الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عصام لعروصي: لدينا أزمة حكامة وهذا ما ينبغي فعله لتجاوز أزمات المغرب

عصام لعروصي: لدينا أزمة حكامة وهذا ما ينبغي فعله لتجاوز أزمات المغرب عصام لعروصي
الأزمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يمرّ‭ ‬بها‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬عوامل‭ ‬داخلية‭ ‬وأخرى‭ ‬خارجية‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬تراجع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القطاعات،‭ ‬وعدم‭ ‬تجاوب‭ ‬الحكومات‭ ‬السابقة‭ ‬والحالية‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المطالب‭ ‬الإجتماعية‭.‬

وتكمن‭ ‬مظاهر‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬الرؤية،‭ ‬وغياب‭ ‬تصور‭ ‬واضح‭ ‬لمعالجة‭ ‬الأزمات،‭ ‬خاصة‭ ‬الأزمات‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬منها‭ ‬المغرب،‭ ‬باستثناء‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬الرؤية‭ ‬الملكية‭ ‬نابضة‭ ‬ومتبصرة‭ ‬وحاضرة‭ ‬وقوية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أزمة‭ ‬زلزال‭ ‬9‭ ‬شتنبر‭ ‬2023.‬

فتدبير‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬الحكومية‭ ‬العمومية،‭ ‬عرف‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬التراجعات،‭ ‬ولم‭ ‬يتمّ‭ ‬التعاطي‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة‭ ‬معها‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬غياب‭ ‬استراتيجية‭ ‬ورؤية‭ ‬للحكومة‭ ‬لمعالجة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭. ‬ففي‭ ‬التعليم‭ ‬مثلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تبني‭ ‬النظام‭ ‬الأساسي‭ ‬الجديد‭ ‬لموظفي‭ ‬التربية‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تشاور‭ ‬وتوافق،‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الأُر‭ ‬في‭ ‬تفجير‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬يشغل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬موظف‭ ‬ويهم‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬7‭ ‬ملايين‭ ‬ونصف‭ ‬أسرة،‭ ‬تعرض‭ ‬فيه‭ ‬الأستاذ‭ ‬لإهانة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬وهو‭ ‬القلب‭ ‬النابض‭ ‬للعملية‭ ‬التعليمية‭ ‬التعلمية‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسة‭ ‬التربوية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬نجد‭ ‬نخبا‭ ‬غير‭ ‬مؤطرة‭ ‬سياسيا‭ ‬أو‭ ‬تقنوقراطية‭ ‬تدبّر‭ ‬الشأن‭ ‬العام،‭ ‬تحاول‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬الضغوطات‭ ‬والمتطلبات‭ ‬المالية،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تراعي‭ ‬احتياجات‭ ‬المغاربة‭ ‬وانتظاراتهم‭ ‬للأسف‭.‬

في‭ ‬اعتقادي،‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬أزمة‭ ‬حكامة،‭ ‬فعدد‭ ‬من‭ ‬القطاعات‮ ‬‭ ‬تشهد‭ ‬إضرابات‭ ‬وتوثرات‭ ‬نتيجة‭ ‬سياسات‭ ‬التقشف‭ ‬التي‭ ‬تنتهج،‭ ‬وغياب‭ ‬رؤى‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬ناجعة،‭ ‬وعدم‭ ‬تخصيص‭ ‬ميزانيات‭ ‬محترمة‭ ‬لقطاعات‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬ينعكس‭ ‬فيها‭ ‬الاهتمام‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬وأجود،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬سؤال‭ ‬نجاعة‭ ‬البرامج‭ ‬والشماريع‭ ‬والمخططات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬أجرأتها‭ ‬في‮ ‬‭ ‬الميدان،‭ ‬ولها‭ ‬انعكاس‮ ‬‭ ‬وأثر‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬وحياته‭ ‬ومحيطه‭.‬

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬ملفات‭ ‬وقطاعات،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬التعليم‭ ‬مثلا،‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬العشوائية‭ ‬والانتقائية‭ ‬والسياسات‭ ‬الفوقية‭ ‬يكرّس‭ ‬أزمة‭ ‬اجتماعية‭ ‬خانقة،‭ ‬نحتاج‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬مقاربات‭ ‬جديدة‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬متجدّدة‭.‬

أزمة‭ ‬النخب‭ ‬المسيّرة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وأزمة‭ ‬استراتيجيات‭ ‬حكومية‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬وملتبسة،‭ ‬وأحيانا‭ ‬منزلقة‭ ‬في‭ ‬اتجاهات‭ ‬سيئة،‭ ‬فطريقة‮ ‬‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬يعكس‭ ‬فشل‭ ‬التصور‭ ‬الحكومي‭ ‬للتدبير‭ .‬

النخب‭ ‬موجودة،‭ ‬والكفاءات‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬والمهمشة‭ ‬داخل‭ ‬الوطن،‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الكفايات‭ ‬والإمكانيات‭ ‬والمهارات‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬إعطاء‭ ‬نفس‭ ‬جديد‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬القطاعات،‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬ابتكار‭ ‬الحلول‭ ‬الناجحة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬ونعايشها‭ ‬اليوم‭. ‬فالملك‭ ‬يقترح‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬بمقاربات‭ ‬متعدّدة‭.‬

حان‭ ‬الوقت‭ ‬للقطع‭ ‬مع‭ ‬هاته‭ ‬الممارسات‭ ‬العشوائية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هيئات‭ ‬استشارية‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬متعددة،‭ ‬تقدّد‭ ‬المشورة‭ ‬وتقدم‭ ‬تقارير‭ ‬جيدة‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬اجتماعية‭ ‬عمومية،‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬وتحاصرها‭ ‬القلاقل‭ ‬والأزمات،‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬رؤية‭ ‬واضحة،‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬الإمكانيات،‭ ‬وتنامي‭ ‬الهدر،‭ ‬كما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬التربية‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭.‬

‮ ‬يجب‭ ‬التّفكير‭ ‬مليّا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاختلالات‭ ‬وتقويمها،‭ ‬حتى‭ ‬يشعر‭ ‬المواطن‭ ‬بالانتماء‭ ‬والاعتزاز‭ ‬بهذا‭ ‬الوطن‭.‬
 
عصام لعروصي/ خبير في السّياسة والدّراسات الإستراتيجية