Thursday 1 May 2025
سياسة

القوات المسلحة الملكية تتجدد لترسيخ احترافيتها العسكرية

القوات المسلحة الملكية تتجدد لترسيخ احترافيتها العسكرية ‬أدرك‭ ‬المغرب‭ ‬باكرًا‭ ‬أهمية‭ ‬تعزيز‭ ‬تحالفاته‭ ‬الدفاعية‭ ‬وتنويعها‭
تجاوبا‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬تخيم‭ ‬على‭ ‬جواره‭ ‬الإقليمي‭ ‬الملتهب،‭ ‬دخل‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬21‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬للأمن‭ ‬والدفاع،‭ ‬مدفوعًا‭ ‬بتزايد‭ ‬التهديدات‭ ‬غير‭ ‬التقليدية،‭ ‬وتغير‭ ‬طبيعة‭ ‬الحروب،‭ ‬واحتمالية‭ ‬وقوعها‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬التوتر‭ ‬الشديد‭ ‬التي‭ ‬تشهده‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬شنقريحة‭ ‬وتابعه‭ ‬تبون‭. ‬

وقد‭ ‬ارتكز‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬على‭ ‬مسارين‭ ‬متكاملين:‭ ‬أولهما‭ ‬توسيع‭ ‬الشراكات‭ ‬العسكرية‭ ‬مع‭ ‬حلفاء‭ ‬إقليميين‭ ‬ودوليين،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬أمريكا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬وثانيهما‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬التكوينات‭ ‬العسكرية‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬معايير‭ ‬الجيوش‭ ‬الحديثة،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬غيرت‭ ‬مفهوم‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري،‭ ‬وبات‭ ‬إنتاج‭ ‬أنظمة‭ ‬عسكرية‭ ‬دقيقة‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬وبكميات‭ ‬كبيرة‭ ‬«الكثرة‭ ‬الدقيقة»‭ ‬هو‭ ‬موضوع‭ ‬أي‭ ‬سباق‭ ‬عسكري‭ ‬حقيقي‭ ‬وحاسم،‭ ‬مثل‭ ‬المسيرات‭ ‬والصواريخ‭ ‬الموجهة‭.. ‬

فعلى‭ ‬مدى‭ ‬15‭ ‬عامًا،‭ ‬تبلورت‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬تزاوج‭ ‬بين‭ ‬تأهيل‭ ‬العنصر‭ ‬البشري،‭ ‬وامتلاك‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وتثبيت‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬الدولي،‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬"التبعية‭ ‬العسكرية"،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الحلفاء‭ ‬التقليديين‭ ‬إلى‭ ‬الشراكات‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد،‭ ‬وملاحقة‭ ‬«الجودة»‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتطورة‭ ‬والأنظمة‭ ‬العسكرية‭ ‬التكنولوجية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وعدم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بموردين‭ ‬محددين‭.‬

