الاثنين 10 فبراير 2025
كتاب الرأي

وحيد مبارك: لقاح "المينانجيت".. من أين لكم هذا؟

وحيد مبارك: لقاح "المينانجيت".. من أين لكم هذا؟ وحيد مبارك
انفجرت قبل أيام، أزمة اللقاح المضاد لـ"لمينانجيت" الذي ارتفع الطلب عليه بشكل استثنائي، بعد أن فرضت المملكة العربية السعودية، في وقت سابق، شرط الحصول على شهادة التطعيم ضد هذا المرض من أجل ولوج أراضيها، سواء بالنسبة للحجاج أو المعتمرين أو مختلف من يرغبون في زيارة الأماكن المقدسة، والتي كانت تهدف من خلال قرارها هذا إلى مواجهة أي عدوى ممكنة مرتبطة بهذا المرض في ظل استقبالها لكل المتوافدين على أراضيها من مختلف بقع العالم، قبل أن تتراجع عن هذا الأمر.

وشهد الإقبال على لقاح "المينانجيت" ارتفاعا غير منتظر لأن تعميم هذا الشرط على المعتمرين كذلك جاء بصفة استثنائية ولأول مرة هذه السنة، الأمر الذي جعل مصالح وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في بلادنا تعيش ارتباكا واضحا، إذ في الوقت الذي أكدت بأن اللقاح متوفر في الصيدليات وفي معهدي "باستور" بكل من الدارالبيضاء وطنجة، ومجموعة من المراكز الصحية المعتمدة، أكد الراغبون في قضاء مناسك العمرة أن اللقاح غير متوفر بتاتا ولا أثر له، لا في الصيدليات ولا في المراكز التي تم التحدث عنها، مما جعل المعنيين يقبلون وبكثرة على معهد "باستور" في الدرالبيضاء نموذجا، الذي تابع الجميع كيف اصطفت أمامه طوابير المواطنين الذين قضوا الليالي بعيدا عن منازلهم، ويتعلق الأمر بمرضى وبكبار في السن، إلى جانب باقي المنتمين لفئات عمرية أخرى من الجنسين، في مشاهد جد مؤسفة عنوانها الفوضى والارتجالية.  

هذا الوضع المؤسف، وتلك المشاهد المؤلمة، دفعا وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى "ضخّ" كميات مهمة من اللقاح في صيدليات معهدي "باستور" ومجموعة من المراكز الصحية، بغاية استيعاب الطلب وامتصاص حجم الغضب الذي استشرى جراء هذه الوضعية وخوف المواطنين من  ضياع العمرة عليهم بسبب اشتراط أجل 10 أيام، لكنها لم تفصح بالمقابل عن الجهة التي "اقترضت" منها، حوالي 30 ألف جرعة، بما أن الطلب على اللقاح المضاد لالتهاب السحايا بات عالميا، ونفس الوضع الذي عرفه المغرب شهدته كذلك دول أخرى، بالنظر إلى أن "الشرط السعودي" كان يسري على الجميع، أخذا بعين الاعتبار أن منظومة التصنيع من طرف المختبر المعني، والتخزين، وطبيعة عدد الصفقة التي تجرى سنويا من أجل التحصل على اللقاح هي نفسها؟

سؤال يتطلب توضيحا في علاقة بالاستمرار في محاربة هذا المرض خلال الأيام العادية للسنة، وضمان عدم وقوع أي معطى استثنائي، بما أن المغرب يتوفر على برنامج وطني ضد الداء الذي يطال الأغشية الرقيقة التي تسمى السحايا والتي تحيط بالدماغ والنخاع الشوكي، والذي يكون في عدد من الحالات فتاكا ويودي بحياة المصاب إذا ما تم التأخر في التشخيص والتكفل، أخذا بعين الاعتبار أننا نتحدث عن مرض صامت لا تظهر أعراضه، وخطورته تكمن في طريقة انتقال العدوى، مما يتطلب القيام بالتلقيح للحد أساسا من انتشار العدوى، وليس لتفادي الإصابة به بشكل كلي. 
هذا المرض، الذي كان يتسبب في نسبة للوفيات سنويا تتراوح ما بين 7 و 12 في المئة من مجموع الإصابات، ويتذكر عدد من المهتمين أزمات ارتبطت به وقعت في مناطق مختلفة كشفشاون وزاكورة وغيرهما، قرر المغرب في وقت سابق أن يواجهه بكل قوة، وأن يقوم بتدابير متعددة لتقليص هذه النسبة إلى أقل من 6 في المئة لأنه لا يمكن القضاء عليه نهائيا، وهو ما دفع إلى تغيير طبيعة الصفقة التي تجرى سنويا، وذلك باقتناء اللقاح الرباعي الذي تدوم فعاليته لخمس سنوات عوض ثلاثة، وهو ما يصطلح عليه بـ "الكونجيغي"، حيث يتم، وبشكل وقائي، أولا، تلقيح أماكن التجمعات من سجون ودور للرعاية الاجتماعية وغيرها، والتعامل مع البؤر التي يمكن أن تسجل، إذ في حال تسجيل إصابة في صفوف طفل مثلا أو أكثر يتم تلقيح الوسط الأسري والمدرسي للمصابين وكل من يفترض أنه تمت مخالطتهم مجانا، في حين أن الحجاج يتم منحهم إياه بالمقابل، شأنهم في ذلك شأن المعتمرين اليوم.

 
لقد أوضحت أزمة "العمرة" وقبلها "فاشية" الحصبة، كيف أن اللقاحات تعد ضرورية في الجانب الوقائي لحماية الصحة العامة، وكيف أن المراقبة الوبائية تكتسي أهمية بالغة لا يمكن التراخي بخصوصها أو التقصير فيها، لأن الأمر يتعلق بأرواح وحياة أشخاص وبالأمن الصحي للمجتمع ككل، دون الحديث عن تبعات ذلك لتشمل ما هو اجتماعي واقتصادي. ويعرف الخبراء كيف أنه في علاقة بـ"المينانجيت" نموذجا، يتم تفعيل مراقبة أسبوعية لتتبع المؤشرات المرتبطة بالمرض من أجل معرفة مدى تطور الوضع واحتمالية تسجيل موجة وبائية من غيرها، وكل هذا يحيل على أمراض فيروسية أخرى، تبين كل المعطيات والمتغيرات على أنه لا بد من التعامل معها بكل حزم، من حيث التتبع وعلى مستوى توفير اللقاح وكل ما يخص العلاج، بما في ذلك الشق المتعلق بالموارد البشرية والتقنية، تلافيا لكل طارئ غير مرغوب فيه.