تعد قضية الصحراء المغربية واحدة من أبرز القضايا الوطنية التي جسدت ثبات الموقف المغربي وحكمة قيادته في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. فمنذ استرجاع الأقاليم الجنوبية، حرص المغرب على تأكيد مغربية الصحراء ليس فقط بالشرعية التاريخية، ولكن أيضا بمشروع تنموي وسياسي متكامل يجعل من المنطقة نموذجا في الاستقرار والازدهار.
وفي خضم التحولات العالمية، برزت السياسة الملكية لمحمد السادس كركيزة أساسية لترسيخ مقاربة تقوم على الواقعية والبراغماتية بدل منطق الصراع والمزايدات.
 فقد اختار المغرب، بإرادة سيادية راسخة، أن يقدم مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007 كحل سياسي نهائي للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء، وهو مقترح لقي ترحيبا واسعا من مجلس الأمن والأمم المتحدة وعدد متزايد من الدول الكبرى التي اعتبرته مبادرة "جدية وذات مصداقية".
الحكم الذاتي ليس مجرد طرح سياسي، بل مشروع حضاري وإنساني يؤمن بأن الحلول الدائمة تنبع من الحوار والتوافق، لا من الانفصال والعداء. وقد جسد هذا النموذج رؤية مغربية متقدمة في إدارة الاختلافات الإقليمية وفق منطق المشاركة الديمقراطية واحترام الخصوصيات الثقافية والاجتماعية لأقاليمنا الجنوبية.
ومن خلال المسار التنموي المتسارع الذي تشهده الصحراء المغربية، برهنت المملكة أن سيادتها على أقاليمها الجنوبية ليست شعاراً سياسياً، بل واقعا ملموسا في البنية التحتية، والاستثمارات، والتعليم، والمشاريع الكبرى التي جعلت من مدينتي العيون والداخلة ركيزتين استراتيجيتين للربط بين المغرب وعمقه الإفريقي.
لقد جعل الملك محمد السادس من قضية الصحراء أولوية وطنية كبرى، ليس فقط على مستوى الخطاب، بل على مستوى الفعل التنموي والميداني، عبر مشاريع كبرى غيرت وجه الأقاليم الجنوبية: من البنيات التحتية والموانئ والطرق السريعة، إلى الاستثمارات الصناعية والسياحية، وصولا إلى النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية الذي يجسد رؤية متقدمة للجهوية الموسعة.
إن السياسة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس جعلت من المغرب فاعلا إقليميا مؤثراً، اختار طريق التنمية بدل التسلح، وطريق الشراكة بدل التنافر. فالموقف المغربي داخل الأمم المتحدة لم يتغير: التزام دائم بالشرعية الدولية، واحترام لمسار المفاوضات تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، لكن في إطار واحد ووحيد هو سيادة المغرب على صحرائه.
لقد استطاع المغرب أن يحول قضية الصحراء من ملف نزاع إلى قضية بناء وازدهار، ومن ورقة ضغط إلى منطلق قوة دبلوماسية، بفضل حكمة جلالته ورؤية المملكة الاستراتيجية التي جعلت من الجنوب المغربي جسرا نحو إفريقيا ومختبراً لنموذج الحكم الرشيد.وفي هذا السياق، لم يعد سؤال "من يملك الصحراء؟" مطروحا، لأن الجواب أصبح واضحا.في الميدان: الصحراء في وطنها، والمغرب في صحرائه.
أسلامة أشطوط، باحث في التاريخ السياسي