Wednesday 3 September 2025
كتاب الرأي

خديجة الكور: نحو مدونة سلوك أخلاقية للانتخابات.. استعادة الرمزية السياسية في مواجهة تسليع الاقتراع

خديجة الكور: نحو مدونة سلوك أخلاقية للانتخابات.. استعادة الرمزية السياسية في مواجهة تسليع الاقتراع خديجة الكور
تُعد الانتخابات الفعل المؤسس لأي ديمقراطية، إذ تكرس سيادة الشعب وتجسد ثقة المواطن في قدرة المؤسسات على ترجمة صوته إلى قوانين وسياسات عامة وعمومية. إلا أن ما آلت إليه لحظة الانتخابات اليوم يضعنا أمام معادلة صعبة وتناقض صارخ حين تحول الفعل السياسي الذي كان ينبغي أن يشكل لحظة سياسية لبناء الأفق المأمول إلى مجرد صفقة تجارية تهدد جوهر الديمقراطية. ومن هنا تنبع الحاجة الملحة إلى مدونة سلوكأخلاقية تؤطر العمل السياسي ليس كمستند رمزي فحسب، بل كعقد ديمقراطي حقيقي يلزم جميع الفاعلين السياسيين ويعيد للانتخابات قيمتها الأساسية.
فالانتخابات لا تعني مجرد فعل التصويت، بل تحمل رمزية قوية ترتبط باعتراف باختيارات الناخبين كمصدر للسلطة التشريعية والتنفيذية والترابية، وبالمساواة بين المواطنات والمواطنين في التعبير عن إرادتهم الجماعية، وباستمرارية المؤسسات من خلال التناوب السلمي والديموقراطي على السلطة. وعندما تنتفي أو تضعف هذه الرمزية، تنهار ثقة المواطنين، ويحل محلها الانسحاب من المشاركة السياسية، وفقدان الاهتمام بالشأن العام، وأحيانا الغضب الشعبي والاحتقان الاجتماعي، وهو ما ينعكس سلبا على استقرار المجتمع وثقته في مؤسساته.
وعلى صعيد آخر، تتطلب عملية تنظيم الانتخابات موارد مالية هائلة لتغطية نفقات اللوجستيك وطباعة الملصقات وأوراق الدعاية وتنظيم اللقاءات التواصلية وتعويضات العاملين وكراء المقرات وتأجير القاعات وأجور المستخدمين لأغراض الحملة وبلورة البرامج الانتخابية وتنظيم التواصل وتعويض النواب بمكاتب التصويت وغيرها من النفقات.
وفي كثير من الأحيان يتطور إلى جانب النفقات المشروعة اقتصاد انتخابي مواز لتدفق الأموال بشكل غير مشروع وغير شفاف الشيء الذي يشوه المنافسة ويحوّل في كثير من الأحيان الاقتراع إلى معركة مالية حيث يحل المال والعلاقات محل الأفكار والكفاءات.
وتوضح أرقام انتخابات 2021 في المغرب حجم الاقتصاد المرتبط بالعملية، فقد خصصت الدولة ما يقارب 1,5 مليار درهم لتنظيم الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية، فيما بلغت نفقات الأحزاب والمرشحين المصرح بها أكثر من 375 مليون درهم، تم تمويل الجزء الأكبر منها من قبل الدولة مع اعتماد الموارد الذاتية بنسبة حوالي 19٪ من الإجمالي. وقد رصد المجلس الأعلى للحسابات عدة مخالفات في باب نفقات الحملات الانتخابية. إلا أن هذه الأرقام تبين أن الانتخابات تستدعي منظومة اقتصادية كاملة، بميزانيات ضخمة، ووفرة في مقدمي الخدمات، ولوجستيك واسع، مما يبرز أن الاقتراع أصبح أيضا عملية مالية وتجارية ضخمة. وتعكس هذه الأرقام أهمية تنظيم الانتخابات بطريقة شفافة تضمن المساواة والمنافسة العادلة بين جميع المتنافسين، بعيدًا عن تأثير المال والامتيازات الشخصية.
وقد شدد الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة على ضرورة تخليق الحياة السياسية وضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية لاستعادة مصداقية الديموقراطية. وتستدعي عملية التخليق وضع قواعد واضحة لتمويل الحملات الانتخابية، وضمان الشفافية التامة في نفقات الأحزاب، وتعزيز أخلاقيات الترشح على أساس الكفاءة لا على أساس الأرصدة البنكية والنفوذ المالي، بالإضافة إلى تطبيق عقوبات فعالة على أي مخالفة لضمان التزام جميع الفاعلين بالقانون.
وتشكل المشاركة السياسية للمرأة وتعزيز تمثيليتها في الحياة السياسية والانتخابية على أساس الكفاءة والتميز وليس المال والنفوذ ركنا أساسيا في عملية التخليق لأن إقصاء النساء من مواقع صنع القرار يُضعف شرعية المؤسسات وهامش التعددية السياسية.
ومن ثمة تظهر الحاجة إلى بلورة ميثاق وطني لأخلاقيات الانتخابات يمكن من محاصرة الظواهر التي تفسد العملية الانتخابية ببلادنا والتي تتمثل أساسا في عدم تدبير التزكيات بطرق شفافة الأمر الذي يضعف من مستوى التمثيلية في البرلمان وآفة شراء وبيع أصوات الناخبين التي تحول العملية الانتخابية إلى سوق نخاسة سياسية وتقتل المواطنة والديموقراطية وضمان الحياد الذي يضمن شروط المنافسة الحرة والنزيهة.
ولا يجب أن يكون الميثاق مجرد إعلان عن النوايا، بل يجب أن يكون ملزما لكل الفاعلين السياسيين وأن يتضمن عقوبات رادعة تشمل تعليق التمويل العمومي أو إلغاء الترشيحات أو حتى إبطال المقاعد في حال المخالفة وأن يشكل موضوع مراقبة وتتبع من لدن هيئات مستقلة.
إن الديمقراطية لا تقاس بمجرد إجراء الانتخابات بشكل دوري وفي موعدها، بل بمستوى مصداقيتها ونزاهتها وشفافيتها وملاءمتها للمعايير الأخلاقية والسياسية. ومن هذا المنطلق، يُعد الميثاق الأخلاقي للانتخابات، الملزم والمراقب، شرطا أساسيا لاستعادة الثقة والقطع مع منطق التسليع الذي أفسد السياسة، وإعادة الاعتبار لمعنى الانتخابات كلحظة لبناء تصورنا الجماعي لتدبير شؤون الوطن وإسماع صوت الشعب وضمان الاختيار الحر والنزيه والمسؤول لمن نعتبرهم مؤهلين من بين النساء والرجال لحكامة الوطن.
 
خديجة الكور/ رئيسة منظمة النساء الحركيات