Thursday 4 September 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: اقترب موعد إسلام الروح.. جاء الدور على الهذيان!!

محمد عزيز الوكيلي: اقترب موعد إسلام الروح.. جاء الدور على الهذيان!! محمد عزيز الوكيلي
لا يختلف اثنان، في هذه الظرفية الإقليمية والجهوية والدولية بالذات، على كون النظام الجزائري يعيش لحظات الاحتضار بكل دلالات الكلمة!!
ومن أبرز مظاهر هذه الحالة أن المحتضر يفقد كل علاقة بواقع الأمور والأشياء، فبالأحرى حقيقتها، ويدخل في هذيان لا ينتهي إلا بإسلام الروح لبارئها، أو بالأحرى صانعها، والصانع في الحالة الجزائرية هي فرنسا بوصفها الفاعل التاريخي الذي علل الوجود السريالي والغريب والعَبَثيّ لذلك النظام، بذلك الشكل، وبتلك الصفة!!
 
الهذيان، يا حضرات، ليست له قسمات يمكن أن تُضبَطَ بها إحداثياتُه في الزمان، أو في الفضاء، لأنه بكل بساطة ضربٌ عشوائيٌّ ذات اليمين وذات الشِّمال، أو إلى الأمام أو الوراء، بلا أدنى بوصلة، وبلا أدنى خيط ناظم يمكن أن تُعرَف بواسطته بدايةُ الظاهرة ونهايتُها، لأن الخيوط كلها متروكة على عواهنها قبل الدخول في الحالة، وأثناءها، وفي نزعها الأخير، ولذلك تصدر عن ذلك النظام أقوالٌ وسولوكاتٌ يَصعبُ تعيينها بإسمٍ من الأسماء، أو بوصف من الأوصاف المتعارف عليها في عصرنا الراهن... إنه العَبَث واللامعقول بكل معايير هذيْن الاصطلاحَيْن..  فكيف ذلك؟!!

الموضوع وما فيه، انه قبل أيام، طلع إلى ساحة الكتابة في ذلك البلد كِتابٌ لأحد "الكُتّاب" المحسوبين على هذه الحرفة، الثقافية النبيلة، وَضَعَ عليه عنواناً يمكن أن يَقتُل من الضحك، عنوان يقدم المغرب بكل الصراحة والوضوح الممكنَيْن بوصف "الدولة الإرهابية"... هذا هو عنوان الكتاب (!!!)
تصوروا معي، الآن، مغربا جاهد طيلة تاريخه للدفاع عن نفسه وترابه وأبنائه وعرضه وشرفه باستماتة، دون أن يغزو أو يستولي على أي شبر من الأوطان المجاورة...
 
 بل بالعكس من ذلك، لم يعترض المغرب في تاريخه، يوماً، على استرجاع كل الأوطان التي كانت تشكّل جزءاً من جغرافيته لأجزاء من ترابها كانت في الماضي تحت إدارة السلطان المغربي ليس غزواً، بل برغبة معبَّرٍ عنها من لدن أهالي تلك المناطق، الإفريقية تحديداً، بفعل اعتناقها للإسلام على أيدي تجار وفقهاء مغاربة، وبفضل انتمائها بتحصيل الحاصل إلى زاوية أو طريقة، من الزوايا والطرائق المغربية، التي كانت تنشر الإسلام إفريقياً في تلك العهود، فأعلن أولئك الأهالي انتظامهم تحت حماية السلطان المغربي بواسطة بيعات مؤرَّخة وموثَّقة يُقِرّ فيها وجهاؤهم وفقهاؤهم خضوعَهم لسلطان المغرب، الذي دأبوا على إثر ذلك على الدعاء له في صلواتهم ومساجدهم، التي بناها السلطان ذاته أو رعاياه من الدُّعاة!!
 
