الثلاثاء 25 مارس 2025
اقتصاد

كيف ساهمت الأمطار الأخيرة في انتعاشة مائية غير مسبوقة

كيف ساهمت الأمطار الأخيرة في انتعاشة مائية غير مسبوقة صورة أرشيفية

أعادت التساقطات المطرية الأخيرة بعض الانتعاشة للحالة المائية لبلادنا بعد سنوات الجفاف وما خلفه من آثار على جل مناحي الحياة.

وعلى الرغم من أن الأرقام المعلن عنها سواء من قبل وزارة الفلاحة أو المؤسسة المعنية بالأرصاد الجوية تبعث على التفاؤل، إلا أن الحذر واجب من التمادي في ارتكاب نفس الأخطاء التي تسببت في حالة الفقر المائي التي عاشته بلادنا والتي فرضت الاحتماء بحل تحلية مياه البحر حل استعجالي لتوفير حاجيات الساكنة من مياه السقي والشرب. ولذلك حسمت الدولة في هذا الاختيار الذي أضحى اليوم استراتيجيا، ويشكل حلا بديلا وتنافسيا في العديد من مناطق المغرب، نظرا لأن بلادنا تتوفر على شريط ساحلي يمتد على طول 3500 كيلومتر، وأيضا للتطور الإيجابي لكلفة هذه التقنية، بالإضافة إلى ذلك، فإن مشروع تعديل قانون الماء ملأ الفراغ القانوني الخاص بتحلية مياه البحر من خلال مجموعة من الآليات التشريعية التي ستمكن من تنظيم عمليات التحلية.
ومن المرتقب أن تلعب تحلية مياه البحر دورا متزايدا بسبب الانخفاض التدريجي لتكلفتها، الشيء الذي يزيد من تنافسيتها مقارنة مع الموارد المائية الاعتيادية، بل إنها تعد الملجأ الوحيد لسد العجز الحاصل في بعض المناطق، وقد استهدف المخطط الوطني للماء تحلية 510 ملايين متر مكعب في السنة، في أفق سنة 2030 ، 285 مليون متر مكعب بالنسبة للماء الصالح للشرب، و100 مليون متر مكعب للصناعة، و100 مليون متر مكعب للسقي، و25 مليون متر مكعب للمشاريع السياحية.

لكن كيف حدثت ازمة الماء في بلادنا؟

*الماء لبنة أساسية

يعتبر الماء لبنة أساسية للحياة، كما تقول منظمة اليونسكو. وهو أكثر من مجرد ضرورة لإرواء العطش أو حماية الصحة؛ فالمياه أمر حيوي. فهي تخلق فرص عمل وتدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والإنسانية. فوفقا لتقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية، 3,6 مليار نسمة في العالم، اي ما يقارب نصف سكان العالم، يعيشون في مناطق قد تشح فيها المياه لمدة شهر واحد على الأقل سنويا. وقد اقتربت فعلا معدلات الاستهلاك العالمي اليوم من بلوغ الحد الأقصى للقدرة على التحمل، ويخفي هذا التوازن الهش في الحقيقة أوجه تفاوت كبيرة على الصعيدين المحلي والإقليمي.

وهذا الوضع الذي نبهت إليه منظمة الأمم المتحدة في كل مناسبة، هو ما يعيشه المغرب الذي عرف في السنوات الأخيرة سلسلة من الاحتجاجات خصوصا مع حلول فصل حيث تخرج الساكنة للإحتجاج طلبا لقطرة ماء.

هذا وقد كانت إحدى اللجن البرلمانية قد توقفت وهي تنجز تحقيقها على حقيقة أن الوضع لا يزال ينذر بالكارثة، وإن الضرورة تفرض اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية هذه الثروة من الضياع.

لقد كان طبيعيا أن توجه أصابع الإتهام للأنشطة الفلاحية وغير الفلاحية التي تتسبب في استنزاف الفرشة المائية. ومن ذلك ما تحدثت عنه ساكنة زاكورة حول تنامي زراعة البطيخ الأحمر الذي كان له تأثير كبير على هذا الإستنزاف، والذي ينضاف لممارسات أخرى كسقي ملاعب الكولف بالماء العذب. لذلك فتنامي الطلب على الموارد المائية، وتراجع الواردات منها، بفعل التغيرات المناخية، لم يعد يكفي معه الاعتماد، فقط، على الموارد المائية السطحية، أو المياه المعبأة في السدود، بل أصبح ضروريا البحث عن مصادر أخرى.ومن ذلك تحلية ماء البحر التي شكل حلا بديلا وتنافسيا في العديد من المناطق، نظرا لأن المغرب يتوفر على شريط ساحلي يمتد على طول 3500 كيلومتر.

لقد كان طبيعيا أن تتسبب سنوات الجفاف، خاصة خلال الثمانينات وبداية التسعينات، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب على الماء، في تراجع مخزون المياه الجوفية، ما نتج عنه انخفاض مستوى المياه، وتراجع الإنتاجية ببعض المناطق، خاصة بسوس والحوز وسايس، وازدياد ظاهرة تسرب مياه البحر المالحة إلى بعض الفرشات على الشريط الساحلي.لذلك أولى المخطط الوطني للماء أهمية كبرى للمحافظة على المياه الجوفية وحمايتها من الإستنزاف، عبر اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الكفيلة بحماية هذا المخزون الوطني، وتتمثل هذه التدابير أساسا في إرساء منظومة حكامة جديدة تعتمد على التدبير المستدام والتشاركي، والذي يعمل على إشراك مختلف المتدخلين عبر وضع إطارٍ تعاقدي تحت مسمى "عقدة الفرشة المائية"، وتطبيقه على جميع الفرشات المهددة بالاستنزاف، والتغذية الاصطناعية للفرشات المائية الجوفية من أجل استعادة توازنها أو على الأقل التخفيف من النقص المسجل بها أو التقليل من ارتفاع نسب الملوحة بها، خصوصا وأن الأنشطة الفلاحية تعتبر المستهلك الرئيسي للموارد المائية.

- تلوث الأحواض المائية

لقد سبق لتقرير أعدته الوزارة المنتدبة في الماء في النسخة الأولى لحكومة العثماني أن كشف عن وضع خطير تعاني منه الأحواض المائية والتي ظلت تعتبر ملاذا لتوفير المياه للساكنة.

وفي التفاصيل نقرأ أن حوض سبو يعتبر من أكثر الأحواض تلوثا بالمغرب، حيث بلغت نسبة تلوث بعض مقاطع الأودية مستويات حادة أصبحت تهدد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ أن أكثر من ثلث المياه السطحية هي ذات جودة سيئة، وهو ما ينعكس على الوضع الصحي ويتسبب في انتشار الأمراض المرتبطة بالماء والتأثير على النظم المائية واللجوء إلى تصريف مياه إضافية من السدود لمعالجة التلوث النتاج عن الأنشطة الصناعية الموسمية، كمعامل السكر والزيت.

كما كشف التقرير عن مصادر تلوث حوض سبو، والتي تتجلى في التلوث المنزلي، حيث يتم قذف 80 مليون متر مكعب في السنة من المياه العادمة مباشرة في الأودية، والتلوث الصناعي الذي تساهم فيه معامل السكر والورق ومعاصر زيت الزيتون بنسبة 70 في المائة، إلى جانب التلوث الفلاحي الناتج عن الاستعمال المكثف للأسمدة والمبيدات في الميدان الفلاحي، مما ينتج عنه تلوث المياه الباطنية بالمواد الكيماوية خاصة النترات. أما الحوض المائي اللوكوس، فيعاني من ارتفاع الطلب على الماء، حيث سيتمركز الطلب على الماء الفلاحي بمنطقة اللوكوس ويستحوذ قطب طنجة- تطوان على أكثر من 70 في المائة من الطلب الإجمالي للماء الصالح للشرب. ومن الإكراهات التي يعرفها هذا الحوض الآثار السلبية للتلوث على الموارد المائية من جراء المياه العادمة المنزلية والصناعية غير المعالجة، وكذا التلوث الناتج عن المطارح غير المراقبة واستعمال الأسمدة والمواد العضوية، حيث أظهرت التحاليل المنجزة عن أهمية حجم المقذوفات والمواد العضوية، الشيء الذي يوحي بظهور مشاكل مستعجلة تجب مواجهتها خلال السنوات المقبلة.ومن الأحواض التي عرفت التلوث أيضا، حوض ملوية، إذ تعرف جودة مياهه السطحية تدهورا متواصلا بسبب قذف المياه العادمة والمياه الصناعية. ومن بين المشاكل التي يعرفها حوض ملوية استنزاف الفرشة المائية، إذ تعرف عدد من الطبقات استنزافا، مما يتسبب في انخفاض مستمر لمستوى الماء يصل إلى 3 أمتار في السنة بفرشة جبل الحمراء، إلى جانب توحل السدود بسبب التعرية، والذي يشكل تهديدا خطيرا على هذه المنشآت المائية، حيث إن سد محمد الخامس الذي أنجز سنة 1967 فقد أكثر من نصف سعته، بحسب نفس التقرير. أما حوض أبي رقراق فيعاني بدوره من الاستغلال المفرط للفرشة المائية وتدهور جودة الموارد المائية ومخاطر الفيضانات، حيث توجد بحوض أبي رقراق والشاوية عدة مناطق مهدد بالفيضانات تم تحديدها في 100 نقطة سوداء.ومن الأحواض التي تعاني من صعوبات مؤسساتية وتشريعية حوض سوس ماسة درعة، ووكالة الحوض المائي لكير زيز وغريس.

