الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

حسن شاكر: أبُـقْراط يطرد العنصرية من مستشفيات إيطاليا..

حسن شاكر: أبُـقْراط يطرد العنصرية من مستشفيات إيطاليا..

هـل يُـمكن اعـتبار قــوانـين الهجـرة والحـد من فـرص الـعمل وغيـرها عـناويـــن بـارزة للعنصرية..؟

وهـل يمكن اعتـبار الخدمات الصحية قــلعة حصينة بأســوار عـالـية لا تـريد مُجـاراة مـوجة العنصرية..؟

ولـتبقى وفـيــة لطـابعها الإنساني، ومحـرابا تُـمارس فـيه طقوس العلاج، يـرفـض القـائمون عليه بـذلــة الـمُـرشد للـتـبليغ عـن المهاجـرين غير الشـرعيين..؟

مهاجرون مغاربة كـثيرون تعـرضوا لـوعكات صحية عـارضة أو مُــزمنة، كانت وسيلـتهم للدخول إلى عالـم قـريب للمـثالي مـازال محكوما بقـواعد الإنسـانية ولـيس فـيه مكان للاعـب السياسي مهما كان لــون حـزبه، والأكيـد أنهـا تجربة يخرج منها المهاجر المغربي بـقـناعات عـديـدة، أهـمها أن جـودة الـخدمات الصحة الـعمومية لا يجب الاكـتـفـاء بالـتنصيص عـليه في ديـباجة الــدستور فقــط ...

فعـلاقـة الجـوار في السكـن والـزمالة،سـواء في الـدراسة أو الـعمل وكـذا المنـافسة الشـرسة والإقـصـاء في مـيـدان الـعمل هـذا دون نسيــان أن العديد من مغاربة إيطاليا لا يتـوفـرون على تكـوين مهني أو تـقـني عـال، وبانعـدام حـق التـصويت المشروطة بالـتـوفر على الجنسية...

وكـل ما يقــال عن مستــويات الاندماج في إطـار صراع الهـوية، وأيضا التساؤل: هـل للمهاجـر وقت فــراغ  يقضيه  داخل المكتبات العمومية أو المتاحف وغيــرها من الفضاءات الثقافية..؟وكيف تم التشطيب عليها من اهـتماماته أمـام إكـراهـات أخرى لها أولـوية يعرفهـا جيدا كل من يحمل لـقب "مـهـاجـر"...

هـذه إذن بعض الحـالات التي تجعلـنـا نخـرج من المشهـد بـقناعـة أكـيــدة أن المهاجـر يعـيش في عـنصرية تـامـة.. لكـن سـرعان مـا يـذوب هـذا الانطبـاع بـربط الاتصال بسيارات الإسعاف المجهـزة بأدوات الإسعـاف الأولى حيث يستفسرونك عن نــوع الـوعكـة بالهـاتـف لـتـحـديـد نــوع سيـارة الإسعاف وأيضا الممرض المرافـق الذي يصف حـالتك بالهاتف أثناء الـتوجه للمستشفى القريب...

السـؤال الشخصي الــوحيد هـو اسمك... لـون بشـرتـك ليس أمــرا مُـهما.. أما مـرورك أمـام الـطبيب فهـو رهـيـن بـدرجة خطورة الـوضع الـصحي... تثيـرك نـظافـة المكان، وبـدلات بـألـوان مختلفـة بـين الأبـيض والأخـضر والأزرق، كـل لـون يــدل عـلى وظـيفة حاملـه، جـاهـزون حتى للحـالات الأسوء وفـي جميع الأوقـات..

على جـدران الأروقـة قـوانين وتـنـبيهـات خـاصة بالسيـر العـادي للمستشفى.. جـناح الأطفـال مُـميـز بـطاولــة عـليها ألعــاب كثـيرة وسـط قـاعة الانتظـار ولـوحات فـنية وألــوان زاهـية مختلفـة وفـيها إضـاءة كـثيـرة..

مكـتـب الإرشـادات مُجهـز بكـل المعلومات وأيضا المطبوعات بالمجان، رجال الأمـن الخاص هُـم للمراقـبة فـقـط.. لا يخلـو المكان من عُـمال النظافة وهُـم غـالـبا من المهاجرين أو مـن جـنوب إيطاليا...ويمكن التــأكيد على أن المستشفى قـلعـة بأسوار عـاليـة يحـكمها فـقـط مـيثـاق أبُـقْـراط الـذي يـتعهـد فـيه الـطبيب بالـعـمل لإنقــاذ أرواح الـبشـر دون تمييـز أو تـفـرقــة..

المهاجر يحس أخــيرا بأنه إنـسان في فضاء تخلو منه كل إشــارات التمييز لـيتعلق بالعيش أكثـر بهذا الــبلد رغـم كل أشكال الإقصاء خـارج أسوار المستشفى...

لا يمكن لمُنصف إنكـار المعاملة الإنسانية لكل طاقـم المستشفيات فهـم يتعاملـون مع "بـاسْيـانْـتـي" أيمـريض ولـيس شيء آخـر.. أما المهاجـرون ومنهـم المغـاربة فـيـقعـون في حيـرة من أمــرهـم. فـهـل صحيح  أن مـن يـعمل داخل أسـوار المستشفى يـنتمي إلى من هُــم خارجهــا..؟

وهـل الاستـشفــاء هـو فـقـط التجهيـزات والـدواء أم أيـضـا المعاملـة بطـابع إنـسـاني..؟ وأيـن مـوقـع الـخدمات الـصحية الـمغـربية مـن هـذا الـتـرف الـصحـي...؟؟ وهـل حـق الـصحة هــو شعــار للاستهـلاك الإعـلامي فـقـط أم يـجب الانـتـقــال مـن الـتـنصيص عـليه بالــقوانـين والتهـلـيل بــه إلى مُـمارسـة يـومـية يحـس فـيها المـريض بـأدمـيـتـه..؟

لا يمكن المقارنة مع وجـود الـفارق كما يُـقـال، ولكـن الـفـارق شـاسع وعلى أوجـه عـديـدة، فـإذا افـتـرضنـا جـدلا أنـه يمكن التسليـم بـضُعْـف الـتجهيـزات الـطبـية نظـرا لـقـلـة المـوارد المالـية.. فـكيـف يُـمكـنـنا تـفسيـر قـلـة المعاملـة الإنسـانية من طرف أغـلب أطبـائـنـا وممرضيـنا ومـسعـفـيـنا وأيضا حُـراس الأبـواب...

فـقـط عجـرفـة وتـعالـي "خـاوي "بـدون الـدخـول فـي تفـاصيل يعـرفـها الـجميع كـانـقلاب البعض إلى وسطاء لـتسهـيل عمـلية الـتـولـيد وتجهيـزات لا تظهـر إلا بـزيـارة بعض الـمسؤولين من عـيـار معـين..

نـشعـر بالإحـراج  ونحن لا نستطـيع إجـابـة الإيطـاليين عـن سـبـب عــدم تحـمل الـوزارة لـمصاريف عـلاج الأمـراض المـزمنة كالـسكري مـثلا أو بعض العـلاجات الـطويلة والـباهـظة كالـسرطـان، أما مشكـل سيـارات الإسعاف فحكاية تُـثـيـر الضحـك بـدل البكـاء مـن كثــرة الحسـرة.. فـالهــاتف قـد لا يُجيـبـك حـيث يُمكـن أن تـتـدهـور الحالة أثـناء انـتظار الإجـابة، أمـا الإسعـاف الخاص فحتى النقــالة يجب الأداء عـليها..

ولـيـبـقى حُـلـم نـقـل الـحالات الحرجة من مستشفى إلى آخـر بـواسطة الـطائرة الـعمودية مـن أفــلام الخـيال الـعـلمــي..

ولـذلك فـإنـنا نـنصح أن لا تـسأل أي مغربي  خـرج تــوا من المستشفى هـل إيطالـيا بـلـد عـنصري..؟؟

سيـخـيب ظنـك لأن الـجواب أكـيـــد... لا.. أمــا نـحن فـتـمغـربـيت ديـالـنـا تجعـلنـا نــقـف احتـرامــا ونــرفـع قُـبعـاتـنــا لـكـل الـقطاع الـصحي الإيطالي مـن سيارات الإسعاف إلى الأمـن الخاص إلى عُمال النظافة... أمـا الأطبـاء والممرضون فـنشـد عـلى أيـاديـهـم بـحـرارة شــاكــرين..