الأربعاء 19 مارس 2025
كتاب الرأي

بومدين عبد الصادقي: من الإحسان إلى الإفساد.. عندما يتحول العطاء إلى أداة للهيمنة السياسية

بومدين عبد الصادقي: من الإحسان إلى الإفساد.. عندما يتحول العطاء إلى أداة للهيمنة السياسية بومدين عبد الصادقي
لم يعد الإحسان العمومي في المغرب مجرد عمل خيري يسعى إلى التخفيف من معاناة الفئات الهشة، بل تحول تدريجياً إلى أداة للارشاء الانتخابي، حيث تتنافس الأحزاب ليس على تقديم سياسات عمومية ناجعة، بل على من هو “أكرم” في توزيع المساعدات، في مشهد ينذر بخطر حقيقي على المسار السياسي للبلاد.

إن تطبيع المجتمع مع هذا الشكل الجديد من الارشاء الانتخابي، الذي انتقل من الممارسة السرية غير القانونية إلى عمل علني معلن، يضعف ركائز الديمقراطية ويشرعن الفساد العلني. بدل أن يكون التنافس السياسي حول البرامج والمشاريع التنموية، أصبح التنافس حول من يستطيع شراء أكبر عدد من الأصوات عبر إحسان مغلف بالمصلحة الحزبية الضيقة.

الإحسان بين البعد الإنساني والاستغلال السياسي
الإحسان، من الناحية الأخلاقية والدينية، يفترض أن يكون عملاً نبيلاً يتم دون انتظار مقابل. بل إن القيم الدينية تؤكد أن الصدقة ينبغي أن تكون سرية، إلى درجة أن “اليد اليسرى لا ينبغي أن تعلم ما أنفقت اليد اليمنى”، وذلك حفاظًا على كرامة المستفيد من العطاء. أما في السياق الحديث، فإن تقديم المساعدات بشكل علني يمسّ بكرامة المحتاج، حيث يتم تصويره وكأنه عاجز عن تدبير حياته، بدل العمل على تمكينه اقتصادياً واجتماعياً.

الإحسان الحقيقي هو الذي يتم بعيداً عن الحسابات السياسية، ويهدف إلى بناء مجتمع قوي قادر على العيش بكرامة، لا مجتمع ينتظر “الإعانات” الموسمية مقابل الولاء السياسي.

الإحسان المؤسساتي هو الحل
في المغرب، لدينا مؤسسة جادة وذات مصداقية، وهي مؤسسة محمد الخامس للتضامن، التي تقدم خدمات للمجتمع دون انتظار أي مقابل سياسي أو انتخابي. لذلك، لا بد من وقف هذا الاستغلال الممنهج لفقر الناس، وتحويل كل أموال الإحسان التي تقدمها المؤسسات الحزبية أو الشخصيات السياسية إلى هذه المؤسسة العمومية، لضمان عدالة توزيعها ووصولها إلى مستحقيها بعيداً عن أي توظيف سياسي.

نحو حملة وطنية لتنظيم الإحسان
يجب إطلاق حملة وطنية واسعة تحت شعار: “كل أموال الإحسان تدبرها مؤسسة محمد الخامس للتضامن”، والقطع مع استغلال فقر المواطنين لتحقيق مكاسب انتخابية. فالفقر ليس قدراً محتوماً، بل هو نتيجة سياسات فاشلة، والسياسة الحقيقية لا تقوم على إطعام الجائع ليصوّت، بل على تمكينه من وسائل العيش الكريم.

الرهان اليوم ليس على من يوزع أكثر، بل على من يستطيع خلق سياسات اقتصادية واجتماعية تنقل المواطنين من خانة الانتظار إلى خانة الإنتاج، وتعيد للعمل قيمته، وللمواطن كرامته، بعيداً عن تحويله إلى مجرد رقم في صندوق الاقتراع.
 
بومدين عبد الصادقي     
قيادي في حزب التقدم والاشتراكية