الثلاثاء 30 إبريل 2024
في الصميم

في الحاجة إلى إحداث المنطقة العسكرية الرابعة في عزبان بالبيضاء !

في الحاجة إلى إحداث المنطقة العسكرية الرابعة في عزبان بالبيضاء ! عبد الرحيم أريري
في فبراير 2022 ، وفي أوج الغليان وقطع العلاقات الديبلوماسية بين المغرب والجزائر، سيشهد التقطيع العسكري بالمغرب طفرة بارزة. إذ لأول مرة، سيتم الانزياح عن التقطيع الموروث عن حقبة حرب الصحراء ضد الجزائر والبوليساريو، وهي الحرب التي استدعت من السلطة العمومية إحداث منطقة عسكرية جنوبية يمتد نفوذها من أكادير إلى الكويرة، فيما ظل باقي التراب الوطني خاضعا لهندسة مؤسساتية مبنية على الحاميات العسكرية التي تغطي مجالات ترابية متداخلة ومتعددة.
 
لكن في فبراير 2022، ستبادر السلطة العمومية بإحداث منطقة عسكرية ثانية يمتد نفوذها من بلدة الطاوس على الحدود الجزائرية بإقليم الراشيدية، إلى مدينة السعيدية في أقصى الشمال الشرقي. وتم تعيين الجنيرال مقداد على رأسها، إلى غاية إحالته على التقاعد، ليخلفه الجنيرال فؤاد عكي يوم 31 يوليوز 2023 (مقر قيادة المنطقة بالراشيدية).
 
في أكتوبر 2022، سيعمد المشرع إلى إحداث منطقة عسكرية ثالثة بالشمال تغطي سواحل المغرب من طنجة إلى تخوم السعيدية، وتم تعيين الجنيرال حسن الراضي على رأسها مع تحديد مدينة الحسيمة كمقر للمنطقة.
 
وإذا كان مفهوما أن شرط وجود المنطقتين العسكريتين الجنوبية والشرقية، يرتبط بمواجهة تحديات وتحرشات العدو الحقود للمغرب (أقصد الجزائر)، وما تمثله حالة اللاستقرار بدول الساحل على دور الجوار. وإذا كان مفهوما أن إحداث المنطقة العسكرية الشمالية يرتبط بمسؤولية المغرب ودوره في تأمين السلم بأحد أهم معابر الملاحة البحرية بالعالم ومايطرحه ذلك من تحديات الإرهاب والاتجار في البشر والمخدرات، فإن المغرب في حاجة اليوم أيضا إلى إحداث منطقة عسكرية رابعة بمدار عزبان بالدارالبيضاء، يستحسن تسميتها بالمنطقة العسكرية للجنوب الغربي للدارالبيضاء تتولى تأمين المعابر الطرقية الممتدة من مدخل ليساسفة ومدخل النسيم ومدخل سيدي معروف، وتمتيع الجنيرال المعين في عزبان ب"لاكارت بلانش"، مثلما كان يتمتع بها "هوسمان" في باريس بعد تعيينه من طرف نابليون لردم الفوضى بعاصمة فرنسا، فقام هوسمان بالهدم والترحيل وشق الطرق والقناطر والأنفاق وفرض الضوابط الخاصة بالتعمير والعمران.
 
اقتراح خلق منطقة عسكرية بالجنوب الغربي للبيضاء، ليس من باب الترف الفكري، بل لمواجهة تحديات ومخاطر تعطيل مصالح الناس، وبالتالي تعطيل مصالح المغرب، بحكم أن الدار البيضاء لوحدها تمثل تقريبا 40% من الناتج الداخلي الخام للبلاد. إذ من العار أن نترك 40% من الناتج الداخلي الخام عرضة للعبث. ومن العار أن يتم التلذذ بتعذيب المواطنين وحرق أعصاب سائق 160.000 سيارة يعبرون يوميا من مدار عزبان و140.000 سيارة تمر من مدخل سيدي معروف، ونفس العدد أو يزيد قليل يمر يوميا من الاوطوروت الحضرية عبر العقدة "أ" قرب مقر مجمع الشريف للفوسفاط، وهذه الأرقام مرشحة للتضخم الرهيب عما قريب بعد الانتهاء من ورش القطب المالي الذي سيتقطب الآلاف من الزوار والمستخدمين والقاطنين.
 
قد يقول "شي فاهم" بأن كل المدن الكبرى في العالم تعرف اختناقات مرورية، لكن هذا القول مردود عليه، إذ أن مدن باريس وشيكاغو ونيويورك وساوباولو وميلانو ولندن وهامبورغ واسطمبول وغيرها تضم ساكنة تضاعف ساكنة الدار البيضاء، وتضم حظيرة سيارات أضعاف مضاعفة مايملكه المغرب ككل وليس البيضاء(للمقارنة: حظيرة السيارات بالمغرب لا تتعدى4.200.000سيارة، في حين تصل بألمانيا إلى 49 مليون سيارة، وإيطاليا "40 مليون"، وفرنسا "39 مليون" وتركيا "26 مليون سيارة")، فضلا عن كون ناتج مدينة واحدة بهاته البلدان يكاد يضاهي الناتج الداخلي لدولة!
 
في عهد الاستعمار، لما أراد الجنيرال ليوطي إحكام الطوق على مدينة الدارالبيضاء وإخماد كل حركة احتجاجية، أمر ببناء ثكنات عسكرية في كل مدخل طرقي ليغلق المدينة ويمنع تواصلها مع باقي التراب الوطني. وهكذا أمر ببناء ثكنة جانكير قرب الحي المحمدي لسد مدخل طريق الكارة وتكنة عين البرجة لسد منفد أولاد زيان وطريق مديونة، وتكنة العنق لإغلاق طريق السوالم طريفية مع مدخل أزمور، وثكنة هود لإغلاق منافد أولاد حدو وطريق الجديدة ومراكش.
 
اليوم على المغرب أن يستلهم هذه الروح، ليس بمنطق الدولة الاستعمارية السابقة، بل بمنطق الدولة المغربية الراعية لمصالح الأفراد والجماعات، والضامنة للحقوق، والساهرة على حسن سير المرفق العام بما يؤمن جودة الخدمة العمومية ويخلق الرفاهية بالمدينة، وها مايبرر مطلب خلق منطقة عسكرية لرد الأمور إلى نصابها بجنوب غرب البيضاء.
 
الدار البيضاء( ونعيد التأكيد على حجمها وما تمثله من ثقل اقتصادي واحتكارها 40% من الناتج الوطني)، تتعرض للقتل البطيء بسبب "شلاضة ديال الحكامة" والتيه بين المتدخلين الذين لا يعرف أي واحد منهم من يقوم بماذا ومتى وكيف، فضلا عن الكانيباليزم اليومي بين مختلف الوحدات التابعة للمعمار المؤسساتي المكلف بتدبير البيضاء( وكالة حضرية، ولاية، عمالات، مجالس ترابية، مقاطعات، شركات تنمية محلية، شركات التدبير المفوض المنفلتة من العقال، اللوبيات الكبرى النافذة)، والضحية هو المواطن المغلوب على أمره.
 
الدارالبيضاء في مفترق طرق: إما أن تكون في الأفق المنظور نسخة مصغرة لباريس أو برشلونة أو اسطمبول أو تكون توأما لمقديشو وكابول وكالكوتا.
 
ولصناع القرار واسع النظر !