لم يكن نداء الملك محمد السادس، بشأن الامتناع عن ذبح الأضاحي هذا العام مجرّد قرار عادي أو توجيه شكلي، بل حمل في طياته عمقا استراتيجيا وإنسانيًا يعكس وعيا ملكيا دقيقا بظروف المملكة الاستثنائية، خاصة مع توالي سنوات الجفاف وتنامي الضغط على الثروة الحيوانية، وما لذلك من أثر مباشر على الأمن الغذائي للبلاد.
الخطاب الموجّه إلى كافة الشعب المغربي، داخل الوطن وخارجه، لم يمر مرور الكرام لدى جالياتنا بالخارج، وعلى رأسها الجالية المغربية في إيطاليا، حيث طفى على السطح نقاش تميّز بتباين في الآراء، ليس بسبب سوء الفهم، بل كنتيجة طبيعية لاختلاف السياقات والتجارب التي يعيشها مغاربة المهجر.
فبين من استقبل النداء الملكي بروح وطنية عالية، واعتبره دعوة للتضامن الحقيقي مع الوطن الأم في ظرف عصيب، برز صوت آخر ينظر إلى الأمر من زاوية مغايرة، مؤكّدًا أن ظروف بلدان الإقامة تختلف، وأن ممارسة الشعائر الدينية ومنها شعيرة الأضحى لا ينبغي أن تتوقف استجابة لقرار داخلي، مهما كانت دوافعه النبيلة.
وفي خضم هذا الجدل، يبرز سؤال مشروع: هل يمكن اختزال الهوية الوطنية في حدود جغرافية؟ وهل المسؤولية التي يدعونا إليها الخطاب الملكي تعني بالضرورة الامتناع الفعلي عن الذبح أينما كنا؟ أم أنها دعوة للتفكير العميق في رمزية التضامن، واحترام الأولويات الوطنية، دون تجاهل لخصوصيات السياقات الثقافية والدينية في بلدان المهجر؟
وإن كان من واجب أفراد الجالية استحضار روح التضامن، فإن على القائمين على الشأن الديني في إيطاليا من أئمة ودعاة ومسؤولين عن المساجد والمراكز الإسلامية مسؤولية مضاعفة في هذه الظرفية، لتوعية المسلمين، وخصوصًا المغاربة، بروح شريعة العيد، التي لا تختزل فقط في الذبح أو استهلاك اللحوم وتخزينها في الثلاجات، بل تتجاوز ذلك إلى إحياء معاني الرحمة، والتكافل، والتقرب إلى الله بالنية الصادقة والعمل الصالح، لا بمجرد المظاهر.
وفي ذات السياق، لا بد من الدعوة إلى ضرورة الالتزام الصارم بالقوانين المحلية المنظمة لعمليات الذبح في بلدان الإقامة. فسواء تعلق الأمر بالشروط الصحية، أو الذبح في المجازر المرخصة، أو تجنب الذبح العشوائي في البيوت، فإن احترام القانون لا يُعد فقط واجبًا مدنيًا، بل هو أيضًا من صميم أخلاقيات المسلم في بلاد الغربة، ويعكس صورة حضارية عن الجالية المغربية والمسلمة بشكل عام.
إن ما يُحسب لهذا النقاش أنه لم يكن سطحيًا، بل عرف انخراطًا مسؤولًا من علماء وأئمة، لا سيما من المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، الذين أكّدوا أن ممارسة الذبح خارج المغرب واجب لمن له الإستطاعة وأن إلغاء شعيرة الذبح تشمل مغاربة الداخل و لا علاقة له بباقي المغاربة بديار المهجر، وأن الاجتهاد في مثل هذه القضايا يظل بابًا مفتوحًا. لكن في الوقت ذاته، لم تصدر فتوى جامعة وملزمة، مما فسح المجال لاجتهادات فردية قد تتقاطع أو تتباين.
غير أن المؤسف حقًا هو استغلال بعض الأصوات المتشددة لهذا التباين لتأجيج خطاب التكفير والتخوين، واتهام المخالفين في الرأي بالجهل أو التهاون الديني، في مشهد يسيء إلى روح النقاش الهادئ، ويُضعف من قيم الحوار والتسامح التي يدعو إليها ديننا الحنيف.
إن عيد الأضحى، في جوهره، مناسبة تُجسد قيم الرحمة والإيثار والتكافل، قبل أن يكون طقسًا مرتبطًا بالذبح فقط. ومن هذا المنطلق، فإن نداء الملك ينبغي أن يُقرأ في سياقه الشامل كدعوة للتضامن المستنير، لا كقيد شرعي. إنها لحظة تأمل جماعي، وفرصة لبعث روح المسؤولية المشتركة، داخل الوطن وخارجه، بعيدًا عن التشنجات والمزايدات.