لقد‭ ‬أدرك‭ ‬المغرب‭ ‬باكرًا‭ ‬أهمية‭ ‬تعزيز‭ ‬تحالفاته‭ ‬الدفاعية‭ ‬وتنويعها‭. ‬إذ‭ ‬تعتبر‭ ‬مناورات‭ ‬«الأسد‭ ‬الإفريقي»،‭ ‬التي‭ ‬تُنظم‭ ‬سنويًا‭ ‬بشراكة‭ ‬مع‭ ‬الـ‭ ‬«أفريكوم»،‭ ‬محطةً‭ ‬مركزية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسار،‭ ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬مناورات‭ ‬تجري‭ ‬بمشاركة‭ ‬قوات‭ ‬أمريكية‭ ‬ومغربية‭ ‬ودول‭ ‬أفريقية‭ ‬وأوروبية،‭ ‬وتجيب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬جاهزية‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭ ‬لرد‭ ‬أي‭ ‬اعتداء‭ ‬عسكري،‭ ‬كما‭ ‬تذيب‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬دحر‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬أو‭ ‬الجنوب،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬قد‭ ‬أكدت،‭ ‬سنة‭ ‬بعد‭ ‬أخرى،‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬تدريبات‭ ‬عسكرية،‭ ‬بل‭ ‬مختبرا‭ ‬حقيقيا‭ ‬لتبادل‭ ‬المهارات‭ ‬والتكتيكات‭ ‬بين‭ ‬الكثبان‭ ‬المتحركة‭ ‬للصحراء‭ ‬المغربية‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭ ‬والبنتاغون‭ ‬يتجاوز‭ ‬المناورات‭ ‬والدعم‭ ‬والتسليح‭ ‬والتدريب‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬العسكرية‭ ‬إلى‭ ‬شراكة‭ ‬استراتيجية،‭ ‬فإن‭ ‬المغرب‭ ‬ظل‭ ‬منفتحا‭ ‬على‭ ‬حلفاء‭ ‬آخرين،‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا،‭ ‬الشريك‭ ‬التاريخي‭ ‬وأحد‭ ‬أبرز‭ ‬الشركاء‭ ‬في‭ ‬التدريب‭ ‬والتسليح،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الجو‭ ‬والبحر‭ ‬واللوجستيك،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إبرام‭ ‬شراكات‭ ‬أخرى‭ ‬للتعاون‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬والدفاع‭ ‬السيبراني‭ ‬وأنظمة‭ ‬الرادار‭ ‬والاستخبارات،‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬«الاتفاق‭ ‬الثلاثي»‭ ‬ابراهام‭ ‬2020)،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬الدفاعي‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬بريطانيا‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬عبر‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تسليح‭ ‬وتكوين،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬باتت‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬وتركيا‭ ‬تزود‭ ‬المغرب‭ ‬بتقنيات‭ ‬رقابة‭ ‬متقدمة‭ ‬وطائرات‭ ‬مسيّرة‭ ‬وتقنيات‭ ‬المراقبة‭ ‬الجوية‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬مختلفة‭.‬

هذا‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬الشراكات‭ ‬وتحديث‭ ‬العتاد‭ ‬العسكري،‭ ‬فرض‭ ‬تأهيل‭ ‬العنصر‭ ‬البشري،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الضباط‭ ‬وضباط‭ ‬الصف‭ ‬وحتى‭ ‬الجنود‭. ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬التركيز،‭ ‬في‭ ‬التكوينات‭ ‬التمهيدية،‭ ‬على‭ ‬تأصيل‭ ‬المهارات‭ ‬العسكرية‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬العقد‭ ‬التالي،‭ ‬ظهرت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬نقل‭ ‬التكوين‭ ‬من‭ ‬الإطار‭ ‬التقليدي‭ ‬إلى‭ ‬التخصص‭ ‬المهني‭ ‬والتقني‭. ‬إذ‭ ‬قامت‭ ‬الأكاديميات‭ ‬العسكرية‭ ‬المغربية‭ ‬«الأكاديمية‭ ‬الملكية‭ ‬بمكناس‭ ‬والمدرسة‭ ‬الجوية‭ ‬بمراكش»‭ ‬على‭ ‬إدراج‭ ‬برامج‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الاستخبارات،‭ ‬الحرب‭ ‬السيبرانية،‭ ‬تحليل‭ ‬البيانات،‭ ‬وقيادة‭ ‬العمليات‭ ‬المشتركة‭. ‬كما‭ ‬تم‭ ‬إلحاق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬بالتكوينات‭ ‬الخارجية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إشراكهم‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناورات،‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المغربية‭ ‬أو‭ ‬خارجها‭. ‬وتم‭ ‬إرسال‭ ‬دفعات‭ ‬مختارة‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬لتلقي‭ ‬تكوينات‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬معاهد‭ ‬عسكرية‭ ‬بأمريكا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬لحيازة‭ ‬طرق‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي،‭ ‬وتشغيل‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬والتخطيط‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والتخابر‭ ‬الفني،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬مكن‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭ ‬بإدماج‭ ‬مراكز‭ ‬محاكاة‭ ‬رقمية‭ ‬وتدريب‭ ‬تكتيكي‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬غير‭ ‬المتماثلة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬تلك‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالإرهاب‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬عبر‭ ‬الحدود،‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬السيبرانية‭. ‬كما‭ ‬مكن‭ ‬من‭ ‬ربط‭ ‬التكوين‭ ‬العسكري‭ ‬بمشروع‭ ‬بناء‭ ‬صناعة‭ ‬دفاعية‭ ‬وطنية‭ ‬يسعى‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬إنتاجها‭ ‬محليًا‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

