في عالم تهيمن عليه المصالح، قد يبدو أن العلاقات الدولية ما هي إلا سوق مفتوحة، تحكمها قوانين العرض والطلب، وتسيطر عليها لغة المال. ومع ذلك، فإن إختزال السياسة العالمية في معادلة تجارية بحتة، وفق مبدأ "من يدفع أكثر يحظى بالحماية"، يعكس فهما قاصرا لطبيعة النفوذ الدولي ومتطلبات الهيمنة. فالقوة العظمى لا تقوم فقط على منطق الربح والخسارة المالية، بل تتطلب مزيجا معقدا من النفوذ السياسي، الإستقرار الجيوسياسي، والقوة العسكرية، والشرعية الأخلاقية، هي عناصر لا تشترى ولا تباع، بل تبنى عبر عقود من الاستراتيجيات العميقة والتوازنات الدقيقة.
الجزائر، التي لطالما سعت لتقديم نفسها كداعم رئيسي لجبهة البوليساريو، تواجه تحديات متزايدة في الحفاظ على هذا الموقف. فقد أظهرت التقارير تورط بعض عناصر هذه الجبهة في أنشطة مريبة، مما أثر على مصداقية الخطاب الدبلوماسي الجزائري. بالإضافة إلى ذلك، سحب العديد من الدول اعترافها بـ"الجمهورية الصحراوية" الوهمية، مما يعكس تراجعا في النفوذ الجزائري على الساحة الدولية.
ففي محاولة لتعزيز علاقاتها الدولية، سعت الجزائر إلى تقوية روابطها مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في المجالات الاقتصادية والعسكرية. شمل ذلك تقديم مواردها الطبيعية بأسعار منخفضة، في سابقة ديبلوماسية جسدت الغباء السياسي لنظام قصر المرادية، مثل بيع النفط لحلفاء الولايات المتحدة، واستيراد الأبقار الأمريكية لتعزيز التعاون الزراعي. كما حاولت جذب استثمارات شركات الطاقة الأمريكية الكبرى، مثل "شيفرون" و"إكسون موبيل"، للاستثمار في قطاع الطاقة الجزائري.
يبدو أن الجزائر تغاضت عن حقيقة أن الولايات المتحدة لا تقيم علاقاتها بناء على الصفقات المالية فحسب، بل تعتمد أيضا على شبكة من المصالح المتشابكة التي تشمل القيم والمبادئ المشتركة. فالعلاقات الأمريكية-المغربية، على سبيل المثال، تعتبر جزءا من منظومة أوسع تضمن للولايات المتحدة إمتيازات إستراتيجية قيمة، ولا يمكن تأمينها بمجرد عقود مالية.
رهان الجزائر على الخروج من عزلتها الدولية، بعد تدهور علاقاتها مع كل من روسيا وفرنسا، وإستمرار دعمها لجبهة البوليساريو، قد يبدو مغريا على المدى القصير ، لكنه بالمقابل يحمل هذا النهج مخاطر إستراتيجية، خاصة في ظل التحالفات القائمة فقط على المصالح المالية التي تظل هشة وقابلة للانهيار.
الولايات المتحدة، التي بنت جزءا كبيرا من شرعيتها العالمية على خطابها حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يمكنها دعم أنظمة لا تتماشى مع قيمها المعلنة ، كالجزائر ، فقط لأنها قادرة على الدفع أكثر. فالسياسة الواقعية تفرض المصالح كأولوية، لكن هذه المصالح نفسها تحتاج إلى غطاء أخلاقي يمنحها الشرعية، ويمنع أعداءها من إستغلال التناقضات لصالحهم.
ختاما، العالم ليس سوقا مفتوحة، والعلاقات الدولية ليست مجرد صفقات مالية. إنها توازنات دقيقة تحكمها عوامل أعمق من المال وحده. الهيمنة لا تتحقق فقط بالثراء، بل بالقدرة على تشكيل النظام العالمي بما يخدم المصالح الاستراتيجية للدولة المهيمنة. ومن يتجاهل هذه الحقائق، ويراهن على منطق السوق وحده، سيجد نفسه يوما ما خاسرا في لعبة لم يفهم قواعدها جيدا. والحال أن الجزائر أضحت فعلا خارج لعبة نظام عالمي انتقالي، نتيجة لإخفاقاتها الدبلوماسية المتوالية.
الجزائر، التي لطالما سعت لتقديم نفسها كداعم رئيسي لجبهة البوليساريو، تواجه تحديات متزايدة في الحفاظ على هذا الموقف. فقد أظهرت التقارير تورط بعض عناصر هذه الجبهة في أنشطة مريبة، مما أثر على مصداقية الخطاب الدبلوماسي الجزائري. بالإضافة إلى ذلك، سحب العديد من الدول اعترافها بـ"الجمهورية الصحراوية" الوهمية، مما يعكس تراجعا في النفوذ الجزائري على الساحة الدولية.
ففي محاولة لتعزيز علاقاتها الدولية، سعت الجزائر إلى تقوية روابطها مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في المجالات الاقتصادية والعسكرية. شمل ذلك تقديم مواردها الطبيعية بأسعار منخفضة، في سابقة ديبلوماسية جسدت الغباء السياسي لنظام قصر المرادية، مثل بيع النفط لحلفاء الولايات المتحدة، واستيراد الأبقار الأمريكية لتعزيز التعاون الزراعي. كما حاولت جذب استثمارات شركات الطاقة الأمريكية الكبرى، مثل "شيفرون" و"إكسون موبيل"، للاستثمار في قطاع الطاقة الجزائري.
يبدو أن الجزائر تغاضت عن حقيقة أن الولايات المتحدة لا تقيم علاقاتها بناء على الصفقات المالية فحسب، بل تعتمد أيضا على شبكة من المصالح المتشابكة التي تشمل القيم والمبادئ المشتركة. فالعلاقات الأمريكية-المغربية، على سبيل المثال، تعتبر جزءا من منظومة أوسع تضمن للولايات المتحدة إمتيازات إستراتيجية قيمة، ولا يمكن تأمينها بمجرد عقود مالية.
رهان الجزائر على الخروج من عزلتها الدولية، بعد تدهور علاقاتها مع كل من روسيا وفرنسا، وإستمرار دعمها لجبهة البوليساريو، قد يبدو مغريا على المدى القصير ، لكنه بالمقابل يحمل هذا النهج مخاطر إستراتيجية، خاصة في ظل التحالفات القائمة فقط على المصالح المالية التي تظل هشة وقابلة للانهيار.
الولايات المتحدة، التي بنت جزءا كبيرا من شرعيتها العالمية على خطابها حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يمكنها دعم أنظمة لا تتماشى مع قيمها المعلنة ، كالجزائر ، فقط لأنها قادرة على الدفع أكثر. فالسياسة الواقعية تفرض المصالح كأولوية، لكن هذه المصالح نفسها تحتاج إلى غطاء أخلاقي يمنحها الشرعية، ويمنع أعداءها من إستغلال التناقضات لصالحهم.
ختاما، العالم ليس سوقا مفتوحة، والعلاقات الدولية ليست مجرد صفقات مالية. إنها توازنات دقيقة تحكمها عوامل أعمق من المال وحده. الهيمنة لا تتحقق فقط بالثراء، بل بالقدرة على تشكيل النظام العالمي بما يخدم المصالح الاستراتيجية للدولة المهيمنة. ومن يتجاهل هذه الحقائق، ويراهن على منطق السوق وحده، سيجد نفسه يوما ما خاسرا في لعبة لم يفهم قواعدها جيدا. والحال أن الجزائر أضحت فعلا خارج لعبة نظام عالمي انتقالي، نتيجة لإخفاقاتها الدبلوماسية المتوالية.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في قضية الصحراء المغربية
نائب رئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية