الاثنين 17 مارس 2025
كتاب الرأي

محمد بنصديق: لماذا يحتاج المغرب إلى وزارة خاصة بالجماعات الترابية والتنمية المحلية؟

محمد بنصديق: لماذا يحتاج المغرب إلى وزارة خاصة بالجماعات الترابية والتنمية المحلية؟ محمد بنصديق
في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها المغرب، أصبح تحقيق التنمية المحلية المستدامة ضرورة ملحة لضمان تحسين مستوى معيشة المواطنين وتعزيز العدالة المجالية. ويعد دور الجماعات الترابية محوريا أساسيا في هذا المسار، نظرا لما تتمتع به من قرب مباشر من حاجيات الساكنة ومتطلبات التنمية الجهوية والمحلية.

ومع ذلك، تواجه هذه الجماعات العديد من التحديات البنيوية والمؤسساتية التي تعيق دورها الفاعل، مما دفع إلى تصاعد المطالب بإنشاء وزارة خاصة بالجماعات الترابية والتنمية المحلية. هذه الوزارة من شأنها أن تساهم في تعزيز نجاعة التدبير المحلي، وتوفير آليات أكثر مرونة لدعم اللامركزية، وتحقيق رؤية تنموية متكاملة تنسجم مع الاستراتيجيات الوطنية الكبرى.

أولا: الإشكالات البنيوية التي تعاني منها الجماعات الترابية.
تعاني الجماعات الترابية (الجهات، العمالات والأقاليم، و الجماعات) من عدة إشكالات بنيوية تعيق أداءها التنموي، ومن أبرزها: صعوبة التواصل بين المسؤولين في المديرية العامة للجماعات الترابية ونظرائهم في وزارة الداخلية، مما يؤدي إلى تأخير في اتخاذ القرارات. البيروقراطية المفرطة التي تهدر الزمن التنموي وتعطل تنفيذ المشاريع الجهوية و المحلية. إدارة القطاع من قبل مسؤولين ذوي تكوين أمني، في حين أن طبيعة الجماعات الترابية تتطلب متخصصين في الجانب الاجتماعي والتنموي. إهمال مطالب موظفي الجماعات الترابية الذين يعتبرون الركيزة الأساسي للتنمية المحلية وعدم عقد جلسات حوار مع ممثليهم، مما يعتبر خرقا للدستور المغربي الذي يكفل الحق في الحوار والمشاركة.

ضرورة فصل الجانب التنموي عن الجانب الأمني:
حاليا، تدار الجماعات الترابية تحت إشراف وزارة الداخلية، التي تعنى بالجانب الأمني بشكل رئيسي مع إدارة الطوارئ و الأزمات. ومع ذلك، فإن طبيعة القطاع تتطلب إدارة تنموية تركز على تحسين الخدمات المحلية وتعزيز البنية التحتية. لذلك، فإن فصل الجانب التنموي عن الجانب الأمني يعتبر خطوة ضرورية لتحقيق سرعة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتنمية المحلية، و تحسين جودة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، و تعزيز التماسك الاجتماعي والاقتصادي على المستوى المحلي.

العقلية الأمنية لا تخدم التنمية:
من المهم الإشارة إلى أن العقلية الأمنية التي تسير عمل وزارة الداخلية لا يمكن، مهما كانت كفاءتها، أن تثمر في مجال التنمية والاستثمار على المستوى الجهوي أو المحلي. فالتنمية تتطلب رؤية استراتيجية وتكوينا متخصصا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية، وهو ما يختلف جذريا عن التكوين الأمني الذي يركز على الحفاظ على النظام العام. هذه العقلية الأمنية، رغم أهميتها في مجالها، لا تملك الأدوات الكافية لتحفيز الاستثمار أو تعزيز التنمية المحلية، مما يتسبب في تعطيل المشاريع التنموية وإهدار الفرص الاقتصادية.

انشغال وزارة الداخلية بالقضايا الكبرى:
يضاف إلى ذلك أن وزير الداخلية، باعتباره المسؤول عن "أم الوزارات"، يكون منشغلا بشكل كبير بالقضايا الأمنية والسياسية الكبرى والأزمات و الطوارئ، والتي غالبا ما تكون أولوية قصوى في أجندته. هذا الانشغال يجعل من الصعب على الجماعات الترابية والتنمية المحلية أن تنال القرارات المناسبة والصائبة في الوقت المناسب. فكثرة المسؤوليات الملقاة على عاتق وزير الداخلية تجعل قضايا التنمية المحلية تتراجع إلى المرتبة الثانية أو أدنى بكثير، مما يؤثر سلبا على تطلعات المواطنين ويعيق تحقيق التنمية المستدامة.

ثالثا: مهام الوزارة المقترحة:
في حال إحداث وزارة خاصة بالجماعات الترابية والتنمية المحلية، يمكن أن تضطلع بعدة مهام رئيسية، منها؛ تحسين خدمات القرب والبنية التحتية المحلية. تعزيز اللامركزية ودعم استقلالية الجماعات الترابية في تدبير شؤونها. رصد وتقييم أداء المجالس الجهوية والإقليمية والمحلية. تعزيز الشفافية والمساءلة في تدبير الشأن المحلي. تنسيق المشاريع التنموية بين القطاعات العمومية والخاصة. دعم القدرات البشرية والمهنية لموظفي الجماعات الترابية وتأهيلهم لمواجهة التحديات التنموية.

