بعد ثلاثة وعشرين عاماً من أولى مطالبات المجتمع المدني سنة 2002، تعكس وضعية مغاربة العالم مفارقة صارخة. ففي الملاعب وعلى الشاشات، يرفعون الألوان الوطنية عالياً، كمنتخب وطني متوج بلقب “البطل” في القلوب والعاطفة، مُلهباً مشاعر الفخر الجماعي على المستوى العالمي، سواء في العالم الإسلامي أو في القارة الإفريقية. لكن، على أرضية السياسة والمؤسسات، يبقى هؤلاء المغاربة على دكة الاحتياط، محرومين من المشاركة الفعلية في القرارات الكبرى التي ترسم مستقبل البلاد.
وفاء لا يتزعزع، وغياب مؤسسي بسبب انعدام الثقة والاعتراف
إن ارتباط مغاربة العالم بوطنهم الأم ارتباط لا ينفصم. سواء كانوا في المغرب أو على بعد آلاف الكيلومترات، فإنهم يواصلون الإسهام في ازدهار الوطن عبر تحويلات مالية قياسية، واستثمارات متنوعة، ودور محوري في الإشعاع الثقافي والرياضي. ومع ذلك، فإن حضورهم في مسار صنع القرار الداخلي يكاد يكون معدوماً. فمنذ اعتماد دستور 2011، الذي نص على حقوقهم في عدة فصول، لم يصدر أي قانون تنظيمي يحول هذه المبادئ إلى واقع ملموس.
ركيزة اقتصادية غير مستغلة بالكامل
الأرقام تتحدث بوضوح: تحويلات مغاربة العالم تمثل ما بين 6% و8% من الناتج الداخلي الخام، وتساهم، إلى جانب عائدات السياحة، في تغطية أكثر من 77% من العجز التجاري للمملكة. وفي عام 2024، تجاوزت هذه التحويلات 115 مليار درهم، مما يؤكد دورهم الحيوي في الاقتصاد الوطني. ومع ذلك، لم يقابل هذا الثقل الاقتصادي باندماج مؤسسي يعكس حجمه. حتى الوظائف المحلية في القنصليات والسفارات تُسند في كثير من الأحيان إلى مغاربة قادمين من الداخل، وليس إلى أفراد الجالية المقيمين في الخارج.
تعبئة سياسية تراوح مكانها
رغم دورهم الاستراتيجي، فإن تعبئة مغاربة العالم سياسياً تظل محدودة وتقتصر على الاستغلال الرمزي. يتم الاحتفاء بهم في المناسبات الوطنية والرياضية الكبرى، لكنهم يغيبون عن الهيئات التي تُتخذ فيها القرارات العمومية. تلجأ الأحزاب السياسية إليهم لاستثمار صورتهم ونفوذهم، ونادراً ما تستفيد من خبراتهم وأصواتهم.
مؤسسة المحمدية: ابتكار أم حل ترقيعي؟
في هذا السياق، تُقدَّم مؤسسة المحمدية كابتكار مؤسسي مهم: “شباك وحيد” يجمع كبار الموظفين وممثلي الإدارات لتلبية احتياجات مغاربة العالم. والفكرة وجيهة لتبسيط المساطر الإدارية، أشبه بنسخة مطوّرة من “مؤسسة الحسن الثاني”، خاصة أمام فشل مجلس الجالية المغربية بالخارج. غير أن هذه المؤسسة ليست معنية، من حيث المبدأ، بحل الإشكال الجوهري المتمثل في غياب آليات الإدماج المؤسسي. ومن دون إصلاحات تشريعية واضحة، قد تتحول هذه المبادرة النبيلة إلى مجرد مسكن لمطلب أعمق.
انتصار ينبغي بناؤه خارج الملاعب
إذا كانت الجالية المغربية قادرة على إلهام العالم أجمع عندما تتحد خلف منتخب وطني تكوّن بنسبة تقارب 100% من محترفين ينتمون إلى المهجر، فإنها قادرة، في ظل إطار قانوني ومؤسسي مناسب، على أن تكون “بطلاً” في التنمية وحوكمة المغرب. لكن ذلك يتطلب أكثر من خطب تكريمية ووعود غير مُنفَّذة، بل إرادة سياسية جادة لإدماج هؤلاء الملايين في المسار الداخلي، في وقت سبقت فيه دول إفريقية عديدة المغرب في إدماج جالياتها.
من الشعارات إلى الفعل: توصيات عملية
1. الإسراع في اعتماد القوانين التنظيمية المتعلقة بتمثيلية ومشاركة مغاربة العالم سياسياً، كما نص عليها دستور 2011.
2. إحداث “الجهة 13” بتمثيلية من المجتمع المدني، مستقلة عن الحسابات الحزبية، لتفادي الانقسامات والزبونية.
3. تعزيز حكامة المؤسسات الموجهة لمغاربة العالم، باعتماد معايير الكفاءة والشفافية والخبرة الدولية بدل الولاءات السياسية.
4. فتح الوظائف المحلية في القنصليات والسفارات أمام أبناء الجالية في بلد الإقامة، للاستفادة من معرفتهم الميدانية بالمجتمع المحلي، علماً أن هذا الأمر يواجه منذ سنوات ما يشبه الفيتو غير المعلن.
5. إرساء آلية للتشاور الدائم بين الجالية والمؤسسات المغربية، تضمن الإصغاء الفعلي ومتابعة التوصيات والمقترحات.
1. الإسراع في اعتماد القوانين التنظيمية المتعلقة بتمثيلية ومشاركة مغاربة العالم سياسياً، كما نص عليها دستور 2011.
2. إحداث “الجهة 13” بتمثيلية من المجتمع المدني، مستقلة عن الحسابات الحزبية، لتفادي الانقسامات والزبونية.
3. تعزيز حكامة المؤسسات الموجهة لمغاربة العالم، باعتماد معايير الكفاءة والشفافية والخبرة الدولية بدل الولاءات السياسية.
4. فتح الوظائف المحلية في القنصليات والسفارات أمام أبناء الجالية في بلد الإقامة، للاستفادة من معرفتهم الميدانية بالمجتمع المحلي، علماً أن هذا الأمر يواجه منذ سنوات ما يشبه الفيتو غير المعلن.
5. إرساء آلية للتشاور الدائم بين الجالية والمؤسسات المغربية، تضمن الإصغاء الفعلي ومتابعة التوصيات والمقترحات.
إن المغرب لا يمكنه الادعاء بامتلاك استراتيجية قوية للتأثير الدولي، وهو يترك مواطنيه بالخارج خارج الملعب المؤسسي. وكما في كرة القدم، لا يمكن الفوز بالمباراة إذا تُرك أفضل اللاعبين على دكة الاحتياط، أو إذا تم طردهم ببطاقة حمراء. تبني سياسة حازمة ومنظمة هو السبيل الأجدى لإدماج هذه القوة الهائلة التي ما زالت تشكل رصيداً من “القوة الناعمة” غير المستغل بالشكل الأمثل..
