السبت 12 إبريل 2025
كتاب الرأي

سعيد عاتيق: حين يُعيق النقل حق المواطن في الحياة الكريمة.. قراءة في أزمة الهراويين ومديونة

سعيد عاتيق: حين يُعيق النقل حق المواطن في الحياة الكريمة.. قراءة في أزمة الهراويين ومديونة سعيد عاتيق
إن البحث في تاريخ النقل يجعلنا نقف على مدى تطوره مع تطور الحضارة الإنسانية، لأن الغرض الأساسي منه هو تلبية الحاجة إلى الحراك، إذ تُعتبر وسيلة النقل المثالية هي تلك الوسيلة الفورية والمتاحة، وتكون دائمًا رهن الإشارة حيثما وجد الإنسان، بما أنها تعزز كافة سبل التعاون والتفاهم والتلاقح بين الأفراد، وتعزز العلاقات الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.
فوسيلة النقل والتنقّل تُسهم في تحسين الوصول إلى الأسواق، وتسهيل حركة السلع والخدمات، وتعزز السياحة والاستثمار، وتُسهم في نمو القطاعات الاقتصادية المختلفة. إن النقل ووسائل التنقل هو العمود الفقري لكل نهضة، ولبنة أولية وأساسية في حياة العمران وكافة عمليات البناء والاقتصاد.
وواهم، بل مخطئ، من يتلكأ في الانخراط الفوري والدؤوب من أجل تقوية شبكة المواصلات وتوفير وسائل النقل والتنقل للمواطنين، من أجل حياتهم ومصالحهم وانتظاراتهم. هذه الانتظارات رهينة بتوفر الأسباب والأدوات، وإلا فلا يجوز تدوير عناوين التنمية والتقدم وبسط يافطات عريضة عن البناء والازدهار.
ولعل دساتير الأمم والشعوب تضمنت "الحق في التنقل"، كما تتبنى المواثيق الدولية هذا الحق الإنساني، وهو واجب على الدول والمؤسسات. والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في المادة 12، ينص على ضرورة احترام تنقل المواطنين، وأكيد أن التنقل يكون بوسائل متنوعة، وعلى مؤسسات الدول العمل على توفيرها لبلوغ الهدف.
إن التطور الذي تشهده المملكة المغربية، والأوراش الكبرى المفتوحة - وهي خير شاهد - يفرض علينا طرح السؤال: هل فعلاً نحن منسجمون مع الشعارات والطموحات الواسعة؟ هل نحن منسجمون مع الرؤية الوطنية في مجال التنمية الحقيقية؟ هل المشاريع العظمى التي رأت النور، وأُخريات كثيرات تنمو في رحم المؤسسات المختلفة، كفيلة بتحقيق الرفاه لكافة الشعب المغربي؟
ولعل إقليم مديونة، وهو يستقبل منذ عقدين من الزمن كثيرًا من قاطني التجمعات الصفيحية على مستوى مدينة الدار البيضاء، أفضل نموذج لمدى تجانس الدولة وكافة المؤسسات المعنية مع خطاباتها من جهة، ومع الطموحات المُعلن عنها، وكذا مع انتظارات جموع المواطنين المرحّلين والوافدين لإعمار مدينة جديدة ومترامية الأطراف.
فمنذ 2010 ومنطقة الهراويين بحمولتها البشرية، وهي تترقّب مدّها بأسطول حافلات النقل الحضري الملائم، يتناسب مع الكتلة البشرية التي تؤسس لمدينة جديدة، ويليق بمستوى مدينة جديدة قيد النشأة. ولعل جماعة الهراويين، وهي تشكل البوابة الرئيسية للمدينة الجديدة قيد التشكّل، تعاني من نقص حاد على مستوى الحافلات، على الرغم من مناشدة المواطنين والجمعيات، لأن ثلاثة خطوط غير كافية ولا تُسهم في ربط المنطقة لا بمحيطها ولا بمحيط الدار البيضاء الكبرى، الشيء الذي أفضى إلى خلق أزمة حقيقية وعميقة، وتتجلى بعض مظاهرها في توقف بعض المواطنين والمواطنات عن مزاولة عملهم، وكانت البطالة أمرًا مفروضًا.
نساء ورجال فضّلوا العطالة مجبرين، ما دامت مقرات عملهم بحي البرنوصي وعين السبع وغيرها من النقط التي صارت نائية بسبب انعدام خطوط الحافلات.
ومؤسسة التعاون بين الجماعات "البيضاء" تتذرّع بأن جماعة الهراويين لم تقم بتسديد ما بذمتها من المستحقات المالية منذ سنوات. لكن، ما هو دور مؤسسة التعاون هذه أصلًا؟ فأزمة النقل التي تخبط في فلكها البيضاويون، لا سيما الضواحي، لسنوات عديدة في عهد شركة "مدينة بيس"، فقد تقرر توسيع الصلاحيات المخوّلة لمؤسسة التعاون بين الجماعات "البيضاء"، من أجل وضع الحلول الناجعة لتلك المشاكل ذات الصلة، دون إغفال ضرورة تقيدها ببنود القانون التنظيمي للجماعات 113.14، الملزم بتوفير وسائل النقل.
ورئيسة مجلس جماعة الدار البيضاء السابقة، نبيلة الرميلي، صرحت بشكل مسؤول: "إن مهمة مؤسسة التعاون بين الجماعات بالبيضاء تراهن على حل أزمة النقل في كل المناطق التي تنضوي جماعاتها تحت لواء هذه المؤسسة، بكل من الدار البيضاء ومديونة والنواصر والمحمدية".
وعودة إلى المستحقات المالية لدى جماعة الهراويين تجاه المؤسسة المذكورة، نعتبره شماعة أمام هذا التلكؤ وغياب الإرادة وموت الضمير، وتغييب روح المواطنة الحقيقية، والتنصّل من كل عناوين الالتزامات والمسؤولية. لأن الديون المستحقة هناك طرق لاكتسابها، إما وديًا أو عن طريق تدخل الجهات الوصية، وإن اقتضى الأمر، هناك القضاء، كما هو متضمن في عقود الشراكات والالتزامات الموقعة بين الأطراف.
والمواطن لا دخل له في "مطبخ" الجهات المتعاقدة، من باب "ولا تزر وازرة وزر أخرى". المواطن يريد حافلة يمتطيها تقله إلى عمله لكسب قوته، وتقل المريض إلى المستشفى للتطبيب، وغيرها من المرافق.
وفي الختام؛ ما دور رؤساء المجالس للجماعات الترابية المنضوية تحت لواء مؤسسة التعاون بين الجماعات البيضاء، وهم يعايشون الأزمة التي تعاني منها مناطق نفوذهم؟
سعيد عاتيق، مستشار جماعي