والحصيلة هي أن الاستنزاف التي تعرفه الفرشة المائية في عدد من المناطق سببه هذا الوضع الصعب الذي تعانيه الأحواض المائية.

-سلوكات مشينة

من المؤكد أن بعض الممارسات التي تتسبب في هذا الإستنزاف، تحتاج لقرارات حاسمة للحد منها. ومن ذلك تنامي ظاهرة الآبار السرية التي يتم إحداثها في عدد من المناطق بدون أدنى دراسة وبدون حصول أصحابها على التراخيص الضرورية. وكما يحدث مع البناء العشوائي الذي يطوق المدن بتواطؤ مكشوف مع عدد من المتدخلين من مسؤولين جماعيين وسلطات إدارية، فظاهرة حفر الآبار السرية منتشرة بشكل تسبب في هذا الوضع الذي نعانيه اليوم من قلة الماء، خصوصا وأن حجم الموارد المائية الجوفية القابلة للاستغلال بطريقة مستدامة يبلغ ببلادنا حوالي 4 ملايير متر مكعب في السنة، أي ما يعادل 20 في المائة من الحجم الإجمالي للمياه الطبيعية المتاحة بالمغرب، وتضطلع بدور مهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية سواء بالنسبة إلى التزويد بالماء الصالح للشرب، أو بالنسبة إلى المساهمة في تنمية الري، كما تعتبر مخزونا استراتيجيا يلجأ إليه لسد العجز في فترات الجفاف.

زد على ذلك أن بعض ملاعب الكولف المنتشرة في كل جهات المملكة، لا تتوانى في استعمال مياه الشرب في عمليات السقي. ويصبح هم حماية عشب ملعب للكولف، أهم بكثير من توفير قطرة ماء للشرب. وكثيرا ما تم التنبيه لهذا الأمر حينما انطلقت عملية إحداث هذه الملاعب على عهد الحسن الثاني الذي كان مولعا بهذه الرياضة. إضافة إلى عمليات تعبئة مياه الشرب في القنينات البلاستيكية والتي تعددت ماركاتها وتنوعت، على الرغم من أن الكثير من ساكنة جل المناطق التي تتوفر على عيون ماء، خرجت للإحتجاج والمطالبة بوقف النزيف، الذي يتهدد كل مصادر المياه هنا وهناك.

هذا إضافة إلى ظاهرة التوحل والتي تشكل عاملا أساسيا في النقص من المياه، وهو الناتج عن انجراف التربة والتي تعتبر ظاهرة طبيعية تتفاقم بفعل استعمال بعض الممارسات البشرية كالرعي الجائر والاستغلال غير المعقلن للغطاء النباتي، وهي تؤخذ بعين الاعتبار عند تصميم مشاريع السدود، وذلك بتخصيص حجم يتسع لاستيعاب الأوحال لمدة استغلال تفوق 50 سنة، وهي مدة كافية لتثمين تكاليف إنجاز هذه المنشآت المائية. وتجدر الإشارة إلى أن السدود تفقد سنويا حوالي 75 مليون متر مكعب من طاقتها التخزينية، بفعل التوحل. وللحد من هذه الظاهرة، يتم اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية، مثل إنجاز عتبات الترسب من أجل جمع الأوحال في عالية السدود؛ وتشجير الأحواض المنحدرة في عالية السدود، وإنجاز إفراغات مائية عبر مفرغات القعر من أجل إزالة الأوحال المتراكمة. إضافة إلى بعض الإجراءات العلاجية مثل تعلية السدود لرفع حجم الحقينة، وجرف الأوحال من حقينات السدود التي يصعب التخلي عنها أو استبدالها بسدود أخرى.

- ندرة الماء

على الرغم من أن إحدى الحكومات السابقة كانت تضم في صفوفها أربعة وزراء بحقائب تهتم بقطاع الماء، إلا أن ندرة هذا المادة ظلت في تصاعد.

يعترف المسؤولون عن تدبير ملف الماء أن ثمة العديد من الإشكاليات المتعلقة بندرته. وهي مرتبطة بالاستغلال المفرط أحيانا، وبارتفاع وتيرة التلوث أحيان أخرى. لذلك أصبحت الضرورة تفرض رفع التحديات المستقبلية التي ستكون أكثر تعقيدا عما هو عليه الأمر الآن. وهي تحديات ترتبط بعوامل شتى، منها التقلبات المناخية، وتزايد الحاجيات المائية، والضغط الكبير على المياه الجوفية، وارتفاع حدة تلوث الموارد المائية.

لا تخفي المصالح المختصة في تتبع هذا الملف الحساس، الذي يعني ندرة مياه الشرب في عدد من جهات المملكة، أن التقرير الوطني للمغرب حول الماء، يتحدث على أن نصيب الفرد المغربي من المياه بدأ في الانخفاض منذ سنة 2020 حيث لم يعد يتجاوز في أحسن الأحوال 720 متر مكعب سنويا. أما ما يتعلق بجودة المياه، فتصر نفس الجهات على أن المغاربة يشربون مياها نقية معالجة. وأن كل حديث عن عدم جودة هذه المياه، هو مجرد إشاعات مغرضة. إضافة إلى أن تغير مذاق مياه الشرب يعود أحيانا إلى الأشغال التي تعرفها بعض السدود هنا وهناك.
لقد كتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقرير له سنة 2014 حول الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية في المغرب، أن المغرب يشهد منذ سنوات، تفاقما في وضعية الضغط على الموارد المائية بسبب تضافر عوامل عديدة، منها عادات غير اقتصادية في استهلاك الموارد المائية، بل وغير معقولة أحيانا، والأنماط المتبعة اليوم في استغلال الموارد المائية، والتي صارت أحيانا تكتسي طابعا عدوانيا وضارا بسبب الخطوات التكنولوجية المحققة، والتي من شأنها أن تؤثر بطريقة لا رجعة فيها، بل ويمكن أن تقضي بالفناء على منظومات بيئية كاملة. إضافة إلى ازدياد غير متحكم فيه في تعداد ساكنة المدن والهوامش، ما يزيد من تعقيد مسلسلات تجميع وإفراغ النفايات المنزلية والشبيهة بها والتخلص من تلك النفايات، فكثيرا ما يتم إفراغها في مطارح عشوائية وفي مجاري المياه.

-أرقام التقرير الوطني

في بعض أرقام التقرير الوطني حول الماء، نقرأ أن الأنشطة البشرية بلغت مستويات مقلقة، ويجري اليوم استخراج أكثر من 900 مليون متر مكعب من الماء سنويا من المخزونات غير القابلة للتجدد في الفرش المائية بالبلاد.ولذلك تراجعت حصة الفرد من المياه في المغرب من 2500 متر مكعب في العام في عقد الثمانينيات، إلى 1010 أمتار مكعب في عام 2000، ثم تدهورت أكثر لتصل في 2013 إلى 720 مترا مكعبا. وبشكل أكثر دقة، فإن توزيع هذه الحصة ليس متساويا على جميع مناطق البلاد. فحصة الفرد في المناطق الشمالية يمكن أن تتجاوز 2000 متر مكعب سنويا مقارنة مع 150 مترا مكعبا سنويا لكل فرد في الجنوب.ناهيك عن أن 70 في المائة من الموارد المائية الحالية تتوزع على 27 في المائة من التراب الوطني، ما يعني أن أكثر من 13 مليون شخص عانوا من ندرة الماء في المغرب في أفق 2020.

أما لمواجهة هذا الإكراه الحقيقي حول ندرة المياه مستقبلا، فقد كانت الحكومة قد أقرت برنامج مخطط استثماري يغطي الفترة ما بين 2010 و2020 بقيمة 8 مليارات درهم، يهم عقلنة استخدام الموارد المائية، واقتصاد الماء في الفلاحة، وإبرام اتفاقيات مع الجهات المتضررة من تناقص الماء، بهدف الحد من الاستغلال المفرط للطبقة المائية الجوفية.كما خصصت الحكومة، أيضا، 3 مليارات درهم سنويا قصد تطبيق مقتضى الحكامة الجيدة في تدبير الماء بهدف توفير 5،2 مليار متر مكعب من الماء سنويا خلال الفترة المتراوحة بين 2010 و2030.

غير أن كل هذه الإجراءات تظل غير كافية لتوفير حصة الفرد المناسبة من مياه الشرب، خصوصا خلال فصل الصيف إذا لم يضع المواطن في اعتباره أن هذه الثروة المائية أضحت مهددة، وهي في حاجة للحماية.