شهدت جلسة افتتاح البرلمان، اليوم، خطابا ملكيا يعكس رؤية متجددة للمستقبل السياسي والاجتماعي والتنمية بالمملكة. في السنة الأخيرة من الولاية التشريعية، وجه الملك رسالة واضحة للبرلمان مفادها ضرورة إنهاء المرحلة الحالية بمردودية تشريعية فعلية بعيدا عن الانشغال بالخطابات الانتخابية أو التراخي السياسي. كما شدد على تكامل الدبلوماسية البرلمانية مع الرسمية، في تنبيه ضمني ضد الممارسات الحزبية التي قد تستغل الواجهة الخارجية لمصالح ضيقة، مؤكدا حرصه على استقرار المؤسسات وترك مسؤولية الأداء التشريعي للحكومة والبرلمان.
لأول مرة، ربط الملك بين العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية و«ثقافة النتائج»، مؤكدا التحول نحو نموذج تنموي جديد يقوم على تقييم واقعي للمشاريع، اعتماد الرقمنة والمعطيات الميدانية، وإنهاء ثقافة الشعارات الفارغة. وركز الخطاب على محاور أساسية تشمل النهوض بالتعليم والصحة والشغل، محاربة الهدر الإداري والبيروقراطية، الاهتمام بالمناطق الجبلية والهشة، وتوسيع المراكز القروية كبديل ذكي للتوسع العشوائي للمدن، ما يشير إلى تصحيح مسار التنمية الترابية وإعادة التركيز على البعد الاجتماعي بعد فترة من الصمت السياسي الشعبي.
رغم غياب أي إشارة مباشرة لإقالة الحكومة، يحمل الخطاب نقدا ضمنيا لأداء بعض القطاعات، إذ جاء التحذير من «أي تهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي» دليلا على ضعف التنسيق الحكومي وغياب الكفاءة في بعض المشاريع. كما ركز الملك على تغيير العقليات، مشيرا إلى أن الأزمة ليست فقط في البرامج بل في الثقافة الإدارية والسياسية نفسها.
وفيما يخص الطبقة السياسية، جاء الخطاب بمثابة محاسبة أخلاقية وتاريخية: «أنتم تمثلون المواطنين، فكونوا في مستوى الثقة الموضوعة فيكم».
افتتاح البرلمان في هذا التوقيت، وسط تزايد السخط الاجتماعي، يحمل رمزية العودة إلى المؤسسات، ويؤكد أن الإصلاح يجب أن يتم من داخل النسق المؤسساتي، لا عبر الشارع. كما وضع الخطاب الأسس لما بعد 2026، من العدالة الاجتماعية والمجالية، وتغيير العقليات، واعتماد الرقمنة، وتحقيق نجاعة المشاريع، ما يمهد لنموذج تنموي جديد يقوم على الإدارة الذكية ومبادئ الشفافية والمردودية.
يمكن القول إن الخطاب الملكي يشكل إشارة قوية لاستمرارية الأداء المؤسساتي، مع تأكيد على الإصلاح الاجتماعي والتنمية الترابية، ومطالبة صريحة بالجدية والمردودية من كل مؤسسات الدولة والطبقة السياسية، مؤطرا المرحلة المقبلة بنهج التدرج في الإصلاح وتحقيق النتائج الملموسة التي يترقبها المجتمع.