على هامش الموتمر الدولي الذي تنظمه شعبة القانون العام والعلوم السياسية والحكامة الترابية بكلية الحقوق المحمدية يوم الخميس 7 مارس 2024، حول موضوع تدبير المرافق العمومية المحلية. أجرت "أنفاس بريس" الحوار التالي مع عبد الحي الغربة، أستاذ محاضر بكلية الحقوق المحمدية، لتسليط الضوء على الأسباب الداعية لإصدار قانون الشركات الجهوية 83.21 وكيف سيتم تنزيله.
ماهي المقتضيات الدستورية المؤطرة لحكامة المرافق العمومية ؟
رجوعا الى مقتضيات الوثيقة الدستورية هناك مؤسسات تعنى بقضايا حكامة التدبير العمومي كالمجلس الأعلى للحسابات ومؤسسة الوسيط والهيئة الوطنية لمكافحة للنزاهة ومحاربتها وغيرهم من المؤسسات التي تشكل تقاريرها وآرائها أرضية مهمة ومرجع هام في تخليق المرافق العمومية وضمان نجاعتها وفعاليتها. وهناك أيضا مبادئ دستورية هامة في متن الوثيقة الدستورية نفسها وخصوصا في الباب الاثني عشر منه كمبادئ المساواة الإنصاف الشفافية احترام البعد البيئي التجرد النزاهة محاربة تضارب المصالح. هذا زيادة على أن القانون 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر الادارية جاء بالكثير من المقتضيات وخاصة عندما أكد على اهمية التواصل وحسن استقبال المرتفقين ورقمنة الخدمات العمومية.
أحد النماذج الجديدة في تدبير المرافق العمومية، نستحضر مشروع قانون رقم 83.21 المتعلق بالشركات الجهوية متعددة الخدمات لتدبير خدمات الماء والكهرباء والتطهير السائل، ماهو السياق الأساسي لإصدار هذا المشروع؟
يبرز السياق الأساسي من وراء إصدار القانون 83.21 المتعلق بالشركات الجهوية المتعددة الخدمات، في كون هذ القطاع ظل يواجه من الإشكالات التي أفرزتها التجارب التدبيرية الراهنة، التي لا تسمح للفاعلين الحاليين بمواكبة تطور الطلب على خدمات القطاع السالف الذكر، كما تحول دون تأمين التوازن في توزيع هذه الخدمات على المستوى الترابي، وخاصة بالعالم القروي.
وتشير أغلب الدراسات والأبحاث التي أنجزت بخصوص هذا القطاع، أنه لا زال يحتاج إلى استثمارات عمومية هامة، وأن مقاربات الاستثمار والتدبير المعتمدة إلى حدود اليوم لا تسمح بالاستجابة بشكل فعال لحاجيات القطاع، بالنظر إلى كثرة المتدخلين وغياب التنسيق بينهم، مما ينتج عنه استثمارات غير مبررة وذات فعالية محدودة.
علاوة على ما سبق، يبرز مشكل التغيرات المناخية كأحد الأسباب الداعية إلى إصدار القانون المنظم لهذه الشركات، التي تحمل رهان التنسيق بين الفاعلين المتدخلين في هذا القطاع من أجل مواجهة التحديات البيئية، ورفع رهانات التنمية المستدامة التي أصبحت تستوجب وضع منظومة تسمح بتأمين التزود بالماء الصالح للشرب والكهرباء، على أساس اقتصاد الماء والنجاعة الطاقية وحماية البيئة والموارد الطبيعية.
إن مختلف هذه الاعتبارات تقتضي وضع إطار قانوني منسجم مع المنظومة القانونية المغربية المتعلقة على وجه الخصوص، باللامركزية وبالاستثمار العمومي وبتدبير المرافق العمومية وبالنجاعة الطاقية، يسمح بالتأسيس المنظومة تدبير جديدة، وَوَضْعِها رهن إشارة الجماعات ومرتفقيها، تقوم على أساس مقاولات عمومية في شكل شركات جهوية متعددة الخدمات تسمح بعقلنة الاستثمارات المنجزة في القطاع وبمعالجة الفوارق المجالية في توزيع الخدمات العمومية ذات الصلة، كما تشكل مجالا مؤسساتيا مناسبا لالتقائية المتدخلين، وتَشَارُكِ إمكاناتهم، والحفاظ على مكتسب تعدد الخدمات في هذا القطاع.
ماهي أهم مرتكزات تنزيل القانون83.21؟
بالرجوع إلى مقتضيات القانون 83.21، يتبين أن هذا القانون يروم مواكبة الجهوية المتقدمة من خلال إحداث شركات على صعيد كل جهة وبمبادرة من الدولة "بما يسمح بالتقائية تدخل مختلف الأطراف المعنية بمجال التوزيع، ووضعها رهن إشارة الجماعات". كما يهدف إلى الحفاظ على مبدأ تعدد الخدمات لما يسمح به من الرفع من مستوى نجاعة الاستثمارات وكذلك توفير موارد هامة لتمويلها، وعلى العموم يمكن إجمال أهم مرتكزات هذا القانون:
*اعتماد مبدأ التدرج في إحداث الشركات لمواكبة طلب الجماعات وتطور التدبير بمختلف المدارات، إلى جانب إحداث فضاء مؤسساتي لتضافر جهود مختلف المتدخلين وتعاضد وسائلهم من خلال فتح مجال المساهمة في رأسمال الشركة أمام الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بما فيها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
*سن قواعد الحكامة في التعاقد بين الجماعات أو مجموعاتها من جهة، وبين الشركات الجهوية متعددة الخدمات من جهة أخرى، وتحديد المقتضيات التي يجب أن يتضمنها عقد التدبير، وتعزيز مسؤولية الشركة أمام الجماعات أو مجموعة الجماعات المعنية، بالإضافة إلى تقريب الخدمات من المواطنين وإضفاء البعد الترابي لتدخل الشركة من خلال التنصيص على ضرورة إحداث الشركة لتمثيليات على الأقل على مستوى العمالات والأقاليم بمناسبة تدبيرها للمرفق.
*تنظيم عمليات انتقال التدبير إلى الشركة في حال إبرام عقد التدبير، سواء فيما يتعلق بعلاقة الجماعة أو مجموعاتها بالشركة، أو حلول الشركة محل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ومحل الوكالات المستقلة في تدبير المرفق.
لتفعيل مبادئ تدبير المرافق العمومية، ما العمل؟
لتخليق المرفق العمومي، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية تهدف إلى تطويق الفساد وردع المفسدين، وتعزيز المساءلة وإعطاء الحساب، ومكافحة الإفلات من المتابعة ومن العقاب، ومحاربة الريع السياسي، ومنع تحقيق الامتيازات، وتخليق القضاء وترسيخ دوره في مكافحة الفساد، وضمان حق وأمن المواطنين في التبليغ عن الفساد ومعاقبته، والنهوض بقدرات المكافحة لدى الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وترسيخ البعد الإستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد في إطار الاطلاع بالمهام المخولة لها