منذ قرابة الخمسين عاما، اختارت جمهورية الجزائر سياسة معاداة المملكة المغربية الشريفة بدلا من نهج سياسة الحوار بناء وحسن الجوار بغية تحقيق التنمية المشتركة والمرجوة، شكلت سنة 1975 نقطة انطلاق هذه السياسة التي وضعت فيها الجزائر دعمها الكامل لإنشاء كيان وهمي تحت مسمى "البوليساريو"، وذلك بهدف إحراج المغرب والهيمنة/السيطرة على جزء من أقاليم الصحراء المغربية. لكن اليوم، بعد عقود من الصراع والضغائن/المؤامرات، يتضح أن الجزائر قد خسرت كل شيء تقريبا وانتهى بها الحال الى وضع مثير للشفقة راكمت من خلاله إرثا ثقيلا من الخسائر السياسية والاقتصادية والاستنزاف الداخلي.
دعم الجزائر للبوليساريو: الأهداف والوهم
إن دعم الجمهورية الجزائرية لجبهة البوليساريو لم يكن مجرد مسألة دفاع وترافع عن حق شعب في تقرير مصيره كما تدعي أو كما قد يظهر للرأي العام الدولي، بل كان دعما مسندا بدوافع جيوسياسية تستند إلى فرض سيطرة إقليمية على الصحراء المغربية. ورغم الدعم العسكري والمالي الذي استمر لعقود والذي أرهق كاهل الشعب الجزائري الصديق، لم تنجح الجزائر في تحقيق أهدافها المسطرة على خريطة وهمية صممت خارج الزمن الدولي للواقعية، ومن هذا المنطلق شكلت البوليساريو، منذ تأسيسها، عبئا اقتصاديا وسياسيا سيساهم لا محالة في زعزعة استقرار الجارة الصديقة خصوصا مع ،إصرارها في كل مرة على رصد ميزانيات ضخمة لتمويل الكيان المذكور وتسويق الاوهام التي أكل الدهر عليها وشرب.
وفي السنوات الأخيرة من عهد جلالة الملك محمد السادس، حققت المملكة المغربية الشريفة سلسلة من الانتصارات الدبلوماسية بفضل حكمة وحكامة قائد الديبلوماسية الرسمية الملك محمد السادس، وهي الانتصارات التي أضرت -عن غير قصد- بمكانة الجزائر الصديقة الداعمة لعصابة البوليساريو في المنتظم الدولي (المحافل الدولية والأممية)، فالعديد من الدول الكبرى داخل مجلس الأمن أعلنت بوضوح دعمها لمخطط الحكم الذاتي كحل سياسي أمثل وأنجع لضمان السلم والأمن بالصحراء المغربية تحت السيادة الوطنية للمملكة الشريفة، فالتراكم الموضوعي والترافعي العقلاني عن الملف -منذ مطلع العهد الجديد- حظي بالاعتراف الدولي بأحقية المغرب على أقاليمه الجنوبية وهي قراءة مستلهمة ومستوحاة من الانتصارات الديبلوماسية التي جسدتها الارادة السياسية للعديد من الدول الصديقة التي قررت فتح قنصليات لها بمدينتي العيون والداخلة وهي خطوة ترخي بظلال المشروعية على المجهودات التي يبذلها المغرب في هذا السياق. وفي المقابل، أصبحت الجزائر وحيدة، تواجه صعوبات وتحديات كبيرة في الحصول على تأييد لموقفها الذي بات يبدو أمام المجتمع الدولي عديم الأساس.
فشل سياسي وتنموي في عقر دار الجارة الصديقة فيما تستمر الجمهورية الجزائرية الصديقة في ضخ ميزانيات ورصد اعتمادات هائلة لدعم عصابة البوليساريو، فيما تعاني وتتخبط البلاد في أزمات داخلية عديدة وقد لا تكون المناسبة سانحة لتسليط الضوء عليها -اللهم لا شماتة-، فعلى الرغم من امتلاكها لثروات طبيعية مثل الغاز الطبيعي الذي صنفت الجزائر العاشر عالميا والأول إفريقيا ضمن أكبر البلدان المنتجة للغاز الطبيعي، لا تزال الجارة تفتقر إلى معدلات نمو اقتصادي قوي، مندمج ومستدام، كما لم تحقق أية تطورات تنموية ترقى لتطلعات الشعب الجزائري وتلبي احتياجاته وتعود بالنفع عليه، إن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية من بطالة وسوء الخدمات الصحية والتعليمية وضعف البنية التحتية، كلها تعكس عدم قدرة النظام الجزائري على إدارة ثروات البلاد بالشكل الذي يساهم في تحسين أوضاع المواطنين.
على عكس ما سبق، الميزانيات المبنية على باطل، التي تم رصدها لدعم البوليساريو كان من الممكن أن توجه إلى مشاريع تنموية من شأنها تحسين حياة المواطن الجزائري اليومية وخلق فرص عمل وتحقيق الاكتفاء الوطني من التموين بدل الاستمرار في الاستعراضات القممية (القمة/القمامة) البهلوانية والتصفيق للوهم، والحقيقة أن الاستمرار في مشاهدة المواطن الجزائري في طابور الحليب والعدس أصبحت تمثل مأساة تستدعي إعادة النظر في السياسات العامة للجارة الصديقة بدل نهج سياسة دعم البوليساريو التي أظهرت أنها سياسة تفتقر إلى الرؤية السليمة للمستقبل.
نجاحات المغرب الدبلوماسية... رؤية ملكية طموحة نحو التنمية الشاملة والسلام المستدام
حققت المملكة المغربية الشريفة نجاحات دبلوماسية كبيرة على مستوى الساحة الدولية، من خلال تحالفات واسعة واستراتيجية تنموية متميزة. فالمملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، وضعت على أولوياتها تحسين مستوى العيش للشعب المغربي والحد من جميع مظاهر وتمظهرات الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، من خلال الاستثمار في البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد الوطني، علاوة على السياسة الخارجية المغربية التي حقتت مكاسب ومكتسبات دولية ساهمت في انتزاع دعم دولي متزايد لصالح الوحدة الترابية، وما كان لهذا النجاح الدبلوماسي إلا أن يعزز خيار مقترح الحكم الذاتي، حيث تلقى دعما واضحا من دول كبرى وازنة داخل مجلس الأمن الدولي وخارجه، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، اسرائيل، الجمهورية الفرنسية وعدد من الدول الإفريقية والعربية التي قامت بفتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية المغربية، تعبيرًا عن دعمها للمقترحات الجادة التي أدلت بها وتقدمت المملكة المغربية.
الجزائر بين الوهم والحقيقة
يتضح بما لا يدعو مجالا للشك أن الجمهورية الجزائرية -نظام عسكري- قد ربحت كيانا وهميا تحول إلى عبء يثقل كاهلها ماليا وسياسيا لم تجنِ من وراء دعمها له (عصابة البوليساريو) سوى المزيد من العزلة الإقليمية والدولية، بينما يستمر المغرب في تعزيز مكانته الاقتصادية والدبلوماسية، وتبني مشاريع عبقرية لضمان التنمية المستدامة المرجوة بغية تحسين جودة حياة المواطنين عامة ومواطني الأقاليم الجنوبية على وجه الخصوص.
إن الحقيقة اليوم تؤكد أن الرهان الجزائري على حفنة البوليساريو لم يكن سوى وهم، في حين أن المملكة المغربية الشريفة بذكاء ملكها اختارت مسارا مختلفا ومتفرّدا، مبنيا على التنمية الترابية والتعاون الدولي وهو ما يرسخ مكانتها كدولة قوية ذات سيادة على كامل أراضيها من طنجة الى الكويرة....
أنوار قورية، دكتور في الإعلام والسياسات الدولية