يصنف قطاع الشركات الناشئة في المغرب في المرتبة 70 من بين 132 دولة، حسب المؤشر العالمي للابتكار (Global Innovation Index-GII)، وذلك بسبب العراقيل التي تحول دون تطور هذه الشركات، أهمها الحصول على التمويل.
وفي سنة 2023 حصلت المقاولات الناشئة في إفريقيا على أكثر من 2,9 مليار دولار من التمويل، بينما لم تحصل هذه الشركات في المغرب سوى على 17 مليون دولار، أي بمعدل 0,5 في المائة من إجمالي التمويلات في إفريقيا، وهو ما لا يتناسب مع ثقل المغرب في الاقتصاد الإفريقي.
ونبه الخبراء والفاعلون الاقتصاديون إلى التأخر في تنزيل توصيات النموذج التنموي الجديد، الذي راهن على رفع حصة الرقمنة من الناتج الداخلي الخام إلى 5 في المائة بحلول سنة 2030 مقابل أقل من 0,5 في المائة حاليا، مع احتمال توفير مئات الآلاف من مناصب الشغل.
لمناقشة هذا الموضوع، اتصلت "أنفاس بريس"، بالمهندس حسن الألوسي، دكتور في المعلوميات ومؤسس شركة "موبيتكوم"، فأدلى بالورقة التالية:
وفي سنة 2023 حصلت المقاولات الناشئة في إفريقيا على أكثر من 2,9 مليار دولار من التمويل، بينما لم تحصل هذه الشركات في المغرب سوى على 17 مليون دولار، أي بمعدل 0,5 في المائة من إجمالي التمويلات في إفريقيا، وهو ما لا يتناسب مع ثقل المغرب في الاقتصاد الإفريقي.
ونبه الخبراء والفاعلون الاقتصاديون إلى التأخر في تنزيل توصيات النموذج التنموي الجديد، الذي راهن على رفع حصة الرقمنة من الناتج الداخلي الخام إلى 5 في المائة بحلول سنة 2030 مقابل أقل من 0,5 في المائة حاليا، مع احتمال توفير مئات الآلاف من مناصب الشغل.
لمناقشة هذا الموضوع، اتصلت "أنفاس بريس"، بالمهندس حسن الألوسي، دكتور في المعلوميات ومؤسس شركة "موبيتكوم"، فأدلى بالورقة التالية:
يعيش الاقتصاد المغربي في السنوات الأخيرة انتعاشة نوعية بفضل سياسة اقتصادية ترتكز على تنويع المصادر كالسياحة والتصنيع والتي بدأت منذ سنوات وذلك رغم العديد من الأزمات الدولية ككورونا أو الوطنية كالجفاف الذي أصاب المغرب لأكثر من ست سنوات. لكن مجال التكنولوجيا، الذي يعتبر حيويا لأي تطور مستدام، يعرف تعثرا كبيرا، بحيث أن المغرب يعرف تراجعا في ترتيبه العالمي في التحول الرقمي ويتمثل ذلك في عدد الشركات الناشئة التكنولوجية المغربية التي تتأسس وتتطور بمقارنتها مع دول إفريقية كانت إلى عهد قريب جد متواضعة في الميدان. السؤال الذي يجب طرحه، لماذا عرف هذا الميدان تأخرا كبيرا ولا يواكب تطور الاقتصاد المغربي؟.
تعريف الشركات الناشئة
الشركة الناشئة Startup هي شركة ذات تاريخ تشغيلي قصير وهي في الغالب شركة تم تأسيسها حديثًا، وعادة في المراحل الأولى من تطورها، بهدف تقديم منتج أو خدمة فريدة (ليست تقليدية) إلى السوق. غالبًا ما تتميز هاته الشركات بأفكارها المبتكرة، وإمكانات النمو العالية، والتركيز على تطوير أو إحداث ثورة في الصناعات القائمة. أصبح هذا المصطلح متداولًا على نطاق عالميّ منذ تسعينيات القرن الماضي وتطور كثيرا بعد فقاعة الدوت كوم عندما تمّ تأسيس عدد كبير من هذه الشركات، خاصة في الولايات المتحدة.
عادة ما يتم تأسيس هذه الشركات من قبل رواد الأعمال الذين يسعون إلى تلبية حاجة أو مشكلة معينة في السوق. وغالبًا ما تواجه الشركات الناشئة مستويات عالية من عدم اليقين وقد تحتاج إلى تمويل خارجي لدعم نموها. يرتبط مصطلح "الشركة الناشئة" عادة بالتكنولوجيا والشركات القائمة على الإنترنت، ولكنه يمكن أن ينطبق على الشركات في مختلف الصناعات.
فيما يلي بعض الخصائص والجوانب الرئيسية التي تحدد الشركات الناشئة:
الابتكار: تشتهر الشركات الناشئة بتركيزها على الابتكار. غالبًا ما يقدمون منتجات أو خدمات أو نماذج أعمال جديدة تختلف عما هو موجود بالفعل في السوق. ويعتبر هذا الابتكار عاملاً رئيسياً في إمكانات نموهم.
إمكانات نمو عالية: على عكس الشركات التقليدية، تهدف الشركات الناشئة عادةً إلى النمو السريع. لديهم القدرة على التوسع بسرعة وتوسيع عملياتهم للوصول إلى قاعدة كبيرة من العملاء. غالبًا ما ينجذب المستثمرون إلى الشركات الناشئة مع توقع عوائد كبيرة على استثماراتهم.
المخاطر وعدم اليقين: تعمل الشركات الناشئة في بيئة من عدم اليقين. إنهم يواجهون تحديات مثل المنافسة في السوق وتغيير تفضيلات المستهلك (التأثير) والتقدم التكنولوجي. تعمل العديد من الشركات الناشئة بموارد محدودة ويجب عليها التغلب على هذه الشكوك لتحقيق النجاح.
قيادة ريادة الأعمال: غالبًا ما يتم تأسيس الشركات الناشئة على يد رواد أعمال لديهم رؤية لمنتج أو حل فريد. تعد قيادة ريادة الأعمال عنصرًا أساسيًا، حيث يجب على المؤسسين أن يكونوا قادرين على التكيف والمرونة والاستعداد لتحمل المخاطر لتحقيق أفكارهم.
الموارد الأولية المحدودة: تبدأ الشركات الناشئة عادة بموارد محدودة، بما في ذلك رأس المال المالي والبشري. قد يقوم المؤسسون بالتمويل الذاتي في البداية، أو البحث عن استثمارات من مستثمرين ملائكيين (Business Angels) أو أصحاب رؤوس أموال مغامرين، أو مزيج من الاثنين معا لدعم نموهم.
التركيز على قابلية التوسع: تصمم الشركات الناشئة نماذج أعمالها مع أخذ قابلية التوسع في الاعتبار. إنهم يهدفون إلى النمو بسرعة وكفاءة، وغالبًا ما يستفيدون من التكنولوجيا للوصول إلى جمهور أكبر دون زيادة التكاليف بشكل متناسب.
التغيير الجذري: تدخل العديد من الشركات الناشئة إلى السوق بهدف إحداث تغيير جذري في الصناعات القائمة. فإنهم يتحدون الطرق التقليدية لفعل الأشياء ويهدفون إلى تقديم حلول أفضل وأكثر كفاءة أو أكثر فعالية من حيث التكلفة والكفاءة.
الثقافة الديناميكية: غالبًا ما تتمتع الشركات الناشئة بثقافة شركة ديناميكية ومرنة (Agility). هناك تركيز على التعاون والإبداع والرغبة في التجربة. يمكن أن تكون بيئة العمل سريعة الخطى، وقد يرتدي الموظفون قبعات متعددة Multitasks)) لتلبية متطلبات العمل.
من المهم ملاحظة أنه على الرغم من أن الشركات الناشئة تشترك في هذه الخصائص المشتركة، إلا أنها يمكن أن تختلف بشكل كبير من حيث الصناعة ونموذج العمل والأهداف. بالإضافة إلى ذلك، ليست كل الشركات الجديدة مؤهلة لتكون شركات ناشئة؛ قد يكون بعضها شركات صغيرة ذات نهج أكثر تقليدية.
ما هو وضع الشركات الناشئة في أفريقيا؟
منذ عدة سنوات ومنظومة الشركات الناشئة (Ecosystem) في أفريقيا يتميز بالديناميكيًة والتطور. فقد شهدت أفريقيا اهتماماً متزايداً بريادة الأعمال والابتكار، حيث شهدت العديد من البلدان الإفريقية زيادة في عدد الشركات الناشئة والمبادرات الداعمة. فيما يلي بعض الاتجاهات والجوانب العامة لمشهد الشركات الناشئة في أفريقيا:
السكان الشباب والعائد الديموغرافي: تتمتع أفريقيا بسكان من الشباب الذين يتزايد عددهم بسرعة، مما يجعلها سوقًا واعدة للشركات الناشئة. تنخرط الفئة الديموغرافية الشبابية بشكل متزايد في ريادة الأعمال والمبادرات القائمة على التكنولوجيا.
تكنولوجيا الهاتف المحمول والتكنولوجيا المالية: كان الاعتماد الواسع النطاق لتكنولوجيا الهاتف المحمول محركًا هامًا للابتكار، لا سيما في قطاع التكنولوجيا المالية. وقد اكتسبت حلول الدفع عبر الهاتف المحمول والخدمات المصرفية الرقمية وغيرها من خدمات التكنولوجيا المالية قوة جذب في جميع أنحاء القارة.
الزراعة والأعمال التجارية الزراعية: تظل الزراعة قطاعًا رئيسيًا في العديد من الاقتصادات الأفريقية، وقد ظهرت شركات ناشئة تركز على الأعمال التجارية الزراعية والتكنولوجيا الزراعية وتجهيز الأغذية. غالبًا ما تستفيد هذه الشركات الناشئة من التكنولوجيا لتحسين الكفاءة والإنتاجية في سلسلة القيمة الزراعية.
الطاقة المتجددة: هناك اهتمام متزايد بحلول الطاقة المتجددة لمواجهة تحديات الطاقة في مختلف البلدان الأفريقية. تعمل الشركات الناشئة في قطاع الطاقة المتجددة على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من الحلول المستدامة.
التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية: أدى ظهور منصات التجارة الإلكترونية إلى تحويل مشهد البيع بالتجزئة في بعض البلدان الأفريقية. تعمل الشركات الناشئة في قطاع التجارة الإلكترونية على إيجاد حلول مبتكرة للتسوق عبر الإنترنت، وخدمات التوصيل اللوجستية، وأنظمة الدفع.
مراكز التكنولوجيا والحاضنات: شهدت العديد من المدن الأفريقية إنشاء مراكز التكنولوجيا والحاضنات والمسرعات التي توفر الدعم والموارد للشركات الناشئة. تعمل هذه المراكز كمساحات تعاونية حيث يمكن لرواد الأعمال التواصل والحصول على الإرشاد وتلقي التدريب.
الاستثمار والتمويل: على الرغم من أن الحصول على التمويل لا يزال يمثل تحديًا في العديد من البلدان الإفريقية، فقد حدثت زيادة ملحوظة في النشاط الاستثماري. يُظهر المستثمرون المحليون والدوليون اهتمامًا بالشركات الناشئة الأفريقية، مما يساهم في نمو منظومة الشركات الناشئة (Ecosystem).
التحديات: على الرغم من التطورات الإيجابية، تواجه الشركات الناشئة في أفريقيا تحديات مثل التعقيدات التنظيمية، وقيود البنية التحتية المهترئة، والحصول على التمويل.
مع ذلك من المهم أن نلاحظ أن مشهد الشركات الناشئة يمكن أن يختلف بشكل كبير من بلد إلى آخر في أفريقيا، ولكل منطقة فرصها وتحدياتها الخاصة والفريدة.
الشركات الناشئة في المغرب:
مع بداية الألفية الثالثة، أعد المغرب العديد من المخططات والمبادرات من أجل خلق بيئة مناسبة لتطوير الشركات الناشئة عبر شباب مليء بالرغبة والتحدي وبذل جهود لتعزيز ريادة الأعمال والابتكار. لكن سرعان ما تقهقر هذا الحماس منذ الربيع العربي لنحتل المركز التاسع إفريقيا حاليا في تمويلات الشركات الناشئة في 2023 بحوالي 17 مليون دولار فقط، وهو رقم ضئيل جدا مقارنة مع دول أخرى، أقل اقتصاديا و إمكانية من المغرب، بعيدا خلف كينيا، مصر، إفريقيا الجنوبية، نيجريا وحتى السنيغال. فالشركات الناشئة في المغرب تمر بمرحلة جد صعبة بسبب عدم وجود رؤية إستراتيجية على المدى البعيد. أضف إلى ذلك، هناك شح في الموارد البشرية المؤهل مع هجرة الأدمغة إلى بلدان في أوروبا وأمريكا الشمالية وحتى دول الخليج:
المبادرات الحكومية: فقد اتخذت الحكومات المغربية المتعاقبة خطوات لدعم ريادة الأعمال والابتكار في بداية الألفية. فقد تم إنشاء مبادرات مثل برامج التمويل والحاضنات والمسرعات لمساعدة الشركات الناشئة. لكن سرعان ما تناقصت بفعل تناقص التركيز الحكومي منذ بداية حكومة بنكيران.
الحاضنات والمسرعات: عمل المغرب على إنشاء العديد من الحاضنات والمسرعات لرعاية ودعم الشركات الناشئة (تيكنوبارك). فقد كانت توفر هذه البرامج الإرشاد والتمويل والموارد لمساعدة الشركات في مرحلة مبكرة على النمو.
