السبت 22 فبراير 2025
سياسة

لشكر: علينا ضبط بوصلة النقاش الحقوقي حول انتهاكات سجن الرشيد بتندوف نحو اتجاهات أممية أكثر تأثيرا

لشكر: علينا ضبط بوصلة النقاش الحقوقي حول انتهاكات سجن الرشيد بتندوف نحو اتجاهات أممية أكثر تأثيرا إدريس لشكر خلال الندوة الأخيرة بالرباط عن ‬الانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بسجن‭ ‬الرشيد بتندوف
من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬منعطفا‭ ‬حاسما‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بسجن‭ ‬الرشيد بتندوف،‮ ‬قاطعين‭ ‬مع‭ ‬سرديات‭ ‬البكائيات،‭ ‬ومتجاوزين‭ ‬لعتبات‭ ‬الرصد‭ ‬نحو‭ ‬أفق‭ ‬ترافعي‭ ‬ونضالي‭ ‬مندمج،‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬فيه‭ ‬مناصرة‭ ‬حقوق‭ ‬الضحايا‭ ‬عن‭ ‬نضالنا‭ ‬الوطني‭ ‬والحزبي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬قضية‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬هدي‭ ‬التوجيه‭ ‬الملكي‭ ‬السديد‭ ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬الانتقال‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬التدبير‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭.‬

إن‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬بمخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الجزائرية،‭ ‬يحضر‭ ‬في‭ ‬مخيلة‭ ‬المناضلات‭ ‬والمناضلين‭ ‬كعنوان‭ ‬لبنية‭ ‬قسرية‭ ‬متسلطة‭ ‬تعتمد‭ ‬مأسسة‭ ‬الممارسات‭ ‬المتنافية‭ ‬مع‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬وتمعن‭ ‬في‭ ‬ابتكار‭ ‬نسخة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬التعذيب‭ ‬الجسدي‭ ‬والنفسي،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬مثبت‭ ‬بالتوثيقات‭ ‬المتراكمة‭ ‬والشهادات‭ ‬المتعددة‭ ‬على البعد‭ ‬الممنهج‭ ‬للتجاوزات،‭ ‬وكما‭ ‬ترصده‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬تندوف‭ ‬فضاء‭ ‬احتجاز‭ ‬وقهر‭ ‬كبير،‭ ‬فإن‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬هو‭ ‬فضاء‭ ‬لتصفية‭ ‬كل‭ ‬الأصوات‭ ‬المعارضة‭ ‬والضمائر‭ ‬الحية‭ ‬التي‭ ‬توقظ‭ ‬همة‭ ‬المحتجزين‭ ‬وتزيل‭ ‬عن‭ ‬عيونهم‭ ‬غشاوة‭ ‬التضليل‭ ‬الانفصالي‭ ‬الذي‭ ‬يعلن‭ ‬إفلاسه‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭.‬
 
إن‭ ‬فداحة‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد،‭ ‬تضع‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي‭ ‬والأممي‭ ‬أمام‭ ‬مسؤولية‭ ‬ذات‭ ‬بعدين:
-‭ ‬البعد‭ ‬الأول‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬المسؤولية‭ ‬القانونية:‭ ‬حيث‭ ‬يعتبر‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الاحتجاز‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬والمعاملة‭ ‬اللاإنسانية‭ ‬والإخفاء‭ ‬القسري‭ ‬انتهاكات‭ ‬جسيمة‭ ‬تستوجب‭ ‬محاسبة‭ ‬مرتكبيها‭ ‬المباشرين‭ ‬وغير‭ ‬المباشرين‭ ‬تنفيذا‭ ‬وتواطؤا‭ ‬وصمتا‭ ‬وتسترا‭ ‬عليها‭.‬
-‭ ‬البعد‭ ‬الثاني‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬المسؤولية‭ ‬السياسية:‭ ‬حيث‭ ‬تتحمل‭ ‬الزمرة‭ ‬المتغلبة‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬مسؤولية‭ ‬احتضان‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬القروسطية‭ ‬داخل‭ ‬أراضيها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقتضي‭ ‬ضرورة‭ ‬التحرك‭ ‬الدولي‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬مساءلة‭ ‬هذا‭ ‬الضلوع‭ ‬الجزائري‭ ‬الصريح‭ ‬وفقًا‭ ‬للآليات‭ ‬الحقوقية‭ ‬المتاحة‭.‬
 
علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الزمرة‭ ‬المتغلبة‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬تضع‭ ‬نفسها‭ ‬ومعها‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬تناقض‭ ‬أخلاقي‭ ‬ومنهجي‭ ‬فاضح،‭ ‬حينما‭ ‬تعتبر‭ ‬الصحراويين‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬العار‭ ‬بمثابة‭ ‬لاجئين،‭ ‬ثم‭ ‬تتواطأ‭ ‬في‭ ‬تشييد‭ ‬سجون‭ ‬لتعذيب‭ ‬اللاجئين‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬فريدة‭ ‬دوليا‭ ‬لبنية‭ ‬قهرية‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬اللاجئين،‭ ‬على الأقل‮ ‬حسب‭ ‬التوصيف‭ ‬الجزائري‭.‬
 
لم تكن الانتهاكات الجسيمة لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬مجرد‭ ‬حالات‭ ‬فردية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬عمل إجرامي‭ ‬منظم‭ ‬برعاية‭ ‬جزائرية‭ ‬مكشوفة،‭ ‬وبآثار‭ ‬نفسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬تلازم‭ ‬الضحايا‭ ‬وأسرهم،‭ ‬وهي‮ ‬الجراح‭ ‬التي‭ ‬تخترق‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬الجماعية‭ ‬كمغاربة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أدمت‭ ‬قلوب‭ ‬أسر‭ ‬المختطفين‭ ‬ومجهولي‭ ‬المصير‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭.‬
 
ولئن‭ ‬كنا‭ ‬ندعو‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬القطع‭ ‬مع سرديات‭ ‬البكائيات،‭ ‬وتجاوز‭ ‬عتبات‭ ‬الرصد‭ ‬نحو‭ ‬أفق‭ ‬ترافعي‭ ‬ونضالي‭ ‬قوي،‭ ‬يعيد‭ ‬توطين‭ ‬مناصرة‭ ‬حقوق‭ ‬الضحايا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬نضالنا‭ ‬الوطني‭ ‬والحزبي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬قضية‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية،‭ ‬فإننا‭ ‬نقترح‭ ‬المداخل‭ ‬النضالية‭ ‬الآتية:
 
أولا،‭ ‬مدخل‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الحقوقية‭: ‬
من‭ ‬خلال‭ ‬تفعيل‭ ‬آليات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الحقوقية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬العدالة‭ ‬محورًا‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬وفي‭ ‬بناء‭ ‬الطرح‭ ‬الترافعي‭ ‬أمام‭ ‬آليات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وفي‭ ‬محافل‭ ‬الحركات‭ ‬السياسية‭ ‬ذات‭ ‬التوجه‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والتقدمي،‭ ‬ومن‭ ‬جملتها‭ ‬الأممية‭ ‬الاشتراكية‭ ‬التي‭ ‬نتشرف‭ ‬بكوننا‭ ‬الحزب‭ ‬الوطني‭ ‬العضو‭ ‬الفاعل‭ ‬فيها،‭ ‬وذلك‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬بإعادة‭ ‬ضبط‭ ‬بوصلة‭ ‬النقاش‭ ‬الحقوقي‭ ‬حول‭ ‬انتهاكات‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬نحو‭ ‬اتجاهات‭ ‬أممية‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيرا،‭ ‬بما‭ ‬يجعلها‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬المترافعين‭.‬
 
ثانيا،‭ ‬مدخل‭ ‬التربية‭ ‬والثقافة‭ ‬والإعلام‭: ‬
إذ‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬مثقفات‭ ‬ومثقفي‭ ‬حزبنا‭ ‬وشبيبته‭ ‬الاتحادية‭ ‬وكل‭ ‬مناضلاته‭ ‬ومناضليه‭ ‬أن‭ ‬يستثمروا‭ ‬ممكنات‭ ‬العمل‭ ‬التربوي‭ ‬والثقافي‭ ‬والإعلامي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التملك‭ ‬المجتمعي‭ ‬للقضية‭ ‬وفي‭ ‬أفق‭ ‬نقل‭ ‬قصص‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬إلى‭ ‬محكي‭ ‬جمالي‭ ‬ملتزم،‭ ‬مع‭ ‬استثمار‭ ‬ذكي‭ ‬للعرض‭ ‬الرقمي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تعريف‭ ‬الجمهور‭ ‬الواسع‭ ‬بهذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الجسيمة،‭ ‬وعلى‭ ‬تدويلها‭ ‬كسلطة‭ ‬رقمية‭ ‬ناعمة‭ ‬تكشف‭ ‬زيف‭ ‬روايات‭ ‬المشككين‭ ‬والمتقولين‭ ‬بغير‭ ‬علم‭ ‬عبر‭ ‬تسخير‭ ‬الخوارزميات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عدالة‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود‭.‬
 
ثالثا،‭ ‬مدخل‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬التاريخي‭:‬
 ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الشهادات‭ ‬والتوثيقات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الحجج‭ ‬التاريخية‭ ‬على‭ ‬فداحة‭ ‬الجرم المشهود بتواطؤ‭ ‬الزمرة‭ ‬المتغلبة‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬يعيروها‭ ‬ما‭ ‬تستحق‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬وتوثيق،‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬إخراجها‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬خطاب‭ ‬الذاكرة‭ ‬الموسومة‭ ‬بكونها‭ ‬جزئية‭ ‬ومتحيزة إلى خطاب‭ ‬التاريخ‭ ‬لأنه‭ ‬عادل‭ ‬ومنصف‭ ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬النسيان‭.‬
 
إننا،‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬قطعنا‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬العهد‭ ‬بأن‭ ‬يظل‭ ‬اصطفافنا‭ ‬الأبدي‭ ‬والمتجدد‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬العادلة،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬قضية‭ ‬ضحايا‭ ‬سجون‭ ‬تندوف‭ ‬واحدة‭ ‬منها،‭ ‬لكونها‭ ‬تتشابك‭ ‬مع‭ ‬الشرط‭ ‬الإنساني‭ ‬والحقوقي‭ ‬والوطني،‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬قوي‭ ‬للتضحيات‭ ‬الجسام‭ ‬وللشجاعة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬مخيمات‭ ‬العار‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والترابية‭ ‬للمملكة،‭ ‬باذلين‭ ‬الجهد‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬بهذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬واستعمال‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬الممكنة‭ ‬لملاحقة‭ ‬الجناة‭ ‬المسؤولين‭ ‬عنها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭.‬
إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية