السبت 4 مايو 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: داكار … "بابور " الرئيس

عبد الرفيع حمضي: داكار … "بابور " الرئيس عبد الرفيع حمضي
لست أدري ما هي الاعتبارات التي دفعت بصيرو  ديوماي  افاي، الرئيس المنتخب حديثا، في  الدعوة الحصرية لدول المنطقة  دون غيرهم لحضور  حفل تنصيبه رئيسا جديدا للسينغال؟ على خلاف الزعماء الأفارقة الذين يحبون أن يلتف حولهم العالم. حتى لو  كانوا قادمين إلى المنصب على ظهر الدبابات  أو خرجوا من صناديق مخرومة.
 لكنني أعلم لماذا خص الرئيس المنتخب بلدنا المغرب بهذا الاستثناء بدعوته لجلالة الملك  للحضور، والذي كلف رئيس  الحكومة المغربية عزيز أخنوش يوم 2 أبريل الجاري بتمثيله.
فالعلاقات المغربية السنغالية فيها من (البركة )ما هو أكبر من أن يجعلها تخضع فقط للتحليل السياسي والجيواستراتيجي والاقتصادي، رغم أهمية كل ذلك في العلاقات الديبلوماسية التي تربط  بين البلدين منذ  1960 . وفقط في العهد الجديد حل جلالة الملك ضيفا على السنغاليين ورئيسهم آنذاك عبد الله واد
في 2001و2004و2005و2006و2008 كما حل ضيفا على خلفه ماكيصال  في 2013 و2015، أما في  2016 ولأول مرة يوجّه الملك خطابا من خارج المغرب، وتعلق الأمر بخطاب المسيرة الخضراء وها هي الآن تصل الدعوة من الرئيس بصيرو  ديوماي افاي في الدقيقة الصفر، من الولاية الجديدة.
أما نزيل  فاس سيدي أحمد بن محمد التيجاني 1757 -1815، فمريدوه لازالوا يقصدونه من العالم أجمع وأساسا من بلاد السودان (السينغال) حاليا، منذ انتشار هذه الطريقة الصوفية المغربية الصرفة بهذا البلد الشقيق، بواسطة أتباعه في (شنقيط )موريتانيا حاليا. مع الإشارة إلى أن التصوف المغربي يندرج ضمن ثنائيه التَحْلِيَة والتَخْلِيَة . التحلية بالأخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة وأيضا التخلي عن المفاسد والآثام والمنكرات، على حد تعبير الإستاد انغير بوبكر.
كل هذا جعل العلاقة بين السنغاليين والمغاربة سواء بين الرسميين أو عامة الناس تتأثر بهذه الروح mon frèreالصوفية. فالسينغالي أساسا لاينادي المغربي إلا بـ 
سأكتفي الآن ومن دكار بسرد حكايتين فقط من عدد أكبر من الحكايات.
الأولى، في سنة 2005 حين قررت الوزيرة المنتدبة لدى  وزير الخارجية والتعاون، القيام بزيارة للسينغال . وذلك للاجتماع بالمسؤولين هناك حول تجربة بلدهم في تدبير قضايا السنغاليين بالخارج، وكذلك للقاء أفراد الجالية المغربية المقيمة هناك، خاصة وان مغاربة إفريقيا كانوا ولازالوا يتذمرون من اهتمام كل الوزراء بمغاربة أوربا وأمريكا وكندا فقط. مع العلم أن مغاربة السنغال، البعض منهم لهم مواقع اقتصادية مهمة. كما أن عددا منهم وخاصة  المستقرون هناك قديما لا يتوفرن على وثائق ثبوتية كمغاربة، وهم متشبثون بهذا الحق.
في برنامج الزيارة، كان سفير المملكة المغربية آنذاك ،قد رتب للوزيرة موعدا لاستقبالها من طرف رئيس الجمهورية عبدالله واد. قبل اللقاء بساعات قليلة بعثت السفارة إلى مصالح برتوكول الرئيس الهدية  الرمزية للوزيرة ،وهي  عبارة عن "بابور" مغربي من الزجاج للديكور.
أقول للجيل الجديد إن "البابور" كان من الأواني اللازمة لإعداد الشاي، حيث يوضع فيه الماء محاطا بالجمر الذي يجعله يسخن فيصل إلى درجة الغليان، فيكون صالحا لإعداد الشاي المنعنع. والبابور يرافق صينية الشاي إلى غرفة جلوس أصحاب البيت مع ضيوفهم.
كما أنه شانه شأن القمقم المخصص لحفظ الماء، و(الطاس ويدو)  و(الصينية د ليقامة ) والقطارة الخاصة بتقطير الورد والزهر، كلهم كانوا من الأواني الضرورية في البيت المغربي التقليدي، كما كتبت الأستاذة حسناء محمد داود.
المهم صاحبت الوزيرة بمعية السفير إلى قصر الرئاسة وكان الاستقبال وديا وبدون تكلف. وعند المغادرة والوزيرة تودع الرئيس، قال لها مبتسما وبفرنسية راقية قال "يا ابنتي هديتك جميلة لكنها تكسرت". قالها بانشراح وكأن الرئيس واد يحكي مع أفراد أسرته وأهله.
يا له من حرج!
ماذا وقع؟ أين؟ ومتى؟ ومن؟ وكيف؟
تسلمت ما بقي من الهدية من طرف مرافقة الرئيس. وفي حينه تم ترتيب الأمور لوصول (بابور) جديد آخر مع الخطوط الملكية المغربية. وفي اليوم الموالي وصلت الهدية ونحن لا زلنا بدكار. أما البابور  المكسر فلازلت احتفظ بجزء منه بعد عشرين سنة.
الثاني، في سنة 2011 كانت الجمعيات والإطارات المدنية  المغربية تستعد للمشاركة في المنتدى الاجتماعي العالمي بالعاصمة السينغالية، حيث سيجتمع النشطاء، من حوالي 120 دولة، المناهضون للعولمة والذين يعارضون بعض ممارسات النظام الرأسمالي . وقد دأب بعض انفصاليو الداخل  والخارج على المشاركة ، مدعومين بإمكانيات لوجيستكية جزائرية، خاصة في المسيرة الكبرى التي تنظم عادة في اليوم الأول للمنتدى العالمي من كل دورة.
وفي إحدى اللقاءات الإعدادية بدكار لاستقبال هذا اللقاء العالمي،  قال احد الفاعلين المدنيين السينغاليين  للمنظمين المجتمعين ما مفاده: "إنه خلال المسيرة الكبرى فإنني أنبه الجميع أن أية إساءة للمغرب أو رموزه من طرف أي كان، فإن السنغاليين هم من سيتصدون له قبل المغاربة.