لعلّ هذا العيد يكون مناسبة لفتح نقاش وطني راقٍ حول علاقة الدين بالواقع، والانتماء بالمكان، والمسؤولية بالمواطنة. فتباين المواقف ليس تهديدًا للوحدة، بل دليل على حيوية مجتمع ما زال يملك أدوات التفكير الحر، ما دام الحوار هو القاعدة و الأصل.
الخطاب الموجّه إلى كافة الشعب المغربي، داخل الوطن وخارجه، لم يمر مرور الكرام لدى جالياتنا بالخارج، وعلى رأسها الجالية المغربية في إيطاليا، حيث طفى على السطح نقاش تميّز بتباين في الآراء، ليس بسبب سوء الفهم، بل كنتيجة طبيعية لاختلاف السياقات والتجارب التي يعيشها مغاربة المهجر.
فبين من استقبل النداء الملكي بروح وطنية عالية، واعتبره دعوة للتضامن الحقيقي مع الوطن الأم في ظرف عصيب، برز صوت آخر ينظر إلى الأمر من زاوية مغايرة، مؤكّدًا أن ظروف بلدان الإقامة تختلف، وأن ممارسة الشعائر الدينية ومنها شعيرة الأضحى لا ينبغي أن تتوقف استجابة لقرار داخلي، مهما كانت دوافعه النبيلة.
وفي خضم هذا الجدل، يبرز سؤال مشروع: هل يمكن اختزال الهوية الوطنية في حدود جغرافية؟ وهل المسؤولية التي يدعونا إليها الخطاب الملكي تعني بالضرورة الامتناع الفعلي عن الذبح أينما كنا؟ أم أنها دعوة للتفكير العميق في رمزية التضامن، واحترام الأولويات الوطنية، دون تجاهل لخصوصيات السياقات الثقافية والدينية في بلدان المهجر؟
وإن كان من واجب أفراد الجالية استحضار روح التضامن، فإن على القائمين على الشأن الديني في إيطاليا من أئمة ودعاة ومسؤولين عن المساجد والمراكز الإسلامية مسؤولية مضاعفة في هذه الظرفية، لتوعية المسلمين، وخصوصًا المغاربة، بروح شريعة العيد، التي لا تختزل فقط في الذبح أو استهلاك اللحوم وتخزينها في الثلاجات، بل تتجاوز ذلك إلى إحياء معاني الرحمة، والتكافل، والتقرب إلى الله بالنية الصادقة والعمل الصالح، لا بمجرد المظاهر.
وفي ذات السياق، لا بد من الدعوة إلى ضرورة الالتزام الصارم بالقوانين المحلية المنظمة لعمليات الذبح في بلدان الإقامة. فسواء تعلق الأمر بالشروط الصحية، أو الذبح في المجازر المرخصة، أو تجنب الذبح العشوائي في البيوت، فإن احترام القانون لا يُعد فقط واجبًا مدنيًا، بل هو أيضًا من صميم أخلاقيات المسلم في بلاد الغربة، ويعكس صورة حضارية عن الجالية المغربية والمسلمة بشكل عام.
إن ما يُحسب لهذا النقاش أنه لم يكن سطحيًا، بل عرف انخراطًا مسؤولًا من علماء وأئمة، لا سيما من المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، الذين أكّدوا أن ممارسة الذبح خارج المغرب واجب لمن له الإستطاعة وأن إلغاء شعيرة الذبح تشمل مغاربة الداخل و لا علاقة له بباقي المغاربة بديار المهجر، وأن الاجتهاد في مثل هذه القضايا يظل بابًا مفتوحًا. لكن في الوقت ذاته، لم تصدر فتوى جامعة وملزمة، مما فسح المجال لاجتهادات فردية قد تتقاطع أو تتباين.
غير أن المؤسف حقًا هو استغلال بعض الأصوات المتشددة لهذا التباين لتأجيج خطاب التكفير والتخوين، واتهام المخالفين في الرأي بالجهل أو التهاون الديني، في مشهد يسيء إلى روح النقاش الهادئ، ويُضعف من قيم الحوار والتسامح التي يدعو إليها ديننا الحنيف.
إن عيد الأضحى، في جوهره، مناسبة تُجسد قيم الرحمة والإيثار والتكافل، قبل أن يكون طقسًا مرتبطًا بالذبح فقط. ومن هذا المنطلق، فإن نداء الملك ينبغي أن يُقرأ في سياقه الشامل كدعوة للتضامن المستنير، لا كقيد شرعي. إنها لحظة تأمل جماعي، وفرصة لبعث روح المسؤولية المشتركة، داخل الوطن وخارجه، بعيدًا عن التشنجات والمزايدات.
لعلّ هذا العيد يكون مناسبة لفتح نقاش وطني راقٍ حول علاقة الدين بالواقع، والانتماء بالمكان، والمسؤولية بالمواطنة. فتباين المواقف ليس تهديدًا للوحدة، بل دليل على حيوية مجتمع ما زال يملك أدوات التفكير الحر، ما دام الحوار هو القاعدة و الأصل.