في شهر يوليوز زرت مدينة مراكش وكتبت مقالين حول مشاهداتي لمدينة دائمة الحركة.. كان المقال الأول بعنوان: مراكش الحمراء والثاني بعنوان مراكش الأخرى... في المقال الأول حكيت عن زيارتي المقبرة السلاطين السعديين ووقوفي على قبر السلطان أحمد المنصور وإلى جانبه قبر ابنه السلطان زيدان وعن يساره قبر حفيده محمد الشيخ الملقب بالصغير.. كما تضمن المقال زيارتي الأطلال قصر البديع وإعجابي بضخامته وعلو أسواره وكثرة صهاريجه وأكدت أنه كان قصرا فريدا بناه المنصور تحية للشرفاء السعديين وتخليدا.
لانتصارهم وحكمهم...
فوج المنصور
في نهاية شهر يوليوز (2025) أطلق صاحب الجلالة الملك محمد السادس اسم السلطان أحمد المنصور الذهبي على فوج المتخرجين من المدارس العسكرية والمدنية والترابية.. ولا أدعى أن هناك رابط بينما كتبته وبين القرار الملكي ولكني أشعر بسعادة لأني زرت قبر هذا السلطان ونوهت بإنجازاته وظروف حكمه.
وادي المخازن
تولى أحمد السعدي الملقب بالمنصور وبالذهبي، الملك يوم انتصار الجيش المغربي على جيش البرتغاليين بقيادة ملكهم سان سباستيان». وكان السلطان عبد المالك هو الذي أشرف على تجميع القوات وتنظيمها ووضع الخطط لمنع النصارى من التقدم في الأراضي المغربية.. لكنه توفي يوم المعركة وترك القيادة لأخيه أحمد.. وقد عرفت تلك المواجهة بمعركة الملوك الثلاثة وجرت أطوارها قريبا من مدينة القصر الكبير غشت 1578.
أوروبا تتساءل
اهتزت الأمبراطوريات الأوروبية النافدة في القرن السادس عشر من وقع الهزيمة البرتغالية، رغم أن أوروبا بعثت بالسفن والمتطوعين إضافة إلى مباركة الفاتيكان بدعواته وأعلامه سارعت أوروبا إلى إرسال بعثات للقاء السلطان أحمد المنصور ومعرفة نواياه والتجسس على قواته ودواوينه.. في تلك الفترة سادت أخبار مفادها أن أحمد المنصور عازم على مهاجمة إسبانيا لاسترجاع الأندلس.. وقالت إشاعات أخرى بأن جيوشه ستتجه إلى الشرق لإبعاد الأتراك واسترجاع تلمسان ووهران خوفا من ذلك اتحد الأتراك في الجزائر مع الإسبان، رغم الخلافات بينهما اتخذا مواقف عدائية ضد المغرب. سارع المنصور إلى نهج دبلوماسية حكيمة ربط خلالها علاقات قوية مع أنجلترا وفرنسا ضمانا لدعمهما أو على الأقل حيادهما وصداقتهما مع المملكة الشريف.
الشريف يدخل فاس
ها هو أحمد المنصور يعود إلى فاس، بعد معركة وادي المخازن سلطانا قويا ومنتصرا، تستقبله المدينة عن بكرة أبيها، تجمع بين الدموع أسفاً على وفاة السلطان أخيه عبد المالك وفرحا بالسلطان الجديد أحمد السعدي.. وبذلك تكررت عبارة مات الملك عاش الملك».
وجد أحمد المنصور نفسه على رأس مملكة منتصرة قوية وغنية، وبذكائه سارع إلى تنظيم الدولة وتحديث إدارتها وإعطاء المغرب إشعاعا يبرز الطابع الشريف للسلطان وما يتميز به من بركات ربانية... أصبح السلطان مثالا للقوة الروحية.. الفاتح والقائد تحف به تنظيمات صارمة وبروتوكولات مضبوطة لازالت بصماتها متواصلة حتى الآن.
تنظيم المخزن
هكذا شرع أحمد المنصور في إقامة دعائم دولة مركزية تحت إمرته المباشرة اعتماداً على تدبير قوي الشؤون الدولة ومراقبة أطرافها وعلى جيش منظم قادر على الدفاع عن حوزة البلاد بل يمكن القول إنه تحت حكم هذا السلطان برز المفهوم السياسي والاجتماعي للمخزن بمظاهره وأبهته وأعلامه وتقاليده...
