحالة تخرج من الظل بفضل وعي الأطباء العامون وأخصاء الروماتولوجيا.
ويبقى النداء واضحاً:
الألم لا يُقاس فقط بالتحاليل،
بل يُفهم، ويُحترم، ويُعالج برحمة وعلم.