Friday 29 August 2025
كتاب الرأي

سفيان الداودي: قراءة في حصيلة الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب على هامش المناظرة الوطنية للتخييم في نونبر 2025

 
 
سفيان الداودي: قراءة في حصيلة الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب على هامش المناظرة الوطنية للتخييم في نونبر 2025 سفيان الداودي 
كيف يمكن أن نتحدث اليوم عن سياسة وطنية للشباب ونحن في سنة 2025، ولم يتحقق بعد الجزء الأكبر مما سُطر في الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب (2015–2030)؟ أين ذهبت الوعود المرتبطة بتمكين الشباب من التعليم الجيد، التشغيل اللائق، والمشاركة المواطِنة الفعلية؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا البطء الذي جعلنا اليوم نطرح السؤال المؤلم: من هو المحاسب؟
إن هذه الأسئلة لا تنفصل اليوم عن النقاش الدائر حول التخييم، إذ أن المخيمات بدورها تعكس صورة السياسة الشبابية في أبعادها التربوية والثقافية والاجتماعية.
 
أولا: بين الطموح والواقع
الاستراتيجية الوطنية حملت شعاراً جميلاً: "شبيبة مواطِنة مبادرة، سعيدة ومنفتحة". تضمنت 62 إجراء استعجالياً و75 إجراء تكميلياً، كان يفترض أن يُنجز نصفها على الأقل قبل 2020.
لكن ونحن اليوم في منتصف الطريق نحو 2030، ما تحقق لا يتجاوز مبادرات محدودة: بطاقة شبابية لم تعمَّم، فضاءات قرب غير متكافئة بين الجهات، وبرامج رمزية لا ترقى إلى رهانات جيل كامل.
وإذا انتقلنا إلى قطاع التخييم، نلمس نفس الهوة بين الطموح والواقع: مشاريع إصلاح البنيات توقفت، الطاقة الاستيعابية لمواكبة الطلب بقيت محدودة، والعدالة المجالية لم تتحقق بعد. المخيمات إذن تُترجم بوضوح أزمة الاستراتيجية الوطنية للشباب.
 
ثانيا: لماذا هذا التعثر؟
إن أسباب هذا التعثر متعددة، أهمها:
- تعدد المتدخلين دون تنسيق، ما جعل الشباب ضحية تداخل السياسات القطاعية.
- غياب إطار قانوني ملزم يحوّل الاستراتيجية إلى التزام دولة لا مجرد إعلان نوايا.
- ضعف التمويل مقارنة بحجم الانتظارات.
- إقصاء الشباب والجمعيات التقدمية من المشاركة الحقيقية في بلورة وتتبع البرامج.
- غياب مؤشرات تقييم شفافة، فلا أحد يملك اليوم حصيلة دقيقة يمكن محاسبته عليها.
وبالموازاة، يمكن أن نطرح نفس الملاحظات على السياسة التخييمية: تعدد المتدخلين، غياب قانون إطار خاص بالمخيمات، ضعف الميزانية، والتهميش المتواصل للجمعيات الفاعلة. 
هكذا يصبح النقاش حول المخيمات جزءاً عضوياً من النقاش حول السياسة الشبابية الوطنية.
 
ثالثا: مسؤولية الدولة وسرعة الزمن الاجتماعي
إن أخطر ما في الوضع هو أننا نعيش في بلد يسير، كما قال جلالة الملك في أحد خطاباته، "بسرعتين مختلفتين": سرعة إصلاحات تتسارع في بعض المجالات، وسرعة اجتماعية تسير ببطئ.
مجال الطفولة و الشباب للأسف ظل عالقاً في هذه السرعة المتأخرة، وكأن مستقبل الأجيال لا يحتمل العجلة.
ومخيمات الصيف تعكس هذا الواقع: كيف يمكن لورش بهذا الحجم أن يسير بنفس بطء الزمن الاجتماعي، في حين أنه مختبر لبناء القيم والديمقراطية والحوار، وكان يفترض أن يكون أداة من أدوات تسريع التنمية البشرية للشباب؟
 
رابعا: دور الجمعيات التقدمية
هنا يبرز الدور التاريخي للجمعيات التربوية والتقدمية التي ظلت ترفع صوتها دفاعاً عن شباب هذا البلد.
هذه الجمعيات مطالبة اليوم بمزيد من الضغط والترافع من أجل:
- تحويل الاستراتيجية إلى قانون إطار ملزم يربط المسؤولية بالمحاسبة.
- ضمان عدالة مجالية حقيقية في توزيع فضاءات الشباب والخدمات الثقافية، بما فيها المخيمات.
- خلق آليات لمشاركة الشباب في القرار المحلي والوطني: مجالس شبابية، ميزانيات تشاركية، منصات رقمية للنقاش.
- اعتبار الإبداع الرقمي والفني مجالاً استراتيجياً لتمكين الشباب، وجعل المخيمات أحد فضاءاته الحيوية.
 
خاتمة: سؤال المستقبل في أفق المناظرة الوطنية للتخييم
نؤكد أخيراً أننا اليوم، وبعد عشر سنوات من إطلاق الاستراتيجية، نقف أمام سؤال صارخ: من سيحاسب على ما لم يُنجز؟ من سيعترف بأننا أضعنا زمناً ثميناً كان يمكن أن يشكل رهاناً على مستقبل المغرب؟
إن المناظرة الوطنية للتخييم، المزمع عقدها في نونبر 2025، تمثل فرصة لمواجهة هذه الأسئلة بجرأة، وربط النقاش حول المخيمات بالنقاش الأوسع حول السياسة الشبابية. فإما أن نمتلك الشجاعة لإعادة البناء وجعل المخيمات رافعة استراتيجية فعلية، أو نستمر في سياسة البطء التي تجعل المجال الاجتماعي رهينة السرعة البطيئة.
إنه سؤال المستقبل: هل يملك المتدخلون في مجال الطفولة و الشباب الإرادة السياسية لجعل هذه الفئة العمرية شركاء حقيقيين، أم سيبقى هذا المجال  متأخراً عن طموحات الوطن وانتظارات شبابه؟