في قلب إفريقيا
سادت موجة الارتياح أرجاء المملكة وانتظم جيش قوي يتكون من وحدات من الأندلسيين وأخرى من العلوج والثالثة من الحراطين، إلى جانب الوحدات التقليدية.. بعد تنظيم الأوضاع الداخلية اتجه المنصور إلى إبعاد الأتراك عن الحدود المغربية فتوجه نحو الشرق واسترجع نفوذه على توات و تیگورانين الصحراء الشرقية ووصلت جيوشه إلى شنقيط (جنوب موريطانيا) وأخيرا زحف إلى الصحراء الكبرى (الساحل) حيث هزم مملكة «سنغاي وأسس العلاقة قوية من توميكوتو ونهر النيجر إلى سجلماسة ومراكش.
رسائل ملكية
إن قرار جلالة الملك بإطلاق اسم هذا السلطان المنتصر يروم استحضار التاريخ لتنوير الحاضر والإطلالة على المستقبل في إطار استمرارية وديناميكية فعالتين.. إن الرجوع إلى أحمد المنصور وأوضاع العالم في القرن السادس عشر، لا تعني الجمود الفكري أو الاستنجاد بالماضي بل هي رسائل ملكية رمزية ودفينة نتيجة قرارات متأنية.. إن فك رموز الرسائل الملكية تتطلب الإلمام بالتطورات التاريخية في بعدها الوطني والدولي وما رافقها من فكر واجتهاد وصعوبات.. كما أن تفكيك وفهم الرسائل الملكية تتطلب بدورها فهم وتحليل عمق الفكر الملكي وطريقة معالجته للملفات وتغلبه على المشاكل واختياراته الاستراتيجية لضمان تطور حقيقي للمغرب.. إن الإحاطة بكل ذلك تجعل القارئ النبيه يصل إلى خلاصة الاختيار الملكي في توجهه إلى الداخل والخارج، إلى الأصدقاء والخصوم، للقول بذكاء.. هذا هو المغرب في استمراريته وقوته وطموحاته... وهذا الفوج حفيد تلك الأفواج التي تعاقبت على مر القرون مدعو لحماية المملكة وضمان حقوقها التاريخية.
السادس عشر، لا تعني الجمود الفكري أو الاستنجاد بالماضي بل هي رسائل ملكية رمزية ودفينة نتيجة قرارات متأنية.. إن فك رموز الرسائل الملكية تتطلب الإلمام بالتطورات التاريخية في بعدها الوطني والدولي وما رافقها من فكر واجتهاد وصعوبات.. كما أن تفكيك وفهم الرسائل الملكية تتطلب بدورها فهم وتحليل عمق الفكر الملكي وطريقة معالجته للملفات وتغلبه على المشاكل واختياراته الاستراتيجية لضمان تطور حقيقي للمغرب.. إن الإحاطة بكل ذلك تجعل القارئ النبيه يصل إلى خلاصة الاختيار الملكي في توجهه إلى الداخل والخارج، إلى الأصدقاء والخصوم، للقول بذكاء.. هذا هو المغرب في استمراريته وقوته وطموحاته... وهذا الفوج حفيد تلك الأفواج التي تعاقبت على مر القرون مدعو لحماية المملكة وضمان حقوقها التاريخية.
فشكرا جلالة الملك على هذا الاختيار وعلى هذا التنبيه وذلك بعد الاقتراح الإيجابي الذي تقدمتم به لإيجاد حل توافقي لا غالب فيه ولا مغلوب مقرونا بحفظ ماء وجه الجميع.. إن جلالتكم من موقع المنتصر من موقع أحمد المنصور، تحدثتم في خطاب العرش الأخير.. إن الرسائل الملكية واضحة وصادقة، كانت ولازالت تتجدد مع مرور القرون.. فعلى الآخرين أن يتعرفوا على من هو أحمد المنصور وما هي إنجازاته... في الصحراء الشرقية.. في الصحراء الأطلسية.. في عمق الصحراء الكبرى.. عليهم أن ينحازوا إلى جانب العقل والحكمة لأن مثل هذه الفرص لن تتكرر.. ومثل هذه النخوة لن تتجدد.. والتاريخ يسير بسرعة، أكثر من سرعة البراق.