باختصار، فإنّ المغرب لم يعتبر قانونيا ولا دستوريا تلك البيعات التلقائية كذريعة للاستيلاء على أي شبر من أراضي جيرانه خاصةً، أو من أي بلد إفريقي آخر على العموم، وعلى هذا الأساس استعادت مالي، والنيجر، والسنغال، والتشاد كل ما كان محسوبا بقوة الواقع كجزء من الإمبراطورية المغربية، ولم يُستَثْنَ من هذا الإجراء القانوني حتى الجار الموريتاني ذاته، برغم الصلة العضوية التي كانت تجمع بين المغرب وموريتانيا إلى درجة تسمية المغرب ذاتِه بذلك الإسم بلا أدنى تَنَكُّر أو جٌحود، وبلا أدنى عُقدة نقص (موريتانيا الطنجية في الشمال، وموريتانيا القيصرية في الوسط والشرق والجنوب) وإن كان هذا التقسيم في حقيقته ذا أصول رومانية هنْدسَها ونظَّرَ القيصرُ الروماني كلاوديوس، سنة 42 للميلاد!! 
 
وحتى في عز التاريخ المغربي الحديث، استرجع المغرب استقلاله من كل من فرنسا وإسبانيا بواسطة معاهدات سلام متوالية أُبرِمت في إطار سلمي، بعد جهاد ملكي وشعبي لا يُنكره إلا جاحد أو مجنون، واستكمل جزءاً كبيرا من وحدته الترابية بواسطة مسيرة خضراء سلمية لا مكان فيها لأي قطعة سلاح غير كتاب الله، وحَمِيَّة عباده المغاربة الأقحاح ذكورا وإناثاً ومن كل الأَعمار!!
فكيف رأى ذلك الكاتبُ بلدنا "مغرباً إراهبياً"، "إرهابَ دولة"، وليس إرهاب أحزاب أو إثنيات أو جماعات؟!! 
كيف فعل، وهو يرى ملك المغرب لا يكلّ ولا يَملّ من مد يده بالسلم والسلام والأمن والأمان لذلك النظام بالذات، والذي لو أن المغرب ملكاً وشعباً حاربه بكل أسلحة الدنيا لالتمس العالمُ له العذرَ من جرّاء ما لاقاه وما زال يلاقيه من عَنَتِ ذلك الجار وعَدائِه وعُدوانيتِه!!
المصيبة، كالعادة، ان الأمر لم يقف عند الكاتب المغمور صاحب ذلك الكتاب العَبَثي والخارق لكل حدود المعقول، بل تَخطّاه إلى كل المؤسسات الرسمية الجزائرية بما فيها وكالة الصرف الصحي المسماة هناك بوكالة الأنباء، ووزارة الخارجية، وأحزاب وشخصيات تتعيّش وتسترزق بسبّ المغرب وشتمه والقدح في كل مؤسساته بلا أدنى ذرة عقلٍ أو حياءٍ أو ضمير!! 
 
والأكثر غرائبيةً في هذا السلوك المتكرِّر، والذي لم يكن إلا امتداداً لما سبقه على مدار نصف قرن ويَزيد، أن نعت المغرب ب"الدولة الإرهابية" حاولوا أن يُقيموه تاريخياً على علاقة المغرب بما سموه "شعوباً صحراوية"، لأنهم لم يفهموا ولن يفهموا بأن الشعوب الصحراوية في مجموع المنطقة المغاربية، لو كانت أصواتُها مسموعةً بما فيه الكفاية، لأعادت الآن من تلقاء ذاتها الخريطة المغربية إلى ما كانت عليه قبل مجيء الاستعمارين الفرنسي والإسباني، وحتى العثماني، إلى هذه الرقعة الشمالية من القارة السمراء... وكثير منها لا يفتأ يُعلن بيعته بكل الأشكال المتاحة، الآن وفي هذه الظرفية التاريخية بالذات، رغم ان الفكرة ذاتها لا تستقيم من وجهة نظر القانون الدستوري الدولي!!
 
ولكن... كيف لنا ان ننتظر من ديكٍ مذبوح وهو يُنازع سكرات الموت أن يعيد حساباته في الاتجاه التاريخي المذكور، بعد أن فقد كل علاقة له بالواقع، وبالتاريخ، وبالحياةِ أساساً، وبدا في العد العكسي قبل إسلامه الروح لبارئها، وهي النهاية التوَقَّعُ حُدوثُها بين اليوم والآخر، بل بين اللحظة واللحظة... عجبي!!! 
محمد عزيز الوكيلي،  إطار تربوي متقاعد.