الأربعاء 5 فبراير 2025
كتاب الرأي

كريم مولاي: الجزائر في أسواق المزاد.. لماذا؟

كريم مولاي: الجزائر في أسواق المزاد.. لماذا؟ كريم مولاي

يعتقد بعضنا أن الإطاحة بنظام البعث الأسدي في سوريا، إنما يعكس مؤامرة دولية التقت مصالح قوى دولية نافذة اقتضت نفض اليد من الرهان على نظام دموي أذاق شعبه من صنوف العذاب والتنكيل ما تنوء به كل الكائنات الحي منها والجامد..

 

وهذا اعتقاد وارد، إذ أن الأنظمة في العموم لها شروط معروفة لقيامها واستمرارها.. ومن بين أهم شروط البقاء ليس فقط أن تضمن شرعية داخلية تحمي ظهرك من رميات السيوف الصديقة وإنما أيضا أن تتمكن من تأمين أصدقاء بل وحلفاء إقليميين ودوليين يأمنون لك وتأمن لهم من غدر السياسة حين تضطرب أمواجها وتتعارض مصالح أطرافها..

 

لم تكن سوريا العروبة دولة فقيرة ولا على هامش التاريخ حين دب العسكر إلى مفاصلها وهيمن على مؤسساتها مستأنسا بتجربة ثورة يوليو التي أقعدت مصر عن دورها الحضاري وقادتها إلى كامب ديفيد.. وهكذا لا فرق بين قوميي مصر الناصريين ولا بعثيي سوريا العفلقيين الذين سرعان ما استحالوا إلى علويين ثم أسديين ضاقت صدورهم وعقولهم بكل مخالف بل ومفكر حتى..

 

ظن البعثيون، وفي بعض الظن السياسي حق، أن شعارات العروبة أولا ثم المقاومة ثانيا قولا لا فعلا من شأنها أن تقوي ظهر النظام السياسي وتشد عضده في مواجهة شعب مبدع ليس للأبجدية التي تولد الأفكار فقط. بل وفي صناعة التاريخ وكتابته..

 

ولكم ردد قادة النظام السوري البائد شعارات الصمود والتصدي ووزعوا أوصاف العمالة والخيانة على شعبهم الأعزل الذي استفاق العرب والعالم ذات يوم من ايام شهر ديسمبر من العام ٢٠٢٤ على أهوال ربما لا تقع حتى في جهنم عافانا وعافاكم الله..

 

ولعل لسائل أن يواجهني مستنكرا: وما بالك وأنت الجزائري الذي خبر القادة والحكام عن قرب في دولة عربي كبرى وغنية ولا تزال تستأثر بمكانة مرموقة بين الدول بما ورثه أبناؤها عن جيل التحرير من قيم الصدق والثبات، تستذكر البائس من تاريخ سوريا ولا تتحدث لنا عن أجيال التحرير والبناء التي بدأت في العودة إلى بلادها تماما مثلما تفعل النوارس حين تأوي إلى عشوشها التي تحميها من أهوال الزمان؟

 

وجوابي المباشر، أنني أستحضر الانبعاث السوري من رماد الموت، لأن ما تمارسه قيادة بلادي الجزائر بحقنا نحن الجزائريين، هو ذاته ما فعله البعث بالسوريين.. ولن أعود إلى العشرية السوداء التي لم نكتب بعد تاريخها بعد، والتي خلفت ما لا يقل عن ربع مليون قتيل وأضعافهم من المفقودين ومجهولي المصير، ولكنني أستحضر صورة أكثر لؤما وبشاعة، إذ من أجل أن تبقى ذات القيادة العسكرية متحكمة في رقابنا حولت البلاد بما فيها من ثروات طبيعية وبشرية إلى بضاعة للبيع بالمزاد لمن يدفع أكثر..

 

بين روسيا والصين والولايات المتحدة يجب أن تختار فرنسا، أن تعود عن موقفها المؤيد لخيار الحكم الذاتي للصحراويين المغاربة، أو أن يتم استبدالها بواحدة من هذه الدول وبمزايا تفضيلية..

 

لاحظوا معي حجم الفجيعة عندما تتحول بلاد بحجم الجزائر وتاريخها إلى رهينة والهدف تفتيت دولة جار، وتأبيد عداوات لا مبرر لها ماضيا ولا حاضرا ولا مستقبلا..

 

كريم مولاي، خبير أمني جزائري - لندن