في سياق مشروع برنامج "حلول مبتكرة للتنمية الجهوية" الذي اقترحته منظمة التعاون الألماني بعد التوقيع على حروفه الأولى في نونبر 2019، بين الحكومة المغربية والجمهورية الفيدرالية الألمانية، والذي اختارت لتنزيله ثلاث جهات بالمملكة المغربية، وهي "جهة سوس ماسة"، وجهة "كلميم واد نون"، ثم جهة "مراكش أسفي"، حيث يمتد هذا المشروع على مدى ثلاثة سنوات ـ2024 إلى 2027ـ في أفق دعم الجهة من خلال إنجاز أولوياتها التنموية، ـ في هذا السياق ـ تابعت جريدة "أنفاس بريس" اليوم التواصلي والتشاوري حول مشاريع برنامج التنمية الجهوية لفائدة الشباب والنساء بقاعة الاجتماعات بعمالة اليوسفية يوم الإثنين 14 أكتوبر 2024، باعتباره يدخل في المرحلة الثانية للقاءات التشاورية بأقاليم وعمالات جهة مراكش أسفي الممتدة من 10 إلى 22 أكتوبر من السنة الجارية.
ومن أجل تعميم المعلومة وفتح نقاش عمومي حول التنمية الجهوية بجهة مراكش أسفي، نقدم لقراء "أنفاس بريس" مداخلة الباحث المصطفى حمزة باسم جمعية تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية، والتي ترافع من خلالها عن مقدرات إقليم اليوسفية وما يزخر به من معطيات تاريخية ومجالية، ونظرته لمعالجة بعض المشاكل مع تقديمه لحلول مبتكرة.
الجهة تستحوذ على مراتب متقدمة في هذه الأقطاب والمجالات
ثمّن الأستاذ المصطفى حمزة الباحث المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي جميع المداخلات التي أغنت النقاش الهادف والمثمر حول آفاق التنمية بإقليم اليوسفية برؤية جهوية بشراكة مع منظمة التعاون الألماني أو قطاعات حكومية ومؤسسات اقتصادية متعددة ومتنوعة. وقال في هذا الصدد بأن ما أثاره في العروض التي قدمت للمتلقي، هو تلك الأرقام التي تم بسطها كمدخل لهذا اللقاء التشاوري والتواصلي بخصوص مشروع التنمية الجهوية بجهة مراكش أسفي.
واعتبر نفس المتحدث أن تصنيف جهة مراكش أسفي وحيازتها على المرتبة الأولى كقطب للصناعة السياحية، أو في الرتبة الثانية كقطب فلاحي زراعي، أو في الصف الثاني على مستوى الصناعات الكيماوية، أو كأول قطب على مستوى الصناعة التقليدية... فذلك يشرف الجهة بطبيعة الحال، ويحق لها أن تفتخر بهذا التصنيف والترتيب الجهوي والمحافظة عليه بتعزيز وتقوية الاشتغال على المشاريع ذات الأولوية.
وأوضح الأستاذ حمزة بأن فخر جهة مراكش أسفي وتألقها في هذه المرتبة المتعددة الأقطاب، يتمثل في العديد من المعطيات المشرقة ذات الأهمية البالغة على المستوى التاريخي وتتمثل في ستة مفاتيح وهي كالتالي:
1 ـ المفتاح الأول : أنها جهة مراكش أسفي هي التي تم فيها العثور ـ تحديدا بجماعة إيغود بإقليم اليوسفية ـ على أقدم إنسان في العالم. وهو إنسان إيغود ـ 315 ألف سنة ـ
2 ـ المفتاح الثاني : أنها الجهة التي كانت سباقة لدخول الإسلام، سواء أخذنا برواية المؤرخين الذين تحدثوا عن حضور شاكر الأزدي رفقة عقبة بن نافع الفهري، أو عن الرواية التي تتحدث عن رجال ركراكة الذين كان لهم تواصل مع الرسول ـ صلعم ـ حيث حملوا معهم كتابا قرأوه بمنطقة سيدي شيكر على المصامدة وبطبيعة الحال كانت له إيجابياته.
3 ـ المفتاح الثالث : أنها الجهة التي عرفت زراعة قصب السكر، خلال القرن السادس عشر، إلى جانب تمديد سواقي الرّي.
4 ـ المفتاح الرابع : أنها الجهة التي يوجد بها سد أﮜُوﮜْ ، الذي لا يذكره الكثير من ساكنة المنطقة، بل لا يذكرون القنطرة التي توجد عليها السّاقية والتي ترجع فترة إنشائها إلى القرن السادس عشر.
5 ـ المفتاح الخامس : أنها الجهة التي احتضنت مدرسة العلويين بمدينة الشماعية، والتي درس بها أغلب السلاطين والأمراء العلويين الذين عاشوا في القرن التاسع عشر، ابتداء من السلطان المولى سليمان، إلى السلطان مولاي عبد الحفيظ. لكن من المؤسف اليوم أن هذه المعلمة التاريخية التي تكون فيها هؤلاء السلاطين والأمراء وأبناء النخب في المغرب، لم يعطى لها حقها ومكانتها الاعتبارية من طرف جهة مراكش أسفي.
في سياق متصل طالب المصطفى حمزة بضرورة التفكير في هذه العلمة التاريخية، والتفكير في هذا التراث الذي نعتز به في إقليم اليوسفية خصوصا بعد أن تم إدراج مدرسة الأمراء كتراث وطني من طرف وزارة الثقافة والشباب والتواصل. ولا تنتظر اليوم سوى إعادة بناء مرافقها واصلاحها وترميم ما تبقى منها كرابط تاريخي وتراثي.
6 ـ المفتاح السادس : أنها الجهة التي كانت ومازالت تزخر بمادة الفوسفاط منذ الثلاثينيات، مما يستعدي استرجاع مكاسب وحقوق ساكنة اليوسفية على مستوى التشغيل والخدمات الاجتماعية والبيئية والثقافية والفنية...كمدخل أساسي للمصالحة مع المحيط.
ومادام الشيء بالشيء يذكر، فقد تطرق نفس المتدخل إلى الحديث عن البنيات التحية، حيث شدد على أهمية فتح شرايين الطرق بإقليم اليوسفية على منطقة "سِيدْ الزّْوِينْ" من خلال تعزيز الطريق المتجهة من منطقة سيدي شيكر، في أفق ربط جسور التواصل بين ساكنة الجنوب بإقليم اليوسفية ومدنية مراكش عبر واد تانسيفت وهذا سيكون مفيدا.
وعن محور خلق فرص الشغل للشباب بإقليم اليوسفية أكد المصطفى حمزة بقوله، إن كان مشروع التنمية الجهوية يتحدث عن التشغيل، ويبحث عن فرصها، فعليه الاهتمام بجدية بالمآثر التاريخية، والمواقع البيولوجية والإيكولوجية، فضلا عن المواقع السياحية ذات الصبغة الأركيولوجية ومآثر أخرى ذات صبغة صوفية كرباط شاكر، وأيضا ذات الصبغة البيئية مثل محمية الطالعة، وسبخة زيمة إلى جانب السدود المتواجدة بالمنطقة...فلابد أن يتم استحضارها بقوة في التخطيط والبرمجة، وأن يعطى لها حقها في الاهتمام والبرمجة والتنفيذ.
دائرة أحمر في الحاجة إلى مستشفى إسوة بدائرة الكنتور
وطالب بإلحاح بالتفكير في حق أساسي من حقوق الإنسان وهو الحق في الصحة، رغم حداثة الإقليم الذي ترقى سنة 2009، ويتعلق الأمر بإحداث مستشفى بدائرة أحمر، من أجل أن يستوعب عدد الساكنة التي تنتمي لهذا المجال الشاسع الأطراف، في أفق إعفاء المواطنات والمواطنين من التنقل يوميا صوب مدينة أسفي أو مراكش من أجل البحث عن فرصة علاج وتطبيب، وتساءل لماذا يظل الإنسان الحمري بصفة خاصة مقهورا في غياب مستشفى وموارد بشرية تقرب له الخدمة الصحية؟
في الحاجة إلى بناء سدين بمركز الكنتور ومركز رأس العين
وردا على مشروع حماية جماعة ومركز رأس العين من الفيضانات، فقد طالب نفس المتحدث بالتفكير الجدي في بناء سد تلي ستكون له فوائد كثيرة بجماعة الكنتور، حيث سيلعب دور الحدّ من مياه الفيضانات التي تتجه إلى مركز جماعة رأس العين، وسد تلي آخر برأس العين على اعتبار أن مجموعة من الأودية تحمل مياها كثيرة تأتي من هضبة الكنتور، خصوصا أن التجربة السابقة في بناء ثلاث سدود بالمنطقة توفر اليوم ما يقارب 600 مليون متر مكعب. لذلك شدد على أن فيضانات واد كاشكاط في أمس الحاجة إلى بناء سدين لتستفيد منهما المنطقة والفرشة المائية إلى جانب توفير فرص شغل.
التخطيط المستقبلي بالجماعات الترابية بإقليم اليوسفية
وشدد المصطفى حمزة على ضرورة التفكير والتخطيط في تدبير المجالات والمراكز المتواجدة بإقليم اليوسفية برؤية مستقبلية، وأن تعطى لها الأهمية من طرف الجهة، في علاقة بالبعد الاستراتيجي على مستوى التخطيط العمراني والحد من العشوائية، من خلال الحرص على إحداث تجزئات سكنية بمواصفات تكون قادرة على حل المشاكل المستقبلية بشوارع وأزقة فسيحة وواسعة تستوعب منسوب النمو الديمغرافي، وارتفاع حركة استعمال السيارات والمركبات.
المسارات والمسالك السياحية بجهة مراكش أسفي
وتساءل في ختام مداخلته عن مفهوم استمرارية الإدارة ومؤسساتها المنتخبة، حيث كانت الجهة قد تبنت مشروعا واعدا على مستوى المسارات والمسالك السياحية بإقليم اليوسفية، والتي كانت تتجه من مدنية أسفي عبر "واد تانسيفت" في اتجاه أقاليم الصويرة وشيشاوة ثم اليوسفية مرورا بالحوز ومراكش، على اعتبار أن المطلب كان حينئذ هو أن يمتد هذا المسار السياحي إلى حدود قلعة السراغنة في اتجاه الرحامنة...فما هو مصير هذا المشروع السياحي؟
في الحاجة إلى التمليك واسترجاع حقوق المرأة على مستوى الإرث؟
وأشار الباحث المصطفى حمزة في مداخلته القيمة، إلى أن نسبة الساكنة الحضرية بإقليم اليوسفية لا تتجاوز 33 في المائة ـ مدينة اليوسفية والشماعية ـ والباقي يشكل تقريبا 77 في المائة من ساكنة العالم القروي، وأكد في هذا السياق بأن هذا المشكل لا يتوقف هنا على مستوى الأرقام والنسب المتباينة، بل يتعداه إلى طبيعة الاقتصاد الذي تعتمده ساكنة العالم القروي بالإقليم، والمرتبط بالفلاحة وتربية المواشي، مما يجعلنا نسلط كشافات الضوء على المشكل الأساسي المتعلق بطبيعة الأراضي الفلاحية بهذا الإقليم في علاقة بالزراعة وتربية المواشي. على اعتبار أن أكثر من 71 في المائة هي أراضي الجموع أو أراضي الجماعات السلالية، حيث نعرف أن هذا النوع من الأٍراضي لا يشجع على الإنتاج ولا على الاستقرار بإقليم اليوسفية لأن الإنسان غير مطمئن على الأرض.
وأوضح بأن مشاكل هذا النوع من الأراضي ينعكس أيضا على نساء العالم القروي، لأن المرأة بالمنطقة ليس لها الحق في الإرث، واعتبر هذا المشكل تمييز خطير على المستوى الاجتماعي والحقوقي مما يعرقل كل تنمية مرتبطة بالعالم القروي حين يتم اغتصاب حق النساء القرويات في الإٍرث. في حين أن الرجل له كامل الحق في إرث أراضي الجموع والأراضي السلالية؟
تشجيع الشباب على الاستثمار في المقالع المعدنية بإقليم اليوسفية
ووصف في مداخلته العالم القروي بإقليم اليوسفية يعتبر منطقة عبور فقط، فأغلب الساكنة القروية اختارت أن تبحث عن الشغل بعدة مدن مثل أكادير والدار البيضاء وأسفي ومراكش وتعتبر المجال القروي مجرد منطقة عبور لا غير. وهذا هو واقع إقليم اليوسفية الحقيق ـ يؤكد المصطفى حمزة ـ دون أن يغفل الحديث على ما تحقق من مجهودات جبارة على مستوى البنيات التحتية من طرقات ومؤسسات تعليمية وصحية...وكشف على أن الإقليم يتوفر على مقدرات معدنية هامة مثل "الجبص والبارتين" ومن الواجب تشجيع الشباب على الاستثمار في المقالع المعدنية ودعم مقاولاتهم الصغيرة والمتوسطة ضمانا للاستقرار.