من بين المهام الرئيسية أيضا لهذه الوزارة تسهيل التواصل والتنسيق بين الجماعات الترابية وباقي القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية. ففي ظل النظام الحالي، غالبا ما تعاني الجماعات الترابية من ضعف التنسيق مع الوزارات الأخرى، مما يؤدي إلى تعطيل المشاريع التنموية. الوزارة الجديدة ستكون بمثابة "حلقة وصل" بين الجماعات الترابية والجهات المركزية، مما يضمن تنفيذ المشاريع بشكل متكامل وفعال.

رابعا: إمكانية إحداث وزارة منتدبة.
في حالة عدم إمكانية إحداث وزارة مستقلة، يمكن إنشاء وزارة منتدبة لدى رئيس الحكومة أو حتى لدى وزير الداخلية. هذه الوزارة المنتدبة يمكن أن تكون خطوة أولى نحو تعزيز دور الجماعات الترابية، خاصة في ظل الوصاية التي يمارسها الولاة والعمال على الجماعات الترابية بموجب القوانين الحالية. هذه الخطوة ستساعد في تحسين التنسيق بين الجهات المركزية والمحلية، مع الحفاظ على استقلالية نسبية للجماعات الترابية.

خامسا: أهمية تولي شخصية سياسية لقيادة الوزارة .
من الأفضل أن يتولى قيادة هذه الوزارة شخصية سياسية ذات خلفية تنموية واجتماعية، عوض شخصية تكنوقراطية. فالشخصية السياسية تكون مطالبة بتقديم حصيلتها للرأي العام، مما يدفعها إلى بذل جهود أكبر لتحقيق نتائج ملموسة تعكس التزامها تجاه المواطنين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوزير السياسي يكون أكثر قدرة على التواصل مع الفاعلين المحليين وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، مما يعطي الوزارة شرعية أكبر و قدرة أكثر على التأثير في تحقيق التنمية المحلية.

سادسا: المزايا المتوقعة من إحداث الوزارة.
إحداث وزارة خاصة بالجماعات الترابية والتنمية المحلية يمكن أن يحقق عدة مزايا، منها، تسريع وتيرة التنمية المحلية من خلال تبسيط الإجراءات وتحسين التواصل بين الجهات المعنية، و تحقيق العدالة الاجتماعية عبر تلبية احتياجات المواطنين في المناطق النائية والمهمشة، و تعزيز النموذج التنموي الجديد الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس، والذي يركز على الجهوية المتقدمة و التنمية المستدامة، و تحسين جودة الحياة للمواطنين من خلال توفير خدمات محلية فعالة ومستدامة.

سابعا: تسهيل تنزيل الجهوية المتقدمة.
إحداث وزارة خاصة بالجماعات الترابية والتنمية المحلية سيكون له دور محوري في تسهيل تنزيل الجهوية المتقدمة، التي تعتبر أحد الركائز الأساسية للنموذج التنموي الجديد. من خلال هذه الوزارة، يمكن تحقيق: تعزيز استقلالية الجهات في تدبير شؤونها التنموية، مما يتيح لها اتخاذ قرارات أسرع وأكثر فعالية. تحسين التنسيق بين الجهات والسلطات المركزية، مما يضمن تنفيذ المشاريع التنموية بشكل متكامل وفعال. دعم المشاريع الجهوية الكبرى التي تساهم في خلق فرص عمل وتعزيز النمو الاقتصادي الجهوي و المحلي. تعزيز المشاركة المحلية في صنع القرار، مما يعزز من ثقة المواطنين في المؤسسات المحلية ويدعم الديمقراطية التشاركية.

ثامنا: التحديات المحتملة.
على الرغم من المزايا الكبيرة المتوقعة من إحداث هذه الوزارة، إلا أن هناك بعض التحديات التي يجب أخذها بعين الاعتبار، مثل: توفير التمويل الكافي لتنفيذ مهام الوزارة بشكل فعال. ضمان استقلالية الوزارة عن التأثيرات السياسية والمصالح الضيقة. تأهيل الكوادر البشرية لتولي مهام تنموية متخصصة.

تاسعا: إحداث وزارة الجماعات الترابية ضرورة إستراتيجية لتفعيل الجهوية المتقدمة والتنمية الشاملة.
ختاما يمكن القول أن إحداث وزارة خاصة بالجماعات الترابية والتنمية المحلية ليس مجرد خيار إداري، بل هو ضرورة إستراتيجية لضمان تفعيل مبادئ الجهوية المتقدمة وتحقيق التنمية الشاملة. فهذه الوزارة ستكون ركيزة أساسية لدعم استقلالية الجماعات الترابية وتحقيق حكامة محلية فعالة تعتمد على الشفافية والمحاسبة.
إن نجاح هذا المشروع مرهون بتوفر إرادة سياسية قوية، ورؤية واضحة للإصلاح الإداري، بالإضافة إلى تضافر جهود مختلف الفاعلين، سواء على المستوى المركزي أو الجهوي و المحلي. كما أن تعزيز المشاركة المجتمعية وضمان إشراك المواطنين في اتخاذ القرار المحلي سيكون عنصرا حاسما في إنجاح دور هذه الوزارة.

وفي ظل التحديات التنموية المتزايدة، أصبح المغرب مطالبا بتبني حلول جذرية وفعالة، وإحداث هذه الوزارة يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة تضع المواطن في قلب العملية التنموية، وتضمن له خدمات ذات جودة عالية، مع مراعاة الخصوصيات المحلية لكل جهة.
 
 
محمد بنصديق: مناضل نقابي وفاعل حقوقي