فرص التمويل: في حين أن الوصول إلى التمويل يمكن أن يشكل تحديا، فقد كانت هناك زيادة في توفر رأس المال الاستثماري والاستثمارات الملائكية للشركات الناشئة المغربية. فقد نجحت بعض الشركات الناشئة، حتى 2012، في تأمين التمويل من مستثمرين محليين ودوليين. لكن، منذ ذلك الحين تعطلت الآلة التمويلية لهاته الشركات، فأصبحنا لا نرى شركات جديدة قادرة على المنافسة العالمية.
مراكز التكنولوجيا والابتكار: أصبحت مدن مثل الدار البيضاء والرباط مراكز للتكنولوجيا والابتكار. غالبًا ما تستضيف هذه المناطق مساحات عمل مشتركة وفعاليات وفرص للتواصل للشركات الناشئة.
التركيز على قطاعات محددة: غالبًا ما تركز الشركات الناشئة في المغرب على قطاعات معينة كالتجارة الإلكترونية والأنترنيت، متناسين أن العالم تطور لمجالات تكنولوجية أخرى، كمثال التكنولوجيا المالية، و الذي للأسف المجال الذي يبقى للأسف حكرا على الأبناك ومجال للاستثمار فيه بعيد عن الشركات الناشئة.
فالشركات الناشئة في المغرب تواجه تحديات كبيرة كالوصول إلى التمويل، والعقبات التنظيمية، والحاجة إلى بنية تحتية داعمة أكثر تطورا وملاءمة وأيضا إلى موارد بشرية كفؤة عبر سياسة تعليمية ترتكز على الكفاءات المطلوبة لمهن التكنولوجيا. للأسف المغرب يحتاج إلى رؤية إستراتيجية ومخططات حكومية بعيدة المدى:
الوصول إلى التمويل: يعد الوصول إلى التمويل تحديًا شائعًا للشركات الناشئة في جميع أنحاء العالم، ويعد عاملاً مؤثرًا في المغرب. فالشركات الناشئة تحتاج إلى دعم مالي لتوسيع نطاق عملياتها، وإذا كان الوصول إلى رأس المال الاستثماري أو المستثمرين الملائكيين أو مصادر التمويل الأخرى مقيَّدًا، فذلك يعيق نمو الشركات الناشئة.
البيئة التنظيمية: العقبات التنظيمية والعمليات البيروقراطية تشكل تحديا كبيرا للشركات الناشئة. ومن الممكن أن يساهم تبسيط المساطر واللوائح المتعلقة بتسجيل الأعمال والترخيص والتصاريح في خلق بيئة أكثر ملاءمة لريادة الأعمال.
التعليم والمهارات والموارد البشرية: يعد توفر القوى العاملة الماهرة التي تتمتع بالمهارات التقنية وريادة الأعمال اللازمة أمرًا بالغ الأهمية لنجاح الشركات الناشئة. إذا كانت هناك فجوات في برامج التعليم والتدريب التي تلبي احتياجات الصناعات الناشئة، فقد يؤثر ذلك على نمو الشركات الناشئة.
تحديات البنية التحتية: يمكن أن تؤثر المشكلات المتعلقة بالبنية التحتية على الكفاءة التشغيلية للشركات الناشئة. لذلك تعد البنية التحتية القوية ضرورية لحسن سير الأعمال التي تعتمد على التكنولوجيا.
حجم السوق والمنافسة: يمكن أن يؤثر حجم السوق المحلي المغربي على عدد الشركات الناشئة. في بعض الحالات، قد تواجه الشركات الناشئة تحديات في التوسع بسبب الحجم المحدود للسوق المحلية. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر المنافسة داخل صناعات معينة على دخول الشركات الناشئة ونموها.
العوامل الثقافية: يمكن أن تلعب المواقف الثقافية تجاه ريادة الأعمال والمخاطرة دورًا. وفي بعض المجتمعات، قد يكون هناك تفضيل للمسارات المهنية الأكثر تقليدية، وقد تكون هناك حاجة إلى تحول ثقافي نحو تبني ريادة الأعمال.
برامج التوعية والدعم: يمكن أن يؤثر الوعي ببرامج الدعم المتاحة، مثل المبادرات الحكومية والحاضنات والمسرعات، على النظام البيئي للشركات الناشئة. يمكن أن تساهم الجهود المبذولة لتعزيز ودعم ريادة الأعمال من خلال البرامج المستهدفة في نمو الشركات الناشئة.
الظروف الاقتصادية العالمية: يمكن للظروف الاقتصادية، على المستويين العالمي والمحلي، أن تؤثر على ثقة المستثمرين والبيئة الاقتصادية العامة للشركات الناشئة. ويمكن للاستقرار الاقتصادي والظروف المواتية أن تجتذب الاستثمار وتعزز ريادة الأعمال.
تنويع قطاعات الاستثمار: توسيع مجالات الاستثمار الى مجالات جديدة كالطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية.