إذا كانت نهاية الموسم الدراسي وحلول العطلة الصيفية لصيقة لدى البعض بشد الرحال نحو الشواطئ والمخيمات والنوادي السياحية والتخلص من الفروض المنزلية والامتحانات، فإن الحال ليس كذلك بالنسبة للكثير من التلاميذ والطلبة الذين يظلون على وفائهم للاستيقاظ الباكر واليوم المضني الطويل، ليس داخل صفوف الدرس، ولكن بالعمل في مهن مختلفة لتأمين لقمة العيش ولمساعدة الأسرة في مصاريف الحياة، وكذا توفير المال اللازم لاستئناف الموسم الدراسي القادم.
بمجرد أن تضع قدميك داخل أي سوق الأحد الشعبي أو على كورنيش أكادير بالأكشاك والمقاهي و في مستوقفات السيارات، تجد نفسك محاطا بعدد كبير من الأطفال لم يتجاوزوا الثانية عشر من العمر يرددون "ميكا لالة ميكا" ،يستعطفون النساء لاقتناء الكيس البلاستيكي بثمن النصف درهم إلى الدرهمين حسب النوع ، بينما يحمل آخرون أكياس ملح الطعام ويلحون على الزبائن للتعاطف معهم وشراء الكيس "عافاك الحاجة باقي ليا غير وحيدة ونمشي بحالي".
هكذا كان عبد الله ابن العاشرة يلح على إحدى مرتادات سوق الأحد الشعبي قبل أن تنهره "مابغيتش سير للتيساع". حكاية عبد الله ذي الملابس الرثة مع العمل الصيفي بدأت منذ سنوات لم يعرف فيها طعما للاستجمام والترفيه، الذي يعيشه أقرانه في مثل هذا الوقت، فما أن تغلق المدارس أبوابها حتى ينطلق في تجارته الصيفية التي فرضتها عليه ظروف العيش القاسية. تشتري له والدته كمية من الأكياس البلاستيكية وأكياس البلاستيك و "الديتاي" وترسله للتجوال بالسوق ومجاوره في حي أمسرنات، وليعود في نهاية اليوم بالغلّة المرجوة "ديما كنخدم فالعطلة". يعترف اسماعيل بقناعة بريئة. "باش نعاون الدار" يقول مبررا.
أما الشواطئ والمخيمات والأسفار فهو يعرف أنها ليست لأمثاله "عمري مامشيت للمخيم". عبد الله ليس الوحيد فغيره كثيرون ممن ضاقت بهم السبل وخرجوا للعمل قبل الأوان، ليجدوا أبواب العمل مفتوحة في وجوههم على مصراعيها إما في أوراش النجارة أو الحدادة أو لدى الباعة والتجار.
سعيد هو الآخر تعود كل صيف على الأمر ذاته، فما إن تنتهي صفوف الدرس حتى يسحبه والده من يديه ويذهب به إلى أحد أوراش النجارة، هناك يمضي النهار بأكمله وجزءا من المساء في مساعدة "لمعلّم"، يحمل الألواح ويجمع المسامير ويصقل بعض الأخشاب وينتظر تعليمات "لمعلّم". لا يعرف ياسين كم يدفع له صاحب المحل، فوالده يقبض المبلغ المتفق عليه، مباشرة ويسلمه للأم التي تتكفل بمراكمته إلى حين حلول الموسم الدراسي الجديد " كتدور معايا مرّة مرّة باش نمشي للبحر نهار الحد وشي لاخر كتجمعو ليا".
وإذا كان بعض الأهل يضطرون لدفع أطفالهم للعمل الصّيفي بهدف المساعدة في تكاليف الحياة، فإن البعض الآخر له منطق آخر أساسه تعويد الطفل والمراهق على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية منذ الصغر. جميلة هي إحدى الأمهات التي دأبت على حث أطفالها الذكور على العمل في أوراش النجارة أو محلات البقالة، لا لشيء سوى لتعويدهم على الاجتهاد وشغل وقت الفراغ وكذا حمايتهم كما تقول من التجول في الأزقة والشوارع طوال العطلة الصيفية "لا أريد منهم أي مساعدة لكني بهذه الطريقة أحميهم من رفقة السوء وأدربهم على الاعتماد على النفس"، خاصة أنهم لا يغادرون بيتهم خلال العطلة بسبب عمل الأب.
لكنّ العمل في العطلة الصيفية والحرمان من الاستمتاع بها لا يقتصر على الأطفال فقط بل يلجأ له عدد من الطلبة الذين لا يجدون بدا من مواصلة الاجتهاد والاستيقاظ الباكر. سمية طالبة جامعية تعودت منذ كانت تدرس بالمستوى الثانوي على العمل في فصل الصيف، متنقلة بين عدة أعمال، فاشتغلت في مخبزة وفي معمل للخياطة وغيرهما. أما هذا الصيف فأمضيته في ناد للأنترنت لتعويض الفتاة التي ستذهب في عطلة "لا حق لأمثالي في العطل فأنا لا أذكر أننا سافرنا في يوم ما إلى أي مكان لأن ميزانية الأسرة لا تسمح بذلك". تحكي سمية بأسف. لذلك تجدها تفضل العمل على البقاء في البيت" باش مانموتش بالفقصة". أما ما تجنيه فيكون بمثابة الهدية التي تمكنها من شراء ثياب جديدة والخروج مع صديقاتها أيام الآحاد للتجوال في المدينة ومشاهدة واجهات المحلات المدهشة فيما توفر بعض المال لشراء مقرّرات العام الدراسي الجديد.
قصّة سمية لا تختلف كثيرا عن قصة يوسف (طالب جامعي)، الذي تعود هو الآخر على استغلال العطلة الصيفية في تحصيل المال"منذ حصولي على الباكلوريا أعمل كل صيف لدى وكالة للأسفار وأحصل على راتب جيد كوني أتقن اللغات الأجنبية واستعمال الحاسوب".
لكنّ العمل يتطلب منه الكثير من الجهد خاصة أنه يضطر للعمل ليلا أيضا. لكن الأجر الجيّد الذي يحصل عليه يشفع لذلك التعب. فبعد نهاية موسم الصيف يجد يوسف نفسه وقد جمع مبلغا محترما يمكنه ليس فقط من شراء ثياب جديدة بل ويسمح له بالذهاب للتّخييم مع بعض الأصدقاء خلال ما تبقى بداية شهر شتنبر بأحد الشواطئ، كما يطمح يوسف إلى الاستمرار في العمل لدي الوكالة بعد تخرجه بعد أن نال إعجاب رؤسائه في العمل.