الأحد 8 سبتمبر 2024
خارج الحدود

سكينة، سعاد، نورا: ثلاث فتيات نسفن خرافة فعالية المخابرات الفرنسية

سكينة، سعاد، نورا: ثلاث فتيات نسفن خرافة فعالية المخابرات الفرنسية

لم تمض سوى خمسة أشهر على تبني فرنسا لـ "خطة مكافحة الإرهاب الجهادي"، ضمن المجهود الدولي القائم لتطويق فكرة هجرة المتطرفين نحو تركيا وسوريا، حتى تبينت هشاشة الإجراءات الأمنية الوقائية من خلال بروز وقائع قام بها فرنسيون خرقوا الحدود أمام غفلة من أجهزة الأمن والمخابرات الفرنسيتين رغم كون المعنيين "مراقبين"، إذ سافروا إلى الجحيم الشرقي في الوقت الذي كانت فيه أجهزة المراقبة الفرنسية "في دار غفلون". آخر هذه الوقائع، الفضيحة التي تناولتها صحافة باريز بخصوص تمكن المراهقة الفرنسية سكينة، ذات 15 ربيعا، يوم 11 أكتوبر الجاري، من الاختفاء من داخل وسطها العائلي بمدينة بوتونكور (في الشرق الفرنسي على الحدود مع سويسرا) حيث التحقت بالديار التركية، تأهبا إلى دخول التراب السوري للعمل ضمن الشبكات الإرهابية هناك. والأخطر في الأمر أن النزوع المتطرف لسكينة لم يكن غائبا عن السلطات الفرنسية المختصة، حيث سجلت تلك المصالح، في إطار مراقبتها لشبكات التطرف على التراب الفرنسي، دخول سكينة في علاقة مع الإرهاب عبر الأنترنيت. ولذلك قامت بتنبيه الأسرة، وبإخضاع الفتاة إلى المراقبة الأمنية والقضائية اليومية، بمساعدة والديها اللذين طلبا من السلطات منع سكينة من السفر إلى الخارج، بعد أن قاما بحجز أوراقها الإدارية.

في ظل إجراءات التطويق تلك، كانت الفتاة  قد هيأت نفسها صبيحة 10 أكتوبر إلى الذهاب إلى الثانوية، طالبة من الوالدين أن يسمحا لها بقضاء الليل عند إحدى صديقاتها. ومن ذلك الوقت لم يظهر أي أثر لسكينة إلا حين التقاها بتركيا فريق من الصحفيين الفرنسيين الذي أبلغ الأسرة بالأمر. وهو ما شكل ألما للأسرة، وأوقع مصالح الأمن في ورطة حقيقية: كيف تمكنت سكينة من خرق إجراءات المراقبة؟ وكيف عبرت الحدود بدون أوراقها الأصلية؟ ومن أعطاها المال، ومن أشرف على عملية العبور والوصول إلى هناك؟ الأمر الذي دفع السلطات المركزية إلى فتح تحقيق حول موضوع "اختفاء مقلق لقاصرة في حالة خطر".

في انتظار الوصول إلى نتائج ما، يسجل المراقبون بفرنسا أن هذه الواقعة سبقتها حالات مشابهة، واحدة في ظل "خطة مكافحة الإرهاب"، حيث تمكنت سعاد مراح (شقيقة محمد مراح الذي سبق أن قام بقتل 7 أشخاص في مارس 2012) من الالتحاق بسوريا رفقة أبنائها الربعة. وكانت سعاد (35 سنة) قد صرحت على هامش انفجار قضية شقيقها بأنها فخورة بمحمد، وكونها تقاسمه فكرة الجهاد. وفي الوقت الذي كانت المخابرات الفرنسية تترصد سعاد لاعتقالها حالما تعود من الجهاد، فوجئ الرأي العام الفرنسي بدخول سعاد مراح إلى التراب الفرنسي عبر مطار باريس دون مشاكل، بل وتوجهت بمحض إرادتها إلى مصالح الشرطة رفقة محاميها. فانفجرت الفضيحة حول قصور الأمنيين في إنجاز عملهم. والطامة الكبرى تجلت في العذر الذي قدمته الأجهزة الأمنية الفرنسية من كون المخابرات كانت تترصد دخول سعاد مراح من مطار تولوز وليس مطار باريس. فتوالت عاصفة من التهكمات بفرنسا على هذا التبرير الذي قدمته المصالح الاستخباراتية، متسائلة (أي التعليقات الساخرة) عما إذا كان كل مطار بفرنسا يخضع لمراقبة حكومات متعددة وليس لحكومة واحدة ولمخابرات واحدة.

أما الحالة الثالثة فتهم المراهقة نورا (15 سنة هي الأخرى، من مدينة أفينيون) التي اختفت في سياق مشابه يوم 23 يناير الماضي. وقد تأكد فيما بعد أنها وصلت سوريا بحقيبة سفر، وبأوراق تبوثية وبمبلغ 550 أورو. وحين كانت السلطات الأمنية والاستخباراتية تتساءل حول هذه الحالات تردد أن الأمر يتعلق بمشكلة قانونية، إذ "لا يمكن منع الأشخاص من مغادرة التراب الفرنسي ما لم يكونوا خاضعين للمراقبة القانونية، ولم تطبق في حقهم إجراءات قضائية". لكن هذا الدفع يتهاوى في حالة سكينة التي تخضع للمراقبة الأمنية الرسمية منذ ماي الماضي.

كل هذه الحالات التي تشكل غيضا من فيض لا تبرز فقط هشاشة الخطة الأمنية الفرنسية المعلنة، وقصور الإجراءات الإدارية المتبعة لحد الآن، ولكنها تؤكد مسؤولية الدولة الفرنسية العاجزة عن حماية مواطنيها من الخطر الإرهابي، وعن ترصد شبكات "التصدير" داخل البلاد. كما تؤكد تلكؤها في القيام بواجبها إزاء المنتظم الدولي، والوفاء بالتعاقد الجديد المبرم مؤخرا بخصوص محاربة تنامي الإرهاب ومحاربته في "الأصول". علما بأن وزارة الداخلية الفرنسية كانت قد أعلنت، في فاتح أكتوبر الجاري، عن مضاعفة الإمكانيات المالية والبشرية لأجهزة الاستخبارات الداخلية في البلاد، وبأن الإدارة العامة للمخابرات الفرنسية ستشغل 436 موظفا إضافيا، وسترفع ميزانيتها بقيمة 12 مليون أورو سنويا حتى  العام 2017.

ومع ذلك لا تتردد فرنسا في إعطاء الدروس للآخرين حين تدعو السائحين لزيارة دول الجنوب، وخاصة دول شمال إفريقيا إلى مزيد من اتخاذ إجراءات الحذر. والحال أن الأجانب من مختلف دول العالم أصبحوا مطالبين باتخاذ الحيطة والحذر أتناء السفر إلى فرنسا لكونها تحولت إلى مصنع لإنتاج الجهاديين بالضواحي وأصبحت مصدر سخرية بالنسبة للأجهزة الأمنية الغربية لهشاشة أجهزتها الاستخباراتية في رصد استباقي للخلايا الإرهابية والجهادية فوق ترابها فأحرى أن تتملك فرنسا الصنعة الأمنية في ملاحقة وتتبع الشبكات الجهادية عبر العالم.