Thursday 5 June 2025
فن وثقافة

"نحن مختلفات عما تعتقدون.. النسوية العربية" كتاب جديد للباحثة الألمانية كلاوديا ميندي

"نحن مختلفات عما تعتقدون.. النسوية العربية" كتاب جديد للباحثة الألمانية كلاوديا ميندي الباحثة الألمانية كلاوديا ميندي

الباحثة الألمانية كلاوديا ميندي Claudia Mende من طينة الباحثات الغربيات، اللائي يتوخين الموضوعية في دراستهن ما استطعن إلى ذلك سبيلا، المتحررات بقدر كبير جدا من "عقدة" المركزية الغربية. صدر لها مؤخرا، عن دار النشر الألمانية "ويستاند Westend" كتاب جديد تحت عنوان: "نحن مختلفات عما تعتقدون.. النسوية العربية". صالت فيه وجالت في عالم المرأة العربية الحالية، من المحيط إلى الخليج، مشتغلة على مستويات ثلاث على الأقل: القانوني، السوسيولوجي والنفسي. وتكمن القيمة الإضافية للكتاب في بعده الميداني، بحيث إن الباحثة لم تشتغل نظريا في ركن من أركان مدينة ميونيخ الألمانية حيث تسكن، بل خرجت للميدات، وزارت ميدان دراستها في كثير من الدول العربية، متسلحة بحوارات ومقابلات مباشرة مع العديد من النساء العربيات، في مختلف مستوياتهن الفكرية والإجتماعية والمهنية.

الكتاب، بحكم تأليفه باللغة الألمانية، موجه أساسا إلى الجمهور الغربي الناطق بالألمانية، رجالا ونساء. ومن خلال عنوان الكتاب، يتشمم القارئ بأن هدف الباحثة ميندي هو رسالة مباشرة موجهة للغربيين عموما، عن الصورة المختزلة، ولربما الخاطئة، التي يحملونها عن وضع المرأة العربية عموما، التي تعتبر في المخيال الجماعي الغربي خاضعة، ليس فقط للرجل، بل وأيضا لعادات وتقاليد ترمي بجذورها في ماضي بعيد. وإذا لم يكن هذا بالضرورة حكما مسبقا سلبيا، بل يحتوي على الكثير من الصحة، إلا أن المرأة العربية لا تخضع بالكامل، كما تعتقد الغالبية العظمى من الغربيين، بل تناضل من أجل حقوقها منذ أكثر من قرن من الزمن، بكل ما أوتيت من قوة. تسبح في كثير من الميادين ضد تيار العقلية الأبيسية العربية، وتوثق الباحثة الكثير من الإنجازات التي حققتها المرأة العربية قانونيا واجتماعيا. وتذكر الباحثة كلاوديا ميندي من حين لآخر بأن المرأة الغربية، على الرغم من أنها حققت الكثير من حقوقها، لم تصل بعد إلى المستوى المثالي، لما يجب أن يكون عليه وضعها.

تعاملت الباحثة مع موضوع النسوية العربية بالكثير من سعة الأفق، والمعطيات البحثية الجادة، ولم تقتصر على العرض والوصف، بل في كثير من الأحيان أبانت عن نقد هادف للمجتمعات العربية الذكورية، ولم تنس الإشارة إلى الكثير من التغيرات الإيجابية في العقليات في العالم العربي، سواء في جناحه المسلم أو المسيحي بكل تياراتهما. وتعتبر هذه التغيرات مكسبا لنضال الحركة النسوية العربية وشجاعة الكثير من النساء العربيات لخوض هذا النضال بحماس واستمرارية، على الرغم من التضحيات العظام، التي دفعت الكثير منهن حياتهن قربانا من أجله في أقصى الحالات، أو تعرضهن لضغوطات سياسية أو اجتماعية-أسرية، بما في ذلك العنف الجسدي والنفسي.

يعتبر بحث كلاوديا ميندي بمثابة تقرير مفصل عن وضع المرأة العربية المعاصرة، ووضع الأصبع على تمثل الغرب لها، كما نستنتج من الغلاف الخلفي للكتاب: "رائدات أعمال ومدافعات عن حقوق الإنسان وسياسيات. لا يتخيل الكثير من الناس في الغرب وجود مثل هذه المرأة في العالم العربي. وذلك لأنها لا تتناسب مع الصورة النمطية الشائعة عن المرأة العربية "السلبية المضطهدة".

لكن الصور النمطية تمنعنا من رؤية حقيقة حياة هؤلاء النساء. فهن يناضلن من أجل حقوقهن منذ أكثر من مائة عام، يناضلن ضد العنف من أجل تقرير مصيرهن في حياتهن وأجسادهن. إنهن يطالبن بالمساواة في الحقوق وإنهاء هيمنة الذكور".

القيمة المضافة لهذا الكتاب هو أنه مؤلف من غربية، وموجه للغربيين، لعلهم يفتحون عيونهم وعقولهم ولربما أفئدتهم للتعامل مع الثقافات الأخرى بطريقة جديدة، وليس بالنظر لكل من هو غربي نظرة دونية، بل باحتقار؛ وكأن الآخر لا يوجد إلا لتقفي خطوات الغربي وتقليده وخدمته. فاحتفاظ الغربي على مثل هذا التصور للآخرين، بما فيهم المرأة العربية، هو في العمق نوع من العنف الرمزي ضدها، بل تشجيع الأبيسية العربية للإحتفاظ بسلطتها.

ختاما، للكتاب أيضا بعدا نبيلا آخر، يتمثل في تعبيد الطريق إلى حوار الأنداد بين الغرب والعالم العربي، بالتخلي الواعي عن الأحكام المسبقة السلبية المتبادلة، والدخول في عصر من الحوار الهادف، من أجل تعاون مثمر بين دوائر ثقافية مختلفة، وتحقيق، أو على الأقل الإقتراب من تحقيق، السلام في العالم؛ ومن شروط هذا الأخير هو الإعتراف بالمرأة كإنسان كامل الإنسانية، والإعتراف بمؤهلاتها العقلية والجسمية والنفسية، ومساهمتها في بناء إنسان يستحق هذا الإسم.