لقد‭ ‬نجح‭ ‬المغرب‭ ‬عبر‭ ‬شراكاته‭ ‬العسكرية‭ ‬المتنوعة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬جيش‭ ‬حديث‭ ‬ذي‭ ‬قدرات‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحروب‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬وذي‭ ‬استراتيجية‭ ‬عسكرية‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الحماية‭ ‬الترابية،‭ ‬بل‭ ‬تشمل‭ ‬الحضور‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استباق‭ ‬التهديدات‭ ‬الخارجية،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وتحليل‭ ‬المعطيات‭ ‬الاستخباراتية،‭ ‬والتأهيل‭ ‬المستمر‭ ‬للكوادر‭ ‬العسكرية‭. ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الجيش‭ ‬مجرد‭ ‬قوة‭ ‬مادية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الكثرة‭ ‬العددية،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬الكثرة‭ ‬الدقيقة‭ ‬والخبرة‭ ‬التقنية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استثمار‭ ‬التكوينات‭ ‬الحديثة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الدفاعية‭. ‬

لقد‭ ‬خطا‭ ‬المغرب،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2010‭ ‬و2025،‭ ‬خطوات‭ ‬واثقة‭ ‬ومدروسة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬تحديث‭ ‬منظومته‭ ‬العسكرية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التجهيزات،‭ ‬بل‭ ‬بالأساس‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬هندسة‭ ‬العقول‭ ‬العسكرية‭ ‬وتكريس‭ ‬المعرفة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بوصفها‭ ‬عنصرا‭ ‬مركزيا‭ ‬حاسما‭ ‬في‭ ‬العقيدة‭ ‬العسكرية‭ ‬الجديدة‭. ‬كما‭ ‬تحول‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬تبادل‭ ‬عابر‭ ‬للخبرة‭ ‬إلى‭ ‬آلية‭ ‬استراتيجية‭ ‬تروم‭ ‬استتباب‭ ‬الأمن‭ ‬بالجوار‭ ‬الملتهب‭ ‬وفق‭ ‬المعطيات‭ ‬الجيو-استراتيجية،‭ ‬ووفق‭ ‬الشراكات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الشاملة‭. ‬بينما‭ ‬أصبحت‭ ‬التكوينات‭ ‬الجديدة‭ ‬واجهة‭ ‬فعلية‭ ‬لهذه‭ ‬التحولات،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬التحول‭ ‬التكنولوجي‭. ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬أصبح‭ ‬الجيش‭ ‬المغربي،‭ ‬اليوم،‭ ‬أكثر‭ ‬جاهزية‭ ‬واستعدادا‭ ‬لممارسة‭ ‬الدور‭ ‬المنوط‭ ‬به،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كل‭ ‬الاعتداءات‭ ‬المحتملة،‭ ‬سواء‭ ‬أعلى‭ ‬المستوى‭ ‬العسكري‭ ‬المباشر‭ ‬أم‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحرب‭ ‬السيبرانية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعير‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬للحشد‭ ‬الكمي،‭ ‬ولا‭ ‬لأي‭ ‬«قوة‭ ‬ضاربة»‭ ‬في‭ ‬الصراخ‭ ‬وقرع‭ ‬الطبول‭..‬



تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"