الأحد 9 مارس 2025
كتاب الرأي

البراق شادي عبد السلام: التقارب المغربي - الإماراتي - الموريتاني .. ضرورة إقليمية

البراق شادي عبد السلام: التقارب المغربي - الإماراتي - الموريتاني .. ضرورة إقليمية البراق شادي عبد السلام
الحديث اليوم عن التقارب الثلاثي المغربي - الموريتاني - الاماراتي و ترسيخ أسس المحور الإستراتيجي التاريخي بين أبوظبي و الرباط عبر نواكشوط هو حقيقة جيوسياسية إقليمية و نتيجة طبيعية للجهود الجبارة التي تقوم بها قيادات الدول الثلاث من أجل النهوض بالعمل العربي و الإفريقي المشترك و الرغبة الأكيدة في خدمة الشعوب الإفريقية و إستنهاض قدراتها وفق ضوابط سيادية متوافق عليها و ميكانيزمات تؤطرها قيم الشفافية و الإلتزام و الوضوح و المسؤولية إنطلاقا من تطابق وجهات النظر حول القضايا الإقليمية و القارية و الدولية الراهنة ، تكرسها العلاقات الإقتصادية الممتازة التي تربط بين مختلف العواصم الثلاث .
 
العديد من المخاطر و الأزمات تهدد الأمن الإقليمي و الدولي في ظل تنامي الإرهاب و الجماعات المسلحة و الإنفصالية و خطاب التطرف و الكراهية بالإضافة السياسات العدوانية الإقليمية للنظام الشمولي الجزائري التي أصبحت تشكل أحد محفزات معادلة الفوضى و الخراب في المنطقة بإحتضان و تمويل و تدريب و تسليح ميليشيا إرهابية تهدد الأمن الإقليمي و سيادة و إستقرار دول الجوار ، في ظل إصرار جنرالات العشرية السوداء على تنزيل مقاربة ديبلوماسية متهالكة تعتمد على الهيمنة الإقليمية و التدخل في الشؤون الداخلية للدول بالإعتماد على تقدير موقف متجاوز يعود لسبعينيات القرن الماضي بأحداثه الدموية و إنقلاباته العسكرية و رؤيته الإيديولوجية المتجاوزة و أخطاءه الديبلوماسية الجسيمة .
 
موريتانيا تاريخيا هي جزء محوري من العمق الإستراتيجي و المجال الحيوي للمملكة المغربية في إفريقيا و بالتالي فحتمية التعاون والتنسيق بين المغرب وموريتانيا هو مطلب جيوسياسي وضرورة إقتصادية في ظل توازنات السياسة الخارجية الإقليمية سواء المغاربية أو الإفريقية أو الدولية ، و مدخل محوري لتأسيس شراكة إستراتيجية مستدامة و مندمحة قوية ناجعة و فعالة بشكل يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين المغربي و الموريتاني من خلال تجسير هوة الخِلافات السياسية بين الطرفين أو إبقائِها عِند مستويات تسمح للجانبين بصناعة الإستقرار الإقليمي في ظل قيم الإنفتاح و التكامل و الإحترام المتبادل لمعاني السيادة و إستقلالية القرار السياسي بأبعاد أخوية و إنسانية و تنموية شاملة و التفكير الجدي في إبتداع مقاربات جديدة لتأطير العلاقات الثنائية بين الرباط و موريتانيا بالإرتكار على التاريخ المشترك الطويل بين البلدين ، موريتانيا هي جزء من العمق الإستراتيجي للمغرب حيث تعتبر من أكثر الدول الإفريقية إستقبالا للإستثمارات الخارجية المغربية .
 
في نفس السياق العلاقات المغربية - الموريتانية تشكل لصانع القرار السياسي في نواكشوط خيار استراتيجيا محوريا في علاقاتها الخارجية حيث تعتبر المملكة المغربية تاريخيا وحاضرا عمقها الاستراتيجي والثقافي والروحي والبشري والاقتصادي و بشكل خاص بعد تحرير المعبر الدولي الحدودي الكركرات من عصابات و ميليشيات البوليساريو الإرهابية حيث يمكن اعتبار انتصار المغرب في معركة الكركرات عسكريا و سياسيا و ديبلوماسيا هدية مجانية قدمها المغرب في طبق من ذهب للفاعل السياسي في نواكشوط ، فهذا هذا الانتصار حرر موريتانيا من تهديد البوليساريو للأمن الاقتصادي الموريتاني، كما أنه أعطى لموريتانيا حرية أكثر في الإنتقال بين المحاور الجيوسياسية في المنطقة لأن تأمين المغرب لمعبر الكركرات الدولي بعملية عسكرية و أمنية دقيقة هو تحرير أيضا لموريتانيا من وصاية ميليشيا البوليساريو الإرهابية التي لا تتوانى في تهديد الأمن الإقليمي و الدولي خدمة لأجندات توسعية إقليمية.
 
الإمارات العربية المتحدة الدولة الشقيقة للمملكة المغربية تظل أحد أهم الشركاء الاستراتيجيين للمملكة وتعتبر أحد أهم الحلفاء الثابتين في مواقفهم بالنسبة إلى المغرب وتلعب دورا مركزيا في ترسيخ العمق العربي للمغرب بالنظر إلى العلاقات التاريخية والأخوية بين قيادة الإمارات والعاهل المغربي الملك محمد السادس حيث يظل محور الرباط/أبو ظبي جزءا أساسيا من الأمن القومي العربي الممتد من الخليج إلى المحيط في ظل التحديات الجيوسياسية الخطيرة التي يعرفها العالم في هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ الإنساني.
 
العلاقات الإماراتية / الموريتانية عرفت تطورا كبيرا على جميع الأصعدة نتيجة الرغبة الأكيدة لقيادات البلدين في ترسيخ هذه العلاقات وإعطاءها بعدا تنمويا إلى جانب طبيعتها التضامنية فموريتانيا اليوم حبلى بالفرص الاستثمارية الواعدة حيث أعلن الجانبان في كثير من المناسبات تطابق وجهات النظر والمواقف بينهما في العديد من القضايا العربية والإقليمية والدولية، وبشكل خاص مكافحة الإرهاب والتطرف والجهات التي تعمل على تقويض الأمن والاستقرار. وتجلّى تميز وتطور هذه العلاقات في التبادل الثنائي لزيارات رفيعة المستوى بين الجانبين، وتنسيق المواقف السياسية، وتوقيع اتفاقيات مهمة في العديد من المجالات الاقتصادية و الصحية و على مستوى الطاقة والبنية التحتية حيث تقوم الإمارات العربية المتحدة بتمويل مشروع بناء الطريق الاستراتيجي الذي يربط بين المدن الشرقية في موريتانيا، وصولاً إلى الحدود المشتركة مع جمهورية مالي المجاورة.
 
المبادرات التنموية المغربية في بإفريقيا يمكن اعتبارها دفتر تحملات إقليمي مغربي تقدمه الرباط العاصمة لمختلف العواصم الإقليمية و من بينها أبو ظبي و نواكشوط من أجل الانخراط في جهود التنمية بإفريقيا و أرضية صلبة لتطوير الجهود التنموية في القارة حيث تظهر جدية و التزام و إرادة المملكة المغربية في تنمية و خدمة القضايا الأفريقية من منطلق تنموي تضامني صادق كالمشروع الهيكلي أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي الذي يخدم أكثر من 400 مليون إفريقي في دول غرب إفريقيا من بينها موريتانيا و مسلسل الرباط للدول الإفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي والتي تشكل مبادرة إقليمية رائدة للاندماج الإقليمي والقاري حيث ستتحول الصحراء المغربية إلى جسر لوجيستيكي و تنموي عملاق يخدم مصالح شعوب الدول الإفريقية الحبيسة في الصحراء الإفريقية الكبرى و غرب إفريقيا و ستشكل للاقتصاد الموريتاني فرصة واعدة من أجل التكامل الاقتصادي و الاندماج الإقليمي .
 
الصحراء المغربية اليوم بفضل مسارات تنموية و سياسية و ديبلوماسية متعددة أبرزها نهج ديبلوماسية القنصليات تحولت إلى فضاء ديبلوماسي و سياسي إقليمي و قاري و دولي متميز حيث تعتبر من أكثر الأقاليم إزدحاما في العالم بالقنصليات و البعثات الأجنبية مما يشكل فرصة أكيدة لتطوير موقف سياسي إقليمي جديد ينطلق من مبادئ سياسية واضحة ترتكز على تقوية المشترك السياسي والاقتصادي، والعديد من المعطيات اليوم على الفاعل المؤسساتي و المدني الموريتاني استحضارها في أفق تطوير موقف سياسي جديد يتناغم من التغيرات الكبرى التي يعرفها العالم و معها النزاع الإقليمي المفتعل حول سيادة المملكة على الأقاليم الجنوبية فأكثر من 50 دولة، تقريبا، سحبت في العقدين الأخيرين الاعتراف بالجمهورية الوهمية ليتراجع عدد البلدان التي ما تزال تعترف بهذا الكيان الوهمي إلى حدود 28 دولة فقط و بصيغة أخرى فإن أكثر من 84 في المائة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لا تعترف بالجمهورية الوهمية ، في مقابل أزيد 110 من دول أعضاء في الأمم المتحدة تدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل أساس و نهائي للنزاع من بينها أكثر من 22 دولة أوروبية ،و أكثر من 40 بالمئة من دول الاتحاد الافريقي التي لها قنصليات في العيون و في الداخلة إلى جانب دول أخرى من آسيا و أمريكا اللاتينية بعدد يتجاوز 30 قنصلية، كل هذه الأرقام و الحقائق تؤكد حقيقة واحدة أن ماضي و حاضر ومستقبل الصحراء المغربية لن يكون إلا تحت السيادة المغربية وأن التحاق الطرف الموريتاني لدعم صريح و واضح للشرعية الدولية هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة والازدهار لشعوب المنطقة .
 
في ظل هذه المتغيرات الكبرى التي يعرفها النزاع الإقليمي المفتعل تؤطرها دينامية ديبلوماسية مغربية فاعلة و متميزة و بكل الوضوح الممكن الجمهورية الإسلامية الموريتانية اليوم كدولة مستقلة ذات سيادة مطالبة بفك الارتباط السياسي مع ميليشيا البوليساريو الإرهابية وإلغاء اتفاقية الجزائر المشؤومة يوم 5 غشت 1979 مع كيان إرهابي منبوذ إفريقيا لا وجود له دوليا وقعها الطرف الموريتاني في ظل مناخ داخلي وإقليمي وقاري و دولي مرتبط بالصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي وتصاعد المد الاشتراكي وهيمنة الفكر الانقلابية على القيم الديمقراطية الأصيلة ، فاتفاقية الجزائر 1979 ترهن القرار السيادي الموريتاني لصالح جبهة البوليساريو الإرهابية و تفرض وصاية حقيقية على علاقات نواكشوط بدول الجوار و تكبل حرية موريتانيا كدولة ذات سيادة في تدبير علاقاتها الثنائية بالندية اللازمة مع باقي شركاءها الاستراتيجيين كالمغرب و الجزائر ، فالانفتاح الموريتاني على محيطها الإقليمي هو أمر مطلوب من أجل بناء اقتصاد موريتاني تنافسي و قوي قادر على أن يكون أحد محركات قنوات التكامل الإقليمي بشكل متناغم مع المبادرات المغربية في إفريقيا .
 
الرؤية الملكية الاستراتيجية تشكل العمود الفقري للسياسة المغربية في إفريقيا والمبادرات التنموية المغربية في إفريقيا وبشكل خاص في غرب إفريقيا والساحل، حيث تعتبر أرضية مشتركة صلبة يمكن الاعتماد عليها لتطوير العمل البيني المشترك والتعاون الإقليمي بين الرباط وأبو ظبي ونواكشوط في ظل التحديات الجيوسياسية الدولية والقارية والإقليمية التي يعرفها العالم والتي تتطلب المزيد من تشبيك العلاقات وتطويرها بشكل يخدم مصالح الشعوب ويضمن استقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها