الأحد 15 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: مصر..  تخوف غير مشروع

نوفل البعمري: مصر..  تخوف غير مشروع نوفل البعمري
منذ توقيع اتفاقية تفاهم بين المغرب و إثيوبيا في الجانب العسكري و استقبال المغرب للماريشال برهانو غولا جيلالشا رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية انطلقت عدة أصوات داخل مصر تُعبر عن قلقها من هذا التقارب ودفعت حد استعمال وسائل التواصل الإجتماعي خاصة توتير إلى مهاجمة المغرب و أحياناً بشكل مبتذل، و إن كان الأمر لم يتخذ طابعاً رسمياً لكن طبيعة الهجوم و الكيفية التي يتم بها و استعمال نفس التعابير الموجهة ضد المغرب و احياناً فيها مس بمؤسساته و وحدته الترابية يعطي انطباعاً قوياً على أن الأمر يتعلق بارتباط هذا الهجوم بجهات ما قد تكون رسمية داخل مصر و قد تكون مقربة من المؤسسة العسكري المصرية التي يعلم الجميع أنها تشكل العمود القوي و الأساسي في الدولة المصرية منذ ثورة يوليوز و الإنقلاب العسكري الذي تم على الملك فاروق. 
لنعد لأصل الحكاية، و نطرح سؤالاً مباشراً هل العلاقة المغربية الإثيوبية جاءت على حساب الأزمة المصرية الإثيوبية بسبب سد النهضة؟! 

 
لنعد قليلاً للوراء، المغرب و إثيوبيا انطلقت علاقتهما الدبلوماسية بشكل قوي منذ سنة 2016 التي تزامنت مع عودة المغرب للإتحاد الأفريقي بحيث شكلت  الجولة التي قام بها العاهل المغربي لعدة دول أفريقية دولة إثيوبيا بحيث خُصص له استقبال كبير و تم توقيع اتفاقيات اقتصادية جد مهمة حيث تم التوقيع على 13 بروتوكول اتفاق و مذكرة تفاهم في مجالات التجارة و الاستثمار و الضرائب و الزراعة و المياه و الري، و قد كانت أبرز هذه الاتفاقيات تتعلق بإنشاء مجمع للأسمدة في مدينة ديري داوا شرق إثيوبيا مما عزز من حجم المبادلات و المعاملات التجارية و الاقتصادية التي عادت  بالنفع على المغرب و إثيوبيا و دخلت في إطار السياسة الخارجية التي وضعها المغرب و الموجهة لعموم الدول الإفريقية غرباً و شرقاً و وسطاً…و هي مبادرات متعددة منها ما يرتبط بمشروع المبادرة الأطلسية و الساحل، و أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب و غيرها من المشاريع و في كل ذلك يحضر البعد الأمني  في هذه العلاقات و الشراكات المتعددة و المتنوعة، لهذا كان طبيعياً في ظل تطور العلاقة المغربية الإثيوبية أن تصل لمستوى التعاون في المجال العسكري  و في هذا الاطار كانت هذه الزيارةً التي شهدت و بتعليمات ملكية استقبال الماريشال الإثيوبي من طرف الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالدفاع الوطني كذلك من طرف الفريق أول المفتش العام للقوات المسلحة الملكية قائد المنطقة الجنوبية  جلسات  تعاون عسكري في مجالات مرتبطة بحفظ الامن و السلم، لذلك كانت الزيارة واضحة  في تحديد الإطار الذي تجري فيه هذه الزيارة و هذا التعاون العسكري الموجه للسلام و السلم و لتعزيز فرصه في أفريقيا و بالمنطقة، و لا يمكن أن يكون موجها ضد أي دولة خاصة إذا تعلق الأمر بدولة عربية تعتبر شقيقة المغرب و عضوة مع المغرب في عدة مؤسسات اقليمية على رأسها جامعة الدول العربية التي تظل شاهدة على طبيعة التحركات المغربية في مختلف الملفات و القضايا من منظور واضح يحكمه عدم التدخل في الصراعات و النزاعات سواء الداخلية أو بين الدول، و يحركه تعزيز فرص السلم.
 
المغرب في سياسته الخارجية واضح، لم يسبق له أن وجهها ضد أي دولة، بل حتى أكثر الدول شراسة في معاداة المغرب لم يُسجل على قيادة المملكة أي تحرك معادي لها و لشعوبها، و ظل المغرب حريص على مد اليد و خلق فرصة تعزيز التعاون و التكامل الاقتصادي و رغم عدم نجاح هذه المحاولات المغربية فهذا الأخير لم يتبنى خيار المواجهة أو توجيه سياسته الخارجية ضد هذه البلدان، فما بالنا ببلد عربي يعتبره المغرب بلداً شقيقاً و تربطهما علاقات تاريخية قوية، شملت مختلف  مجالات التعاون الثقافي و الرياضي و السياسي…

لذلك يمكن القول أن تحرك بعض الأصوات بشكل مبالغ فيه ضد هذا التعاون الذي حدث بين  المغرب و إثيوبيا، الذي  يظل منطلقه سيادي خاص بالدولتين، و لا يمكن تفسيره بالشكل الذي تم عليه الأمر من طرف بعض الأصوات المصرية حتى باتت تستغل الحدث لمهاجمة المغرب و التعدي على وحدته الترابية على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير مقبول، قد يؤدي إلى أزمة بين البلدين قد لا تتخذ طابعاً رسمياً لكنها ستؤثر على روح الشعب المغربي مادام أن ما يتم القيام به يمس بالشعور الوطني العام للمغاربة.

من خلال ما سبق يبقى التخوف المصري غير مشروع و لا مبرر له و لا حاجة لإعطاءه بعداً سياسياً قد يكون له ما بعده خاصة إذا ما استعمل فيه الإعلام…!!

فقط نهمس في اذن كل من صنع تخوفاً داخل مصر  و كل من تحرك ضد التقارب المغربي-الإثيوبي؛ لقد سبق للقيادة العسكرية المصرية قبل سنوات أن شاركت في لقاء تحت رئاسة الجنرال العسكري الجزائري شنقريحة و حضرت فيه مليشيات البوليساريو و كان "علم" هذا التنظيم المليشياتي إلى جانب علم دولة مصر، و مع ذلك المغرب لم يُحول الأمر لأزمة سياسية أو دبلوماسية مع العلم أنه كانت له كل المشروعية و الحق للرد على هذه الجلسة دفاعاً عن وحدته الترابية و ضد أي تهديد محتمل، تجاوز المغرب بشكل دبلوماسي راقٍ و وضع اللقاء في سياقه و استمرَّت العلاقة المغربية المصرية كما هي عليه، فمن الأولى بالغضب و التخوف هل مصر أم المغرب؟ 
 
سؤال لا نحتاج و لا ننتظر الإجابة عليه من طرف الأصوات التي خرجت من مصر لتعبر عن "قلقها"، مادام أن المغرب قد طوى صفحة ذلك الحدث، لكن في هذا التقارب المغربي-الإثيوبي على هذه الأصوات المصرية إلا أن تضع تخوفاتها الغير المشروعة  جانباً و تختار الاستمرار في علاقة ودية، قوية مع المغرب قوامها احترام القضايا الحيوية للبلدين، و معالجة الإشكالات و التخوفات التي قد تكون لدى أي جانب بالطرق الدبلوماسية المعروفة لا بالهجوم على المغرب و على مؤسساته و وحدته الترابية في وسائل التواصل الاجتماعي!!