مع مرور الزمن، فقدت مدينة قلعة السراغنة أشجارها وأغراسها التي كانت تزخر بها وتميزها عن سائر المدن، لاختلاف أنواعها وندرة بعضها وطنياً، حتى أنها كانت محج الباحثين الزراعيين. وكان الحي الإداري حالياً، حيث إقامة العامل، يعرف بالحي الأوروبي، لما له من خصوصية من حيث النسق المعماري الذي يشبه الطابع الأوروبي، ومن حيث الأشجار وتنوعها، ومنها ما هو مستورد من آسيا (شجر النخيل بدار الكاتب العام)، أشجار كانت تملأ أرجاءه وسواقي للري تنساب بين البنايات، مما جعله مكاناً مفضلاً لدى شباب المدينة في الصيف، لأنه كان يوفر الرطوبة والظل في هذا الفصل.
وكان شباب المدينة يحافظون على أشجار مدينتهم، بل كانوا يتطوعون من أجل المزيد منها في الضواحي، بمناسبة اليوم الوطني للشجرة في المغرب الذي يصادف 21 مارس من كل عام، والذي كان يرمي إلى إبراز أهمية الغابات والأشجار ودورها في الحفاظ على التوازن البيئي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
الوعي بالطبيعة وبالتوازن البيئي كان حاضراً عند ساكنة المدينة. ومما زاد المدينة رقياً وحضارة هو محيطها الذي كانت تملأه الضيعات (الفريمات) التي كان يمتلكها المعمرون؛ ضيعة "دوبا" وضيعة "روما وصاندس"، بالإضافة إلى "جنان بكار" و"جنان عرش" و"جنان اليهودي" و"جنان الشعيبي" و"جنان الجديد" والحديقة المدرسية. هي ثروة من كل أنواع الأشجار المثمرة وغيرها من أشجار الأوكاليبتوس وأشجار الصفصاف والخروب والفوقيس. وأبناء المدينة يجدون فيها الفضاءات المتعددة والمناسبة، لكن شاءت الأقدار أن يصبح كل هذا من الماضي الجميل، بل كخيال قد لا يُصدق، خاصة بالنسبة لأبناء الجيل الجديد الذين فتحوا أعينهم على مدينة من الإسمنت المتراكم الذي قضى على كل المغروس بفعل شجع المضاربين العقاريين من شركات وخواص بحثاً عن الإثراء غير المشروع على حساب المدينة التي أصبحت جريحة، تندب حظها ولم تجد من أبنائها من يعيد لها ما سُلب منها من آثار تاريخية ومن طبيعة كانت تنطق بالحنان والحب والحضارة والتربية على المواطنة وعلى حسن الخلق.
إنها كانت بمثابة جامعة صيفية يلتقي فيها طلبتها والمهاجرون في جو تسود فيه اللقاءات المفتوحة وتبادل الخبرات والأفراح. كانت مدينة بجمالها البيئي وفضاءاتها الطبيعية وسواقها الجارية في شمالها وغربها، تنبت الدفء والمحبة بين أبنائها وبناتها والتضامن الاجتماعي. تلك قلعة السراغنة التي ضاعت بين الترييف والتزييف والتشويه الحضاري والتصحر (Désertification) واستنزاف أراضيها وهجرة أبنائها. تعيش بين تضارب المصالح الشخصية والمشاريع المؤجلة. إن ما وصلت إليه قلعة السراغنة الآن هو نتيجة سوء التدبير ومشاريع غير مندمجة اقتصادية وثقافية واجتماعية ورياضية وفنية. وحتى تستعيد عافيتها وتسترجع ما سرق منها من مال وأراضي ومشاريع تنموية، فإنها تناشد شبابها من كل الاتجاهات ومجلسها من أجل وضع نقطة والعودة إلى السطر وبداية مرحلة يسودها التواصل البناء والتعاون والحد من تعميق جراح هذه المدينة التي كلما جاء مسؤول إلا وزاد من تعميق جراحها وزاد من آلامها ومن نهب مالها.
