الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

كريم مولاي: دعوة صادقة للتآخي والصفاء وحسن الجوار

كريم مولاي: دعوة صادقة للتآخي والصفاء وحسن الجوار كريم مولاي
العام 2024، عام تاريخي بامتياز، ففيه سالت دماء الفلسطينيين غزيرة في معركة نيابة عن العرب والمسلمين وأحرار العالم.. لم يترك لنا الوجع الفلسطيني وقتا للتفكير في همومنا الذاتية، بما في ذلك آلامنا الجسدية، حيث بدأ ينخر كياني وأنا أنهي عامي السادس والخمسين، حيث أجريت عملية جراحية وأستعد لأخرى مطلع هذا العام، من دون أن أحزن أو أفقد الأمل في أن الله هو أنيس عباده ورفيق من لا رفيق له..
 
كم كانت فرحتي عارمة، يوم أن توصل الصامدون من أبناء فلسطين المحتلة إلى إعلان إنهاء الحرب من دون أن يرفعوا راية الاستسلام، ولا الأعلم البيضاء.. ذكروني بأيام خلت قرأت عنها في تاريخ بلادي، وسمعت عنها في الأمثال لدى دول الجوار، فكلهم وقفوا ضد الاحتلال والاستعمار والحماية، ودفعوا مهر الحرية والاستقلال دماء زكية نقف إجلالا لها في كل وقت وحين..
 
معركة الاستقلال وطرد الاحتلال لا تقل أهمية عن معارك الحرية والتنمية والسيادة.. فقوام هذه المعارك كلها يلخصها مفهوم واحد هو الكرامة الإنسانية التي خلق الله البشر عليها..
 
عام آخر من عمري يدخل التاريخ، ومعه أطوي عاما آخر في منفاي الاختياري بعد أن غدا وطني مكبلا، بقيود الظلم والطغيان والاستغلال.. 
 
لا أحد يمكنه أن ينسى ماضيه، ولا تراب في الأرض يمكنه أن يعوض تربة بلادي التي ولدت فيها وتربيت فيها، وفي أحضان أرضها ترقد جثامين آبائي وأجدادي بعد أن خلدوا إلى تلك الديار التي لم يعد من الذاهبين إليها أحد.. 
 
لا أخفيكم سرا أن وجع الغربة لا دواء له، إلا ما أسمعه من آمال وثقة بالمستقبل من أستاذي وصديقي المفكر الجزائري الأخ العزيز محمد العربي زيتوت، وهو واحد من رجالات الجزائر الذين وهبوا أنفسهم للدفاع عن كرامة وطنهم وأهلهم، وانحازوا لقيم العدل والحرية والكرامة..
 
مازلت مطمئنا إلى أن المقبل من الأيام، هي الأجمل والأبهى، وأن الشعب الجزائري مثل مثل بقية شعولب الأرض يستحق أن يعيش على أرضه حرا كريما، لا سيما وقد حبا الله الجزائر بثروات طبيعية هائلة لا تطعم شعب الجزائر وحده، بل إنها كفيلة بإطعام الملايين من أبناء أمتنا العربية والإ‘سلامية، التي يموت المئات من أبنائها بسبب الجوع والعطش وقساوة المناخ..
 
لكم هو مؤلم فعلا، أن يظهر من أبناء بلدي ومن نخبه السياسية والإعلامية، من ينحاز إلى الظلم والاستبداد، ناسيا أن مهمته الأولى هي ترجمة آية الاستخلاف في الأرض، وأساسها إقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. 
 
الدنيا ليست إلا رحلة عابرة، تماما مثل أعمارنا التي نعد سنواتها، ونحتفل كل عام ببلوغنا العام الجديد، وننسى أننا كلما تقدمنا في العمر كلما اقتربنا من النهاية.. نهاية هذه الرحلة والاقتراب من حياة جديدة نأمل أن يرحمنا فيها رب العباد.. وحتى تلك النقطة لن نيأس من غراسة الأشجار المثمرة، والورود ذات الرائحة الزكية، التي سنخلدها للأجيال المقبلة.. والأشجار والورود التي أقصد، هي تماما تلك القيم التي تعكس فطرتنا الإنسانية الخالية من كل شائبة.. 
 
ولأنه لا دار للمرء بعد الموت يسكنها التي كان قبل الموت يبنيها، فإن علينا جميعا أن نلتف حول فطرتنا الإنسانية وأن نزيل كل الأحقاد التي بيننا، وونغادر مربع الخلافات البينية العابرة، وصولا إلى تحقيق مجتمع متآلف متأخ خال من الكراهية والبغضاء.. ووطن يتسع لجميع أبنائه وتخلو سجونه من أهل الرأي والحكمة.. وأن نمد يدنا لجوارنا المغربي بعيدا عن المكايدة وتصيد العثرات..
 
هذا ما لدي في عيد ميلادي السادس والخمسين..
 
كريم مولاي/ خبير أمني جزائري