Monday 22 September 2025
كتاب الرأي

جمال المحافظ: أشكال التعبير الحديثة والصحافة بين الرفض والقبول

جمال المحافظ: أشكال التعبير الحديثة والصحافة بين الرفض والقبول جمال المحافظ
قبل ما يناهز عشر سنوات من الآن كتبت في عدد من المنابر الإعلامية، بأننا في حاجة ماسة اليوم الى إعادة تعريف الصحافي (ة )، وتساءلت من هو الصحفي (ة )؟ وهل هو ما ينص عليه قانون الصحفي المهني (ة )؟ وبأي معيار يمكننا أن نحدد الصحفي (ة )من غيره؟ وهل الصحفي (ة ) هو نفسه في أي زمان وفي أي مكان؟ هل الصحفي له نفس السلطة الرمزية برغم اختلاف وسائل التعبير الإعلامي والتقني؟ وأكثر من ذلك، هل الصحفي هو ذاك الذي يحرر المادة الخبرية بتوظيف خبرته ومعرفته بحدود وطبيعة الأجناس الصحفية؟
 
أم يمكننا أن نعتبر كل من يشتغل في حقل الصحافة والاعلام والتواصل صحفيا ( ة )؟ هل الصحفي ( ة )هو ذاك المرتبط بخصوصية عمله أولا، وبالأسئلة الحارقة المطروحة عليه، والمرتبطة بالقضايا المجتمعية الأخرى؟.
 
أنماط جديدة
مناسبة استعادة هذه التساؤلات، والمناسبة شرط - كما يردد أهل المنطق عادة والفقهاء كذلك - هو ما جاء في رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، وضمنه في مذكرة أصدرها في السادس عشر من شتنبر الجاري، حينما اعتبر أن التحولات التكنولوجية التي ساهمت في ظهور أشكال وأنماط تعبير جديدة لم تعد مقتصرة على الصحافة التقليدية، بل امتدت لتشمل وسائط ومنصات رقمية أصبحت فاعلا رئيسيا في النقاش العمومي وصناعة الرأي العام، تقتضى " تجاوز الاقتصار على مفهوم حرية الصحافة باعتباره مفهوما تقليديا محدود الأفق ، والانتقال إلى مفهوم "حرية الإعلام" بمضمونه الأوسع، بما يستوعب مختلف أشكال التعبير الحديثة ويتيح تأطيرها وفق قواعد مهنية وأخلاقية منسجمة مع المعايير الدولية ذات الصلة".
 
وفي نفس السياق دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مذكرته حول مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة الذي صادق عليه في 22 يوليوز 2025، مجلس النواب الذي طلب رئيسه من مجلس حقوق الانسان، إبداء الرأي حول المشروع، ( دعا ) إلى " ابتكار آليات مناسبة لمواكبة التحولات التكنولوجية المتسارعة، ولا سيما وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تشكل قنوات رئيسية لممارسة حرية الإعلام، بعد أن لم تعد الصحافة التقليدية تحتكر هذا الدور".
 
تمثيلية الرقمي
كما أوصى المجلس بفتـح المجـال أمـام كافـة المهنيات/يـن المنخرطات/يـن في ممارسـات إعلاميـة و أمام المنصـات الرقمية الخالصة/المحليـة الصغـرى وتمكينهـم مـن حـق الترشـح والاقتـراع عبـر مسـار تمثيلـي مميـز وبشـروط موضوعيـة (عـدد المـواد المنشـورة، وجـود عقـود مهنيـة أو تغطيـة اجتماعيـة لفائـدة العامليـن) بمـا يوسـع قاعـدة الشـرعية الاجتماعيـة ويضمـن شـمول النظـام لواقـع السـوق الاعلامـي المتغيـر باسـتمرار مع " إيجــاد الصيــغ الممكنــة لإدمــاج المهنيات/يــن المنخرطات/يــن فــي ممارســات اعلاميــة وصحفيــة ( متطوعات/يـن متطوعات وصانعات/صنـاع محتـوى اعلامـي) فـي مفهـوم الصحفـي المهني المتملك لأخلاقيات النشــر والصحافــة التــي يمكــن البنــاء عليهــا فــي التعديــل المرتقــب للنظــام الأساســي للصحفيين المهنيين".
 
غير أن اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، عبرت في رسالة إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن انتقادها الشديد ل" ما ورد حول إدماج توسيع نطاق أهلية الترشح والاقتراع للمتطوعات/ين في المجال الإعلامي، وصانعات/صناع المحتوى الإعلامي، معتبرا أن هذا التعريف الجديد سيشكل الأساس لإدماجهم في النظام الأساسي للصحفيات/ين المهنيات".
 
صحافة وصناع المحتوى
وفي هذا الصدد قالت اللجنة في رسالتها بأن " هذا الاقتراح يثير التساؤل حول طبيعة “الخبراء” الذين أعدوا هذا التقرير، وعلاقتهم بالواقع المغربي، وبما يحدث أيضا حتى في الدول المتقدمة، معتبرة أن ما يسمى بـ"صناع" المحتوى " لا يعتبرون صحافيين، بل إن التوجه في أغلب دول العالم هو تحصين المهنة وتقويتها، وحمايتها من الدخلاء والمتطفلين ومنتحلي الصفة".
 
وينص القانون المتعلق بالصحافيين المهنيين، في مادته الأولى بالخصوص على أن الصحافي المهني هو " كل من يزاول مهنة الصحافة بصورة رئيسية ومنتظمة، في واحدة أو أكثر من مؤسسات الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية أو السمعية أو السمعية البصرية أو وكالات الأنباء عمومية كانت أو خاصة التي يوجد مقرها الرئيسي بالمغرب، ويكون أجره الرئيسي من مزاولة المهنة.
 
لكن خارج هذه المقتضيات القانونية، يجدر التساؤل عن ما معنى أن تكون صحافيا اليوم؟، ومن هنا تطرح إشكاليات مفاهيمية في مقدمتها هل لا زالت المادة الأولى من النظام الأساسي للصحافيين المهنيين تفي بالغرض في ظل تحولات الألفية الثالثة؟ وهل ممارسة الصحافة تتطلب الحصول على بطاقة الصحافة؟، كما أنه بأي معيار يمكن أن نفرز الصحافي عن غيره؟ وعلى مستوى آخر هل لصحفي اليوم في ظل التحولات الرقمية واختلاف وسائل التعبير نفس السلطة الرمزية التي كانت له في زمن الصحافة الورقية؟.
 
صحافة اليوم
كما هل الصحفي هو ذاك الذي يحرر المادة الخبرية بتوظيف خبرته ومعرفته بحدود وطبيعة الأجناس الصحافية؟ وهل يمكننا أن نعتبر كل من يشتغل في حقل الصحافة والاعلام والتواصل صحافيا؟ وهل الصحافي هو ذاك الذى يرتبط بشكل فعلي بخصوصية عمله أولا، وبالأسئلة الحارقة المطروحة عليه وأيضا على مجتمعه؟.
 
فهذه التساؤلات تخرج عن النطاق الضيق للتعريف الذي ينص عليه قانون الصحفي المهني، وهو ما يزيد من صعوبة الإجابة، نتيجة ارتباط ممارسة الصحافة بحقول أخرى حقوقية وسياسية وقانونية وأخلاقية. كما أنه إذا كان الصحافي " موظفا "، فإنما يتعين أن يكون موظفا في مجال البحث عن الحقيقة، وأن يحوّل وقائع المجتمع وتجاربه الإنسانية إلى معطيات خبرية تساهم في تشكيل آراء واتجاهات الأفراد والجماعات. وإذا كانت الصحافة بمتاعبها المتعددة، تظل مهنة حقيقية كباقي المهن فلها قواعدها وأخلاقياتها، وليست مهنة من لا مهنة له.
 
تحديات كبرى
غير أن الصحافة تواجه تحديات كبرى لن تجيب عنها قوانينها ونواميسها منها ما تفرزه التحولات المتسارعة نتيجة الثورة الرقمية، مع استحضار هشاشة الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين خاصة الأجيال الجديدة الذين أصبحوا يشكلون طبقة جديدة توصف ب" العمال المهرة في الاعلام".
 
وعلى الرغم من أن الصحافة، نشاط فكري وإبداعي له خصوصيته وقوانينه وأساليبه وطرق عمله، فإن القيمة المركزية، رغم التطور التكنولوجي، تبقى للعنصر البشري الذي له تأثير حاسم في العمل الصحفي الذي يرتكز على التحري الموضوعي عن الأخبار والمعلومات لجعلها في متناول الجمهور.
 
وهكذا تتطلب ممارسة الصحافة، قدرا كبيرا من التكيف مع شروط وسياقات الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، لكن شريطة ألا يصبح هذا التكيف خضوعا لما يتعارض مع حقائق الأشياء، ومع معايير المهنة وأخلاقياتها، إذ أن من لا يقتنع بأن الصحافة كفن للممكن، قد يصطدم بمختلف أشكال المقاومة السياسية والاجتماعية والثقافية والقانونية والمالية.
 
تحولات عميقة
نوع آخر من التحديات تواجه الصحافة بسبب التكنولوجيات الرقمية التي أحدثت تحولات عميقة في الفضاء العام، ومن افرازاتها تنامي ما يطلق عليهم" المؤثرون " وهي الظاهرة التي تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي، وتنافس الصحافيين المهنيين، ويتعاظم دورها في توجيه الرأي العام والاستئثار باهتماماته.
 
وإن كانت التكنولوجيا الرقمية، احدى وسائل الدفاع عن حقوق الإنسان، لكن بالمقابل قد تستخدم أيضًا لقمع هذه الحقوق والحد منها وانتهاكها، وسوء استخدامها ضد الأشخاص والجماعات المهمشة، واستعمالها كوسيلة للتحريض والعنصرية ونشر الكراهية والتمييز.
 
لكن مهنة الصحافة، ترتبط بحقول أخرى منها ما هو حقوقي وسياسي وقانوني وأخلاقي، وهو ما يجعل ممارسة المهنة تعبيرا حقيقيا عن مدى قوة وهشاشة فضاء الحرية في بلد من البلدان. بيد أنه إذا كان الصحافي "موظفا"، فإنما يتعين أن يكون موظفا للبحث عن الحقيقة أولا، وأن يحوّل وقائع المجتمع وتجاربه الإنسانية إلى معطيات خبرية، مثلما ينتظر منه أن "يناضل" من أجل الحصول المعلومات والأخبار وتعميمهما، حتى يتمكن من إدماج الأفراد والجماعات في سياقات الحياة وسيرورتها، ويساعدهم بالتالي على تشكيل آراءهم وممارسة قناعاتهم.