لعل الراسخ أن التهافت على رئاسة الجماعات الترابية تتحكم فيه بالدرجة الأولى والأخيرة نزوة المسؤولية ومتاعها وما يرافقها من مكتسبات شخصية محضة.
وإذا كانت المصلحة العامة هي دافع بعض الشرفاء النزهاء، فتلك نقطة تكاد تلتقطها عين المجهر وسط محيط جارف نهمه وكاسح طمعه.
هل من المعقول، وهل من المنطق، أن يرهن منتخب حياته وينذر كامل وقته من أجل المواطنين والمواطنات عااا لله في سبيل الله؟
هل هذا نبي أم رسول أبى إلا أن ينذر نفسه في سبيل الناس ويطمع فقط في الثواب من الله، في زهد مطلق عن متاع الدنيا المضمون من كرسي الجماعة وخزائنها؟
إن المصالح الشخصية هي الهدف...
إن الميزانيات والصفقات والرخص هي المبتغى...
إن السيولة المالية هي المغناطيس الجذاب...
إن نسج العلاقات الربحية هي المحدد صوب كراسي الجماعات الترابية ومدخراتها.
وهنا تتواتر الأخطاء، وتتناثر التبريرات، وتتنوع الانزلاقات الإدارية والمالية. لكن الرادار ديال العمالات قد يكون معطلاً من أجل التدخلات المباشرة لتدارك الحالات التي يتم فيها تجاوز كل علامات التشوير على طول السكة الجماعية، وفقاً لروح القوانين الضابطة.
كم من الجماعات المحلية وعبر تراب المملكة كانت مسرحاً لكثير من الشكايات بشأن شتى التجاوزات الإدارية والانزلاقات المالية؟
هل كان تدخل مصالح العمالات بحجم ومستوى عدد الشكايات والتظلمات؟
هل بادرت رادارات العمالات بعمليات استباقية قبل وقوع الفأس في الرأس، في حدود اختصاصاتها الملزمة؟
وأين دور الأحزاب السياسية في تتبع منتخبيها، ولا سيما رؤساء الجماعات المنتمين لها، ولو على سبيل الإعارة في انتظار الانتقالات الشتوية في القادم من عمر البطولة الانتخابية؟
وأين دور الجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات؟ بل وما أهداف إنشائها أصلاً؟
وما مدى وقع المجالس العليا للحسابات وقضاتها؟
وهل نجحت محاكم جرائم الأموال في فرملة نزيف السرقة والهريف على المال العام؟
وهل كان التفوق حليف وزارة الداخلية ومختلف إداراتها المعنية في أجرأة سلة من القرارات والتوجيهات والبلاغات التي تكاد لا تنتهي؟
علاش مؤشر التفرعين والفتوة ديال كثير من المسؤولين الجماعيين ما بغاش يهبط؟
هل فقدنا هيبة كافة المؤسسات؟
هل انسلخنا من عباءة "دولة" وساقنا الرؤساء إلى "لا دولة" ونحن صاغرون وفاقدون لكل الإرادة؟
والمحصلة هي فسح المجال للمتربصين بالجماعات ليشهروا كافة الأسلحة المشروعة واللامشروعة لإسقاط الرئيس ليتقلدوا مكانه. وفي معركتهم، يسخرون مليشيات سواء من داخل المجالس أو من خارجها، بغية الهدم والترياب مقابل الفتات بعدما يقومون بتوفير كل مستلزمات اللوجستيك في عملية النبش والهدم.
لقد صار إسقاط "رئيس" موضة مغربية بامتياز. وصار في كثير من الجماعات موقفاً للهدامة المتخصصين في الحفر والردم، رهن الإشارة، يعتمد عليهم في وأد مصالح المواطنين وقبر مجالهم في حفرة سحيقة.
متفرغون ومتخصصون في الحروب لإسقاط الرئيس وصعود رئيس آخر، ليمتهن المخلوع وزبانيته رياضة الهدم من الضفة الأخرى. وهكذا دواليك، إلى أن تفعل الكائنات السياسية شر أفعالها ومكائدها.
أعيدوا للسياسة روحها، ورفقاً بوطن عانى كل تلاوين الشرور على أيدي من ظنهم لجروحه مسعفين، وهم شرذمة منافقون وعلى الوطن متآمرون.
حولوا رقعتنا إلى قصعة عليها مجتمعون مفترسون، وعن كل القوانين مبتعدون، وعن الأخلاق منسلخون.
سعيد عاتيق/ فاعل حقوقي ومستشار جماعي