كتب الكثير عن تسرُّع المقاومة الفلسطينية في اتخاذها قرار الهجوم المباغت في هذا اليوم، كما هاجم الكثير العاطفة التي انطلق منها البعض في الدفاع عن ذاك الهجوم على قاعدة هزيمة الجيش الذي لا يُقهَر، وإظهار فشل شبكة الاستخبارات الإسرأمريكية وعدم قدرتها على إحباط الهجوم هذا. علاوة على انزعاج البعض من الصورة التحليلية اليومية التي كان يقدمها المحلل الدويري، واتهامه بتفخيم النملة، واتهام الجزيرة بأنها تخفي الوجه الآخر (وجه الهزيمة والخسران البشري والمادي).
كتب الجميع حول أن يوم الهجوم هو يومٌ مشؤوم أعطى الذريعة لإسرائيل لحرق غزة وأهلها، وكأن غزة قبل السابع من أكتوبر كانت واشنطن العاصمة العالمية المنفتحة على العالم برًا وبحرًا وجوًا. كتبوا كثيرًا عن قادة المقاومة وأبنائهم الذين يعيشون في القصور وتركوا الشعب المسكين يغرق في الموت، وهربوا إلى الفنادق ولم يسكنوا الأنفاق. كتب الكثير عن ما وصفوها بمسرحيات إيرانية جنوب لبنانية، وكيف أن مخرجي هذه المسرحيات (قادة حزب الله والقادة العسكريين الإيرانيين) تركوا غزة وحيدة.
كتب الجميع عن مطلب ضرورة وقف العدوان والهجوم الهمجي البربري الذي تمارسه قوات المقاومة (حماس خاصة وكتائبها)، والرضوخ للشروط الإنسانية التي تطلبها إسرائيل (الضحية)، وخاصة إعادة الأسرى الصهاينة الأبرياء إلى عائلاتهم، باعتبار ذلك التصرف اعتذارًا واعترافًا بالخطأ المشؤوم (هجوم السابع من أكتوبر). كتب الكثير عن أشياء كثيرة، خلاصتها وعصارتها أن حركة المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس قد أغرقت غزة في الوحل وألقت بها في البحر من خلال طوفانها الأسود.
ولكنهم لم يكتبوا حول مجموعة من الحقائق، عنوانها أن السابع من أكتوبر كشف عن نكسة حقيقية دينية وعالمية وعربية، وذلك من خلال:
أولًا: إن ما قامت به إسرائيل من هجوم بربري هو تعدٍّ وتحدٍّ صارخ على الدين الإسلامي وكل الشرائع السماوية، فلا دين ولا شرع عاشته الإنسانية يقر قتل النساء والأطفال والشيوخ والأجنة في بطون أمهاتهم، ولا دين ولا شريعة تقر الاعتداء على أعراض النساء وانتهاكها. وليست المقصود والمبكي عليه هو الانتهاك بل صمت المسلمين ومشايخهم والمسيحيين وباباواتهم وأباطرتهم، واليهود وحاخاماتهم عن هذه الانتهاكات والانحناء لها وفي بعض الأحيان تبريرها.
لقد جاء الهجوم ليكشف حقيقة تخلي العالم الديني، وخاصة المسلمين، عن الشعب الفلسطيني وتركهم يُبادون دون أن يهبوا لنصرتهم والدفاع عنهم. وعليه، فهنا أديان بلا متدينين، وهنا إسلام يدينه متأسلمون ومستسلمون. وهذه هي النكسة الدينية التي تجلت في السابع من أكتوبر.
ثانيًا: منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام العالم الجديد بما فيه من قوى عظمى ومنظمات دولية ترعى السلام وتحفظ الأمن، والعالم يتغنى من خلال مؤتمراته ومواثيقه الدولية بالمساواة في السيادة وحفظ السلام والأمن الدوليين.
وها هو السابع من أكتوبر يكشف زيف هذه الشعارات، فلا الجمعية العامة ولا مجلس الأمن ولا محكمة العدل الدولية قادرة على إيقاف هذا العدوان الوحشي اللاإنساني على الشعب الفلسطيني. لم يستطع العالم بكل مهرجاناته التي تتغنى بحقوق الإنسان أن يدخل الماء أو الغذاء لغزة.
أما بالنسبة لقواه العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية، فلم تألُ جهدًا في دعم المعتدي بكل أنواع الأسلحة والقنابل المدمرة التي فتكت بأرواح شعب غزة، علاوة على تبنيها لأي فيتو (حق الاعتراض) على أي قرار أممي قد يدين إسرائيل. فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وغيرها من حاكمي العالم كشف السابع من أكتوبر اللثام عن وجوههم وكشف حقيقة ضعفهم أمام الإرادة الإسرائيلية. وعليه، فيوم الهجوم كان نكسة عالمية بكل تفاصيل النكسة.
ثالثًا: أجمل شعارات ميثاق جامعة الدول العربية هي: "همٌّ واحد وحلمٌ واحد ومستقبلٌ واحد، تعاونٌ مشترك وسلامة وأمن وسيادة الجميع واستقلاله". كل هذا -والله أعلم- قد يكون أُخذ في الاعتبار عند اتخاذ قرار هجوم السابع من أكتوبر، وأن الأنظمة العربية لن تترك الشعب الفلسطيني يغرق في مقاومة الاحتلال وحده، فلا القومية العربية ولا وحدة الدين والتاريخ والمصير والجغرافيا تسمح بأن يعلق الفلسطينيون وحدهم في مقاومة عدو العرب والعروبة بأكملها (إسرائيل).
لكن ما حدث كان مختلفًا تمامًا لما هو متوقع. فلا عرب ولا عروبة ولا أنظمة عربية قائمة فعلاً، بحيث أن لكلٍّ اعتباراته وحساباته التي جعلته يقع أسيرًا لها (مصالح أمنية ومصالح اقتصادية ومصالح كرسي الحكم ومصيره). ولعل ما قاله بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الحرب، في تهديده للدول العربية بعدم التدخل وإلا سيؤثر على وجودها كان أكبر دليل على أن كلًّا منهم بات يخشى على نفسه، بل وصلت الأمور لدى البعض إلى حد دعم إسرائيل سرًا في حربها ضد أهل غزة.
ولقد كانت مطالبات المقاومة في غزة من العرب ليست شنَّ حرب على إسرائيل، بل استخدام التطبيع -إن لم يعد بيدهم قطعه- استخدامه في إدخال المساعدات الإنسانية (الدواء والغذاء)، ولكنهم حتى على ذلك لم يستطيعوا، إلا البعض منهم (المملكة المغربية). جاء السابع من أكتوبر ليكشف عن نكسة عربية جديدة، نكسة ليست عسكرية فحسب، بل سياسية أيضًا.
وأخيرًا: لمن كتبوا عمّن أغرقوا غزة واتهموا مقاومتها وقادتها، نخبركم بأنكم كتبتم عن كل شيء ولم تكتبوا أن إسماعيل هنية استشهد اغتيالًا، وأن أولاده سبقوه، وأن السنوار لم يحتمِ بالأسرى الإسرائيليين، بل قاتل بسلاحه وعصاه واستشهد وحيدًا في ساحة المعركة، وأن أبناء المقاومة غالبيتهم استشهدوا ودُمرت بيوتهم، وأن غزة لم تكن يومًا نيويورك بل عاشت عمرها كله محاصرة، وأن حزب الله خسر كل قادته اغتيالًا.
وأنه لم يكن خطأ في السابع من أكتوبر سوى الحسابات الدينية والعالمية والعربية التي كانت حسابات خاطئة من قبل صانعي قرار السابع من أكتوبر. وأن السابع من أكتوبر كشف القناع عن نكسة حقيقية في تاريخ البشرية.
كتب الجميع حول أن يوم الهجوم هو يومٌ مشؤوم أعطى الذريعة لإسرائيل لحرق غزة وأهلها، وكأن غزة قبل السابع من أكتوبر كانت واشنطن العاصمة العالمية المنفتحة على العالم برًا وبحرًا وجوًا. كتبوا كثيرًا عن قادة المقاومة وأبنائهم الذين يعيشون في القصور وتركوا الشعب المسكين يغرق في الموت، وهربوا إلى الفنادق ولم يسكنوا الأنفاق. كتب الكثير عن ما وصفوها بمسرحيات إيرانية جنوب لبنانية، وكيف أن مخرجي هذه المسرحيات (قادة حزب الله والقادة العسكريين الإيرانيين) تركوا غزة وحيدة.
كتب الجميع عن مطلب ضرورة وقف العدوان والهجوم الهمجي البربري الذي تمارسه قوات المقاومة (حماس خاصة وكتائبها)، والرضوخ للشروط الإنسانية التي تطلبها إسرائيل (الضحية)، وخاصة إعادة الأسرى الصهاينة الأبرياء إلى عائلاتهم، باعتبار ذلك التصرف اعتذارًا واعترافًا بالخطأ المشؤوم (هجوم السابع من أكتوبر). كتب الكثير عن أشياء كثيرة، خلاصتها وعصارتها أن حركة المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس قد أغرقت غزة في الوحل وألقت بها في البحر من خلال طوفانها الأسود.
ولكنهم لم يكتبوا حول مجموعة من الحقائق، عنوانها أن السابع من أكتوبر كشف عن نكسة حقيقية دينية وعالمية وعربية، وذلك من خلال:
أولًا: إن ما قامت به إسرائيل من هجوم بربري هو تعدٍّ وتحدٍّ صارخ على الدين الإسلامي وكل الشرائع السماوية، فلا دين ولا شرع عاشته الإنسانية يقر قتل النساء والأطفال والشيوخ والأجنة في بطون أمهاتهم، ولا دين ولا شريعة تقر الاعتداء على أعراض النساء وانتهاكها. وليست المقصود والمبكي عليه هو الانتهاك بل صمت المسلمين ومشايخهم والمسيحيين وباباواتهم وأباطرتهم، واليهود وحاخاماتهم عن هذه الانتهاكات والانحناء لها وفي بعض الأحيان تبريرها.
لقد جاء الهجوم ليكشف حقيقة تخلي العالم الديني، وخاصة المسلمين، عن الشعب الفلسطيني وتركهم يُبادون دون أن يهبوا لنصرتهم والدفاع عنهم. وعليه، فهنا أديان بلا متدينين، وهنا إسلام يدينه متأسلمون ومستسلمون. وهذه هي النكسة الدينية التي تجلت في السابع من أكتوبر.
ثانيًا: منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام العالم الجديد بما فيه من قوى عظمى ومنظمات دولية ترعى السلام وتحفظ الأمن، والعالم يتغنى من خلال مؤتمراته ومواثيقه الدولية بالمساواة في السيادة وحفظ السلام والأمن الدوليين.
وها هو السابع من أكتوبر يكشف زيف هذه الشعارات، فلا الجمعية العامة ولا مجلس الأمن ولا محكمة العدل الدولية قادرة على إيقاف هذا العدوان الوحشي اللاإنساني على الشعب الفلسطيني. لم يستطع العالم بكل مهرجاناته التي تتغنى بحقوق الإنسان أن يدخل الماء أو الغذاء لغزة.
أما بالنسبة لقواه العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية، فلم تألُ جهدًا في دعم المعتدي بكل أنواع الأسلحة والقنابل المدمرة التي فتكت بأرواح شعب غزة، علاوة على تبنيها لأي فيتو (حق الاعتراض) على أي قرار أممي قد يدين إسرائيل. فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وغيرها من حاكمي العالم كشف السابع من أكتوبر اللثام عن وجوههم وكشف حقيقة ضعفهم أمام الإرادة الإسرائيلية. وعليه، فيوم الهجوم كان نكسة عالمية بكل تفاصيل النكسة.
ثالثًا: أجمل شعارات ميثاق جامعة الدول العربية هي: "همٌّ واحد وحلمٌ واحد ومستقبلٌ واحد، تعاونٌ مشترك وسلامة وأمن وسيادة الجميع واستقلاله". كل هذا -والله أعلم- قد يكون أُخذ في الاعتبار عند اتخاذ قرار هجوم السابع من أكتوبر، وأن الأنظمة العربية لن تترك الشعب الفلسطيني يغرق في مقاومة الاحتلال وحده، فلا القومية العربية ولا وحدة الدين والتاريخ والمصير والجغرافيا تسمح بأن يعلق الفلسطينيون وحدهم في مقاومة عدو العرب والعروبة بأكملها (إسرائيل).
لكن ما حدث كان مختلفًا تمامًا لما هو متوقع. فلا عرب ولا عروبة ولا أنظمة عربية قائمة فعلاً، بحيث أن لكلٍّ اعتباراته وحساباته التي جعلته يقع أسيرًا لها (مصالح أمنية ومصالح اقتصادية ومصالح كرسي الحكم ومصيره). ولعل ما قاله بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الحرب، في تهديده للدول العربية بعدم التدخل وإلا سيؤثر على وجودها كان أكبر دليل على أن كلًّا منهم بات يخشى على نفسه، بل وصلت الأمور لدى البعض إلى حد دعم إسرائيل سرًا في حربها ضد أهل غزة.
ولقد كانت مطالبات المقاومة في غزة من العرب ليست شنَّ حرب على إسرائيل، بل استخدام التطبيع -إن لم يعد بيدهم قطعه- استخدامه في إدخال المساعدات الإنسانية (الدواء والغذاء)، ولكنهم حتى على ذلك لم يستطيعوا، إلا البعض منهم (المملكة المغربية). جاء السابع من أكتوبر ليكشف عن نكسة عربية جديدة، نكسة ليست عسكرية فحسب، بل سياسية أيضًا.
وأخيرًا: لمن كتبوا عمّن أغرقوا غزة واتهموا مقاومتها وقادتها، نخبركم بأنكم كتبتم عن كل شيء ولم تكتبوا أن إسماعيل هنية استشهد اغتيالًا، وأن أولاده سبقوه، وأن السنوار لم يحتمِ بالأسرى الإسرائيليين، بل قاتل بسلاحه وعصاه واستشهد وحيدًا في ساحة المعركة، وأن أبناء المقاومة غالبيتهم استشهدوا ودُمرت بيوتهم، وأن غزة لم تكن يومًا نيويورك بل عاشت عمرها كله محاصرة، وأن حزب الله خسر كل قادته اغتيالًا.
وأنه لم يكن خطأ في السابع من أكتوبر سوى الحسابات الدينية والعالمية والعربية التي كانت حسابات خاطئة من قبل صانعي قرار السابع من أكتوبر. وأن السابع من أكتوبر كشف القناع عن نكسة حقيقية في تاريخ البشرية.
الدكتور، يوسف البردويل، كاتب فلسطيني