تحت عنوان: “لماذا يقلق هجوم حفتر في ليبيا الجزائر؟”، قالت مجلة “لوبوان” الأسبوعية الفرنسية إن الهجوم الذي شنته مؤخراً قوات المشير خليفة حفتر الليبية بالقرب من الحدود الشرقية الجزائرية أدى إلى تجدد التوتر الدبلوماسي بين البلدين، مشيرةً إلى عاصفة التعليقات التي أثارها انتشار الفيديو الذي يظهر فيه صدام حفتر، نجل المشير خليفة حفتر مع جنود تابعين له بالقرب من نقطة الدبداب الحدودية الجزائرية، من قبيل: “هروب الجنود الجزائريين أمام تقدم الميليشيات الليبية”، وعن “التهديد المباشر الذي يشكله المشير خليفة حفتر على الجزائر” و“احتمال الرد العسكري الجزائري”.
الهجوم باتجاه الشرق والجنوب
وأضافت المجلة الفرنسية التوضيح أن انتشار هذه الصور، التي يعود تاريخها في نهاية المطاف إلى العام الماضي وليس لها أي صلة بأي حادث عسكري، تغذيه حقيقة: منذ 7 غشت 2024، شنت الوحدات التابعة لصدام، نجل خليفة حفتر، عملية في المناطق الغربية والجنوبية الليبية، بالقرب من الحدود مع الجزائر والنيجر، خاصة مع التحركات نحو ممر السلفادور، وهي منطقة صحراوية بين الدول الثلاث، ومرور مختلف أنواع التجار والمهاجرين والجهاديين في المنطقة. وبحسب “الجيش الوطني الليبي” التابع لحفتر، فإن هذه العملية تهدف إلى “تأمين الحدود الجنوبية للبلاد وتعزيز استقرار ليبيا في المناطق الاستراتيجية”.
وإلى الشمال قليلاً، يستهدف هجوم نجل حفتر أيضاً مدينة غدامس (مطارها الاستراتيجي والمنطقة النفطية والغازية التابعة لها)، القريبة من الحدود الجزائرية، والواقعة على بعد 650 كيلومتراً جنوب غرب طرابلس. بالنسبة للعديد من المراقبين، فإن تحرك القوات من الشرق سيكون في الواقع محاولة جديدة للاستيلاء على طرابلس، من الجنوب - مقر حكومة الوفاق الوطني التي لا تعترف بسلطة المشير حفتر، تُشير “لوبوان”.
كما تُشير المجلة إلى ما صرح به جلال حرشاوي، الباحث المشارك في Royal United Services، لوكالة فرانس برس، بقوله: “قوات المشير الليبي تطمح منذ عدة سنوات إلى الوصول لمطار غدامس والمناطق المحيطة به، لأن السيطرة عليها من شأنها أن تعزز بشكل كبير الوضع الإقليمي لحفتر في مواجهة الجزائر وتونس والنيجر. وبذلك يصبح المعسكر الشرقي مسيطراً على الجنوب بأكمله من الشرق إلى الغرب”.
وستكون هذه هي المحاولة الثالثة للسيطرة على طرابلس بعد تلك التي قام بها حفتر في عامي 2015 و2019، بدعم خاص من مصر وروسيا والإمارات العربية المتحدة.
الخوف من حرب أهلية ليبية جديدة
وتابعت “لوبوان” موضّحة أنه في بداية هذا الهجوم الأخير، دعت الجزائر، التي وصفتها المجلة بـ“المعادية لحفتر”، في 10 غشت 2024، “الأطراف الليبية إلى الحكمة وضبط النفس”، قائلة إنها تشارك المخاوف التي أعربت عنها الأمم المتحدة بشأن التعبئة الأخيرة للقوات في مناطق مختلفة من ليبيا وخاصة تجاه مناطقها الجنوبية والغربية. وفي اليوم التالي، استقبل وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، السفير الليبي بالجزائر العاصمة، ممثل حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، للتعبير عن المخاوف نفسها.
وقال المجلس الأعلى للدولة الليبية (وهو ما يشبه مجلس الشيوخ)، ومقره طرابلس، إنه “يتابع بقلق بالغ التعبئة العسكرية لقوات حفتر في الجنوب الغربي خلال اليومين الماضيين، والتي تهدف بوضوح إلى تعزيز نفوذه وتوسيع نطاقه، من خلال السيطرة على المناطق الاستراتيجية المشتركة مع جيران ليبيا”.
وتنقل “لوبوان” عن أحد المراقبين، قوله إنه “إلى جانب الخوف من اندلاع حرب أهلية جديدة بين الليبيين، تخشى الجزائر من التعرض لضغوط على حدود حساسة للغاية، بالقرب من منشآت الطاقة الاستراتيجية على وجه الخصوص. فذكرى الهجوم المميت على موقع غاز تيقنتورين في عام 2013 ما تزال حاضرة بقوة في أذهان المسؤولين الجزائريين”.
كما تنقل “لوبوان” عن محلل قوله: “هناك أسباب أخرى للقلق بالنسبة للجزائر منها أن حلفاء الرجل القوي في الشرق، لا سيما الإمارات العربية المتحدة، على حافة القطيعة الدبلوماسية مع الجزائر. أما بالنسبة لروسيا، فإن الجزائر لا تريد وجود مرتزقة مثل فاغنر أو الفيلق الأفريقي على حدودها، كما هو الحال بالفعل في شمال مالي. ومع ذلك، فإن وجود جيش حفتر على حدودها يعني بالضرورة وجود هؤلاء المرتزقة. علاوة على ذلك، فإن صدام حفتر قام مؤخرًا بزيارتين على الأقل إلى إسرائيل، بينما ترفض الجزائر التطبيع مع الدولة العبرية، دون أن يكون هناك سلام عادل ودائم مع الفلسطينيين”، وفق ما ذكر هذا المحلل لإذاعة فرنسا الدولية.
ولطالما كانت العلاقات بين حفتر والجزائر مشوبة بالعداء والتوتر، توضح “لوبوان”، مذكِّرة أنه في عام 2018، اتهم حفتر الجزائريين الذين وجدوا فرصة لدخول ليبيا، قائلا: “عندما اكتشفنا ذلك، أرسلت الجنرال عبد الكريم إلى الجزائر ليوضح لهم أن ما حدث ليس عملاً أخويًا. يمكننا نقل الحرب من الشرق إلى الغرب في وقت قصير”.
يقول الرئيس تبون: “لا أحد يستطيع تهديد الجزائر”.
وفي عام 2019، خلال الهجوم الثاني للمشير على طرابلس، فكرت الجزائر في التدخل في ليبيا، لأن “طرابلس خط أحمر”، كما كشف الرئيس عبد المجيد تبون. “لا نقبل أن يحتل المرتزقة عاصمة دولة شمال إفريقية وإفريقية. وقال لقناة الجزيرة في عام 2021: “كنا سنتدخل”.
وفي عام 2021، أعلن حفتر المناطق الحدودية مع الجزائر “مناطق عسكرية” وأمر بإغلاق الحدود. ورد الرئيس الجزائري، عندما سألته الصحافة فيما يتعلق بتصرفات وتهديدات المشير الليبي: “لا أحد يستطيع تهديد الجزائر”.
إذا كان على المستوى العسكري، يبدو أن الهجوم الذي شنه نجل حفتر في 7 غشت 2024 يشهد توقفاً – إذ ما تزال غدامس في أيدي حكومة طرابلس – فيما الجبهة الدبلوماسية ما تزال محمومة. لأنه، بالإضافة إلى توسيع نفوذه نحو الغرب والجنوب إلى الحدود مع الجزائر والنيجر، بدأ حفتر اتصالات معمقة للغاية مع نيامي من أجل تثبيت قبضته على الجنوب بشكل أفضل. من جهتها، وفي الفترة نفسها تقريبا خلال الأسابيع الأخيرة، جددت الجزائر علاقاتها مع النيجر بعد فترة أزمة، في سباق على النفوذ الإقليمي، توضح “لوبوان”.
عن